هل كانت رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي بحاجة حقاً إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة إثر تسلمها مقاليد الحكومة لتقود المفاوضات لخروج بلادها من الاتحاد الأوروبي .. السؤال يعود إلى أن حزب المحافظين كان يتمتع بأغلبية مطلقة بحيازته 17 مقعداً إضافياً عندما تسلّمت ماي الحكم، لم تكن بحاجة في الواقع إلى المزيد من القوة لتقود مفاوضات جدية مع الاتحاد الأوروبي، واعتمادها على أن استطلاعات الرأي كانت تمنح المحافظين قوة أكبر في حال إجراء الانتخابات، لا يشكل مبرراً لاتخاذها القرار بإجراء انتخابات مبكرة.. إذن، لماذا أقدمت "ماي" على هذه الخطوة رغم عدم حاجتها لها ولا تضيف لها المزيد من القوة حتى لو فاز "المحافظون" بمكاسب ومقاعد إضافية؟!
هناك بعض الملاحظات التي أبداها بعض المراقبين البريطانيين وهم يحاولون الإجابة عن هذا السؤال إثر اتخاذ قرار ماي بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، تشير هذه الملاحظات الى أن السيدة "ماي" كانت تتطلع إلى مقارنتها مع رئيسة الحكومة السابقة، السيدة تاتشر التي باتت أول امرأة تصل إلى رئاسة الحكومة البريطانية، وتمتعت بكاريزما قوية مؤثرة داخل وخارج بريطانيا، السيدة "ماي" حسب هذه الملاحظات، تريد أن تقود بريطانيا في مواجهة مع الاتحاد الأوروبي، كحدث تاريخي تقود من خلاله حزب المحافظين المتمتع بأغلبية مطلقة واسعة بلا أي معارضة داخلية، "ماي" حسب هؤلاء، لم تقدم على اتخاذ قرار بإجراء انتخابات مبكرة، إلاّ لتعزيز دورها الشخصي، دون الأخذ بالاعتبار أن بلادها خارجة من انتخابات واستفتاء قبل بضعة أشهر.
وبصرف النظر عن هذه الملاحظات التي، أيضاً تناولت محاولة "ماي" أن تقارن بسيدة ألمانيا المستشارة ميركل، إلاّ أن إقدامها على إجراء هذه الانتخابات، وبصرف النظر عن النتائج المخيبة لآمالها، لم تكن لتشير إلى حصانة وذكاء هذه السيدة وهاتان الصفتان، كانتا مجالاً للحديث من قبل قيادات في حزب المحافظين إثر النتائج السلبية للانتخابات البرلمانية، فقد تحدث هؤلاء عن أن "ماي" انكشفت في الواقع أمام وسائل الإعلام للمرة الأولى إذ إنها وصلت إلى رئاسة الحكومة ليس من خلال انتخابات في المرة الأولى، بل بالتوافق داخل حزب المحافظين كنتيجة للاستفتاء حول الخروج من الاتحاد الأوروبي، حملتها الانتخابية كانت ضعيفة وأشارت إلى قصور في أدائها، خاصة بعدما رفضت أن تخضع لمبارزة سياسية واقتصادية مع قيادات الأحزاب الأخرى، الأمر الذي لا يمكن تفسيره إلاّ بمستواها المتدني وعجزها عن الدفاع عن موقفها، والأهم في هذا السياق، من وجهة نظرنا، أن السيدة "ماي" لم تنكشف فقط أمام الإعلام والرأي العام، بل انكشفت أمام محازبيها في حزب المحافظين، وهو الأمر الذي من المتوقع أن يشكل نهايتها السياسية على الأرجح في المستقبل!
كل ما فعلته السيدة "ماي" جرّاء قرارها بانتخابات برلمانية مبكرة أنها عالجت أزمات حزب المعارضة، حزب العمال الذي كان أكثر انشطاراً وانشقاقاً داخلياً، وتشكيكاً بقيادة "كوربين" إلاّ أن النتائج المبهرة التي نجمت عن هذه الانتخابات لصالح حزب العمال، أدت إلى مزيد من الالتفاف حول قيادة "كوربين" وثقة بقدرته على إصلاح العيوب والمخاطر التي لحقت بالحزب إثر قيادة "توني بلير" السابقة، وهو إنجاز حقيقي يفوق المقاعد الإضافية التي حصل عليها حزب العمال بنتيجة الانتخابات المبكرة! ويمكن القول في هذا السياق، إن موقع "ماي" في حزب المحافظين بات أكثر اهتزازاً بينما موقع غريمها في المعارضة، "كوربين" أكثر تعزيزاً وقوة من أي وقت مضى.
الملاحظة التي لا بدّ منها، بعيداً عن تشكيل الحكومة البريطانية الجديدة والاستعداد للمفاوضات للخروج من الاتحاد الأوروبي، أن الوضع في اسكتلندا بات متغيراً جداً بنتائج هذه الانتخابات، كانت الأحزاب القائدة في اسكتلندا، تهدف إلى إجراء استفتاء لبقاء اسكتلندا في الاتحاد الأوروبي، لكن تراجع قوة هذه الأحزاب الاسكتلندية بنتائج الانتخابات الأخيرة، وضع مسألة إجراء استفتاء خارج حدود الإمكانية، وربما هذه الملاحظة، هي الأهم بالنسبة للبريطانيين الذين صوّتوا في السابق لصالح خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي!