قبل ست سنوات، في 3 حزيران 2011، عنونت أحد أعمدتي "حزيراناتي" الثلاثة وقصدت: نكسة 1967، الاجتياح الإسرائيلي للبنان 1982، الانقلاب الغزي 2007.
زميلي المشاكس نصري الحجاج، رأى أنني أسقطت حزيراناً رابعاً، وهو معركة 6 حزيران 1977، وفيها دمّر الفدائيون 39 مدرعة وناقلة جند سورية في ساحة مدينة صيدا.
في 5 حزيران من العام 2011 قلت لزميلي إن حزيران صيدا ملحق بحزيران بدء الاجتياح، وكان عنوان العمود: "فلسطين فين.. وسورية وين"؟
أين كنتُ، وأين صرت في "حزيراناتي" الثلاثة؟ كنت في الشام في حزيران النكسوي. كنت في بيروت خلال حزيران الثاني، صرت في رام الله مع حزيران الثالث.
لن أضيف حزيراناً رابعاً، هو نزاع الخليج بين قطر وباقي أعضاء مجلس التعاون الخليجي.
يهمني في حزيران الخمسيني- النكسوي أن شهر الأحزان والحروب، هو شهر الامتحانات الثانوية، وهي تصادف رمضان هذا العام، لكن لا مصادفة في مواقيت السنة الشمسية، أن يقع الخامس من حزيران في يوم الاثنين من كل أسبوع.
سآخذ جانباً شخصياً من المناسبات والمصادفات، وهو أن بيتي يقابل مدرسة إناث "عزيز شاهين" الثانوية، وفي صباحات هذا الشهر، أخرج من شقتي إلى مقهاي، بينما تخرج التلميذات من قاعات الامتحان، ليتجمعن وقوفاً ودروشة أمام باب المدرسة، أو يقتعدن الأرصفة الظليلة، سافرات الرؤوس أو محجّبات، متحررات من حقيبة المدرسة ومريولها المقلّم بالأخضر والأبيض يقضمن سندويشات فلافل، أو مقرقشات البطاطا!
بماذا أفكر؟ عشتُ ثلاثة حزيرانات خلال نصف قرن، لكن لن أعيش اليوبيل الـ75 لحزيران الرابع، وكيف ستكون أحوال فلسطين، وعالمها العربي ـ الإسلامي بعد ربع قرن آخر على خمسينية حزيرانية، لكن تلميذات امتحانات التوجيهي 2017 سيكنّ أمّهات، وربما جدّات، جيل جديد، قد يؤدي امتحانات التوجيهي بعد ربع قرن آخر. حياة في دورة حياة.
في حزيران هذا، أوّل امتحان توجيهي لنظام جديد اسمه "إنجاز" ولعلّه أهم إصلاح تعليمي بعد توطين وتوحيد المناهج الدراسية، في حقبة ما بعد هذه الأوسلو والسلطة الوطنية.
ما مدى نجاح تجربة "الإنجاز"؟ سنعرف هذا بعد إعلان نسبة الناجحين، ونسبة الآناث منهن، ونسبة ازدياد طلاب القسم العلمي إلى القسم الأدبي.
في رأيي الشخصي، فإن صبري صيدم، وزير التعليم، وايهاب بسيسو، وزير الثقافة، لعلهما أنشط وزراء هذه الحكومة الباهتة.
في خمسينية حزيران النكسوي، كبر الكاتب والقاص إلياس خوري نصف قرن، وعشية ذلك الحزيران رقص "الفتى المراهق" كما قال وهو يهتف مع الجمهور لناصر وجيش العروبة الذي بدأ "حرب التحرير".
لديّ أسبابي الشخصية والسورية، لأنني في ذلك الحزيران الأسود ـ النكسوي ـ الكارثي ـ الهزائمي، لم أهتف لناصر، لأن هزيمته وجيشه وجيوش ثلاث دول عربية لم تحصل في العام 1967، ففي أيلول العام 1961، لم يعد ناصر زعيم العروبة، بعد أن فشل في امتحان الانفصال السوري، والدفاع عن وحدة جناحي الجمهورية العربية المتحدة، التي بدت مثل "كمّاشة" تُطبق على إسرائيل. الآن، سورية وين.. ومصر فين!
بعد حصار الفالوجا 1948، قال البكباشي عبد الناصر: إن تدخّل الجيوش العربية لم يكن بالخيار السليم، بل تسليح وإعداد المقاومة المسلحة والشعبية الفلسطينية لمنع إقامة إسرائيل.
في العام 1963، موجوعاً بتفكك الكمّاشة السورية ـ المصرية، قال ناصر لوجهاء من غزة: ليس لديّ خطة حرب لتحرير فلسطين. اعتمدوا على أنفسكم وسندعمكم. وقبل حرب النكسة ـ الهزيمة ـ الكارثة، واستقالة ناصر، كان يرى أن الصراع العربي مع إسرائيل حضاري أولاً قبل أن يكون عسكرياً.
لماذا "تورّط" ناصر في أيار 1967؟ لقد حرّك جيوشه إلى سيناء ووقع في "فخ" سوء التقدير، ليس بسبب إنذارات روسية عن نوايا إسرائيل لضرب سورية، لكن عن "عقدته" السورية.
سورية وشعبها منحه شعبية خرافية في العام 1958، حيث كانت ساحة قصر الضيافة في دمشق، مثل كعبة للشعب السوري: "طل علينا يا جمال"، "بدنا كلمة يا جمال"!
بين الانفصال السوري في أيلول 1961، وحرب النكسة الحزيرانية، كانت سورية ساحة للفوضى والانقلابات الدموية وسيطرة حزب البعث، ومزاودات القيادة السورية، خاصة أمين الحافظ، على الزعامة الناصرية، لقبولها مبادرة روجرز، وشعارات البعث السوري عن "حرب التحرير الشعبية"، حيث ادّعى الدكتاتور الدموي أمين الحافظ أن لديه خطة لتحرير فلسطين خلال 72 ساعة.
إن حبّ ناصر لسورية، ودفاعه عن مكانته زعيماً للأمة، هو الذي دفعه إلى الوقوع في "فخ" حرب حزيران 1967، بينما كان الجيش السوري في أسوأ حالاته نتيجة لسياسة البعث في تبعيثه وبناء "جيش عقائدي" انسحب من القتال فعلياً وأخلى مواقعه في جبهة الجولان، التي كانت مثل "خط ماجينو" الفرنسي الحصين، الذي كشف الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين أسراره.
المهم في حزيران النكسوي هذا، هو ادعاء نظام البعث أن هدف إسرائيل ليس الاحتلال، لكن إسقاط "الأنظمة التقدمية"، بينما انهارت صورة ناصر باعتباره "أبو الأُمّة" العربية، وتالياً انهارت زعامة عربية حاولت وراثة ناصر، مثل صدام حسين ومعمّر القذافي، وحتى حافظ الأسد، وبدأت مرحلة الحروب الأهلية العربية.
شخصياً، طالما رأيت في أنور السادات هو الزعيم الذي فاجأ إسرائيل بحرب العبور، ثم فاجأها بزيارة القدس، وفاجأ العالم بمعاهدة الصلح مع إسرائيل.
منذ حزيران الأول إلى حزيران الخمسيني، والعالم العربي والعالم في حالة إعادة تشكيل، وكذا الفلسطينيون وإسرائيل.
كان شو آن لاي رئيس وزراء الصين، ولما سئل عن المستقبل، قال: عداوات جديدة، تحالفات جديدة، فوضى في كل مكان.