يكشف سر العاشق
يطلّ نزيه نصر الله من ديوانه الأوّل "حبيبتي للأبَدِ" ببريق كاشفًا ولادة شاعر عاشق يخفق قلبه تحت صورة شعرية رومانسية. لقد عشتُ مع نبض الديوان ومع الإهداء، فوجدتُ نفسي أمامَ دنيا كبيرةٍ تزخرُ بفيضٍ مِنَ المشاعر، ولمستُ عروقَ القصائدِ تنبضُ بالعاطفةِ الجيّاشةِ، وتخرجُ مِن القلبِ للقلب مباشرةً دونما استئذان، شعرٌ زاخرٌ بمفرداتٍ عذبةٍ دغدغتْ ذائقتي الشعريّة، وساندت تراثِ الأمثالِ بأنّ أوّلَ الغيثِ قطرٌ وينهمرُ، ولم يَشأ نزيه نصرالله منذ الإبداعِ الأوّلِ إلّا أن يَقفزَ عن القطرِ ويتخطّاه، فيغدو طوفانًا.
نزيه، مواليد شفاعمرو، يهدي مجموعته لفرسان الحُبِّ والعشقِ ولكلِّ ذي قلبٍ حيٍّ بالحُبِّ .. بالعشق .. بالهُيام ليسكر حتى الثمالة مكتفيًا بكأس فارغةٍ في قصيدة "راحُ عَينَيكِ" – فاتحة الديوان حين يقول :
وأكتفي
بكأسٍ فارغةٍ
وبِ.. راحِ عيْنيكِ
كي أسكَرْ!
ليتحوّل إلى الغيرة على الحبيبة مُحتذيًا برائعة الحداثيّ أنسي الحاج "أغار" ومن ثم عابدًا لحبيبته فرحًا بها ومعها إلى الأزل في قصيدة "مزاميري رهنُ ولادةٍ" حين يقول:
أنا يا سيّدتي
ما أتيتُ لأُعبَدَ
بل
لأفرحَ بكِ
ولأفرحَ معكِ
وها أنتِ
إلى الأزلَ
تُعبَدين!
نزيه شاعر عشقيّ ولهان يحب المرأة التي تُطيّب جثمانه بعطر دموعها في قصيدته "خطيئتُكِ لا تُغتفَرُ" صارخًا :
كيف تُسكرُني خمرةٌ
ما زالتْ
في أحضانِ عناقيدِها
حُصرُما؟
ويتغنّى بها عبر كل صفحات الديوان فيُهدهدُه الانتظار ولكن لا مفرّ له كما يقول في قصيدته "إلى أين المهرَبُ؟" ليتعطّر بعشقها في قصيدته "ينبشني عِطرُكِ سيّدتي" :
من بشارة قُدْسِكِ
يتَعطّرَ فاهي بَخورًا
بزهرِ ليمونِكِ
بنَوّارِ بنفسجِك
ولا زال يَنبشُني عِطرُكِ
في استحضارِكِ سيّدتي
وتهيجُ الذّكرى!
أنّنا غدوْنا في عصر اللامعقول بالنسبةِ للقصيدةِ النثريّة، وكأنّ أدونيس وأنسي الحاج وغيرهم من شعراء الحداثة "جَنَوْا" على تلك القصيدة، بفتح السّاحاتِ الأدبيّةِ "للانفلات الشعريّ، فتسلّلَ العديدُ مِن الأقلام إلى المشهد الشعريّ، واختلط حابلُ الشعراء بنابلِ الهاوين الذين توهّموا أنّهم شعراء، وكأني بشاعرنا محمود درويش إذ قال:
قصائدنا بلا لون
بلا طعم بلا صوت
إذا لم تحمل المصباح من بيت إلى بيت
وإن لم يفهم البسطاء معانيها
فأولى أن نذريها
و نخلد نحن للصمت
يقفُ شعرُ نزيه على الشاطئِ الآخرِ من البحر الشعريّ. في كتاباتِهِ يُميطُ اللثامَ عن مشاعرِهِ الصادقةالجيّاشة، وتحفلُ أبجديّتُهُ ببساطتِها، فيقفُ بعيدًا عن الغموضِ والإبهام والتعقيدِ والانغلاق، وعن الدّجلِ الشعريّ الذي أصبحَ على أشدّه !
يبعث نزيه بعذوبة كلامه "برقيات دامية" للحبيبة :
أكتب لها
كم أنا أُحِبُّها
وكم أهواها
و"إلى عاشقةٍ لعوبٍ" بكل سلاسة ووضوح ومباشرة، بعيدًا عن الرموز والغموض والتورية والمزاجيّة المفرطة فيصرخ بوجه عشيقته "اقرئي سورةَ حُبّي" مدى حُبّه لها وكي يتأكد من ايصال رسالة عشقه يعترف لها مباشرة "في هيكلِ الاعتراف" ليُعلن ازدهار وطنه بها قائلًا :"عِطرُكِ يوقظُ الأموات"!
وعطرُكِ
يوقظُ الأمواتَ
مذ صارتْ باريسُ
لكِ تركعْ
ولأنفاسِ عطركِ
تيجانَها تخلَعْ!
لا مفر من التنويه أن التصميم الغرافي في الديوان تجاهل القيمِ النصيةِ (الخطوط) وباتت بنفس الوزن والوتيرة، لا فرق بين العنوان والنص، كذلك تم تجاهل أوزان النص، قُربها وكذلك بُعدها عن العنوان وعن بعضها البعض، ناهيك عن الفراغ بين الأسطر الذي تم تجاهلُه، وفي صفحة الحقوق تم تجاهلُ المعاييرِ للخطوط ونقلُ المعلومةِ فبات مثلَ النصِّ الداخلي تمامًا، وكذلك أزعجتني الأخطاء النحوية واللغوية مما ظلم نزيه، وتشكيل الأحرف بشكل سافر أجهض النص وأرهقه وأبطئ القصيدة وأثقلها.
صدر الديوان عن "دار الوسط اليوم للإعلام والنشر" – رام الله، يحتوي الديوان على 21 قصيدة في 70 صفحة، قامت بمراجعته الشاعرة آمال عوّاد رضوان، ولوحة الغلاف للفنّانة الفلسطينيّة تغريد حبيب.
يطلّ الشاعر نزيه بديوانه الأول بعيد ميلاده الستين ويُنبئ بولادة شاعر يشقّ له مكانةً ومكانًا على الساحة الأدبيّة المحليّة بعد أن وجد منصّته ومنبره ليكسر حاجز صمته.
يا معشر الأدباء - ما دمتم واثقين من أن لكم رسالة تؤدونها فلا تقنطوا من تأديتها وإن أُغلقت في وجوهكم أبواب الصحف والمواقع الإلكترونية ودور النشر، ثابروا على العمل وهذا كفيل بأنكم ستشقون لرسالتكم طريقًا في النهاية، فالناس في جوع وعطش دائمين إلى القول الجميل، ولا تنسوا أن الذين تبصرونهم اليوم في القمّة كانوا بالأمس في الأغوار والأعماق.