تعذيب الحيوانات

عبد الغني سلامة.jpg
حجم الخط

شاهدتُ على الفيسبوك مشهدا مصورا لشاب يصدم جملا بسيارته بشكل متعمد ومتكرر، فيما يفشل الجمل بالهروب بسبب تقييد أطرافه.. المنظر مثير للاشمئزاز، لكنه دفعني من باب الفضول لمشاهدة أفلام أخرى مشابهة، صوّرها أصحابها بهواتفهم، وتظهر فيها أشكال متعددة من تعذيب حيوانات.. قطع ذيل قط، حرق ثعلب وهو حي، ترك ضبع لأيام وهو عالق بفخ حديدي يطبق على يده بكل قسوة، وهو يعوي بكل ألم، ربط مجموعة حمير ببعضها ثم دفعها من جرف شاهق لتسقط في وادٍ سحيق، وسط ضحكات المصور، قلع أسنان أفعى بالكماشة ثم ربط فكيها وتركها بالخلاء، تقطيع ثور حي بالساطور وهو مربوط بعامود، تهشيم رأس كلب بالطوب، إلقاء قطة من سيارة مسرعة، جَلد بغل حتى سلخ جِلده تقريبا، سحق كلب تحت عجلات سيارة..
الأمر الغريب هو تصوير وتوثيق هذه الحالات المقززة، ما يدل على عدم خوف أو خجل أصحابها من تبعات أفعالهم الشنيعة، والسبب غياب القوانين التي تجرّم تعذيب الحيوانات في أغلب الدول العربية (ومن أمن العقوبة أساء الأدب)، فلو رأى شرطي مواطنا يجلد حمارا فلن يكون بمقدوره تقديمه للعدالة، لأن العدالة في الثقافة العربية لا علاقة لها بالحيوانات (فالعدالة بالأساس مغيبة عن الإنسان).
والأمر الثاني الذي لا يقل غرابة انتشار مثل هذه المشاهد المنفرة وتداولها على نطاق واسع على الإنترنت، ما يدل على أن هذا الموضوع يجلب انتباه شرائح واسعة من المجتمع، وأن بعض المتابعين يتمتعون برؤيتها، حتى لو أثارت اشمئزازهم.. ما يدل أيضا على مدى الكبت والقهر والحرمان الذي تعاني منه المجتمعات العربية بمختلف شرائحها؛ حيث تحاكي مشاهد العنف الغضب المحتقن في نفوس هؤلاء..
وفي سياق متصل، انتشر العديد من المقاطع المصورة التي التقطها أناس آخرون بطريقة خفية، ودون علم أصحابها، تُظهِر تعذيب حيوانات في حدائق الحيوان، أو قتلها والتعامل معها بطريقة وحشية في مزارع تربية الدواجن والمواشي والخنازير، أو في المسالخ، أو في المختبرات التي تجري تجارب على الحيوانات.. بالإضافة لمشاهد قاسية عن إساءة معاملة الحيوانات الأليفة وتعذيبها، ولكن ليس بهدف التعذيب، إنما كممارسة قاسية تخلو من الرحمة اعتاد عليها بعض المزارعين في تعاملهم مع مواشيهم ودوابهم..
طبعا كل ما ينتشر على الإنترنت هو غيض من فيض، بمعنى أن الواقع (غير الموثق) هو أكثر وأفظع بكثير مما هو معروف ومنشور.. ولكن، لم َكل هذه الوحشية والقسوة؟!
أخذت ظاهرة تعذيب الحيوانات وتوثيقها ونشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي تتكرَّر في الآونة الأخيرة بشكل لافت للنظر، حتى إنَّ البعض يتنافسون على نشر ممارساتهم السادية، وكأنَّهم في سباق للتفاخر، والحصول على الشهرة، وجلب الانتباه، وتجميع «لايكات»، بمثل هذه التصرفات الهمجية.. 
مثل هذه السلوكيات المستهجنة موجودة في جميع بقاع العالم، ولكن من المؤسف أنَّها منتشرة بكثرة في بلداننا، التي تدين بالإسلام؛ الدين الذي أوصى بالرفق بالحيوان، سواء في المعاملة أو بطريقة ذبح ما يؤكل منها.. ومن نافلة القول إن هذه التصرفات فضلا عن مخالفتها التعاليم الدينية هي أيضا منافية للفطرة الإنسانية والقيم الأخلاقية والشعور الإنساني الذي جُبل على الرحمة والرأفة.
ولا شك أن معذبي الحيوانات أصحاب شخصية «ساديّة»؛ وهي شخصية مضطربة سلوكياً تتميَّز بالقسوة والنزعة العدوانية العنيفة، تتمتع بإهانة الآخرين وتعريضهم للألم والمعاناة، بهدف السيطرة والشعور بالقوة، أو الشعور بالنشوة. وهي شخصية «سايكوباثية» يصعب علاجها؛ وتكمن خطورتها في أن صاحبها قادر على التعامل بوداعة ولطف مع الآخرين، ونيل ثقتهم ثم استخدام ذلك في التلاعب بهم، وهو وإن كان في الظاهر يحب من يحيطون به إلا أن سلوكه الحقيقي موجه ضدهم.
وعادة، يكون أصحاب هذه الشخصية ممن نشؤوا في أسرة يوجد بها من يعاني من اضطراب نفسي، أو ممن تعرضوا لتجارب قاسية، وخبرات طفولة سيئة، أو عانوا من الحرمان والجفاف العاطفي، وتكون عند الذكور أكثر من الإناث..
ومن أعراض هذا المرض، العصبية المفرطة، والاكتئاب وفقدان الأمل والتشاؤم، والاستمتاع بمعاناة الآخرين النفسية والجسدية، بما في ذلك معاناة الحيوانات، دون أدنى شعور بالذنب.
وكذلك حب الهيمنة المفرطة، حيث يسعى الساديّ، لجلب الانتباه والمبالغة في التعبير عن العواطف، كما أنَّه يسعى إلى الإثارة والمجازفة، إضافةً إلى الهوس بالعنف والسلاح لأنه يعتقد أنَّ القوة والسلطة أهم شيء في الحياة..
وتعذيب الحيوانات عادة ما يكون مقدمة لما هو أشدّ وأخطر؛ وهو بمثابة «بروفة» لما سيأتي بعده.. وبالذات الاعتداء على الحالات الضعيفة (الأطفال، النساء، كبار السن، المعتقلين)، حيث يكون الشخص قد اعتاد على العنف والقسوة.. ووجه الشبه بين هذه الحالات وتعذيب الحيوانات، أن الضحايا في كل الحالات تكون ضعيفة أمام جبروت المعتدي الذي ينتشي بقوته وقدرته، وهي غير قادرة على الدفاع عن نفسها، أو تقديم شكوى.. حيث يستغل المعتدي قوته الجسدية وسلطاته الذكورية في ممارسة اعتداءاته.. خاصة الاعتداءات الجنسية على الأطفال، وحالات التحرش بالنساء والاغتصاب.. فقد أثبتت أبحاث عديدة وجود علاقة بين تعذيب الحيوانات وبين العنف الجسدي داخل العائلة، وفي المجتمع.. وأغلبية الذين يُمارسون العنف ضد المسنين والأطفال والزوجة والنساء في الشارع، هم أشخاص سبق لهم ممارسة تعذيب لحيوانات..
كما بينت الدراسات أن أغلبية الأطفال والفتية الذين يمارسون تعذيب الحيوانات، يتحولون حين يكبرون إلى قتلة ومجرمين، أو إلى مستبدين وطغاة وعنيفين، سواء تبوؤوا مناصب عليا أم وظائف متواضعة..
«عُذّبت امرأة في هرة، سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها ولا سقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض».. حديث شريف، وفي حديث آخر: «رأى رجلٌ كلباً يأكل الثرى من العطش، فأخذ الرجل خفه، فجعل يغرف له به حتى أرواه، فشكر الله له، فأدخله الجنة».