ذكر تقرير لصحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، أنه على الرغم من المخاطر التي تم الترويج لها من أن أزمة الكهرباء في قطاع غزة من شأنها أن تدفع حركة حماس إلى أحضان الإيرانيين، وربما الدفع باتجاه مواجهة عسكرية جديدة تستعد لها "إسرائيل" فإن التقديرات السائدة في أجهزة الأمن الإسرائيلية تؤكد أن الأزمة في غزة تحت السيطرة.
وذكر المحلل العسكري ليديعوت اليكس فيشمان، في تقرير أمس الجمعة، أنه بحسب التقديرات الأمنية الإسرائيلية فإنه "لا توجد مؤشرات تدلل على احتمال اندلاع مواجهة عسكرية من طرف حماس، التي تخشى أن تكون مواجهة كهذه الأخيرة من نوعها لجهة إخضاعها عسكريًا وبشكل نهائي".
ولفت، إلى أن تقديرات الأجهزة الإسرائيلية أنه في حال أدارت "إسرائيل" الأزمة الحالية، وتصرفت خلالها بحكمة ومن دون استفزاز لحركة "حماس" فإنها ستضمن أن تمر عمليات حفر وإقامة العائق والجدار الذي تعمل على بنائه حول قطاع غزة وفي باطن الأرض ضد أنفاق كتائب القسام من دون أحداث "عنف" لافتة.
ونبه فيشمان، إلى أن الاستجابة الإسرائيلية لطلب السلطة الفلسطينية الرسمي بتخفيض كهرباء غزة تخدم في نهاية المطاف الاستراتيجية الإسرائيلية العامة، حتى وإن بدا أنها تميل لتعزيز مكانة السلطة الفلسطينية، ورئيسها محمود عباس، في مواجهة حركة "حماس" من جهة، والقيادي الأمني المفصول من حركة "فتح" محمد دحلان، من جهة ثانية.
والواقع أن هذه النقطة تشكل المحور الرئيسي في الموقف الإسرائيلي، وفي سعي المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بالذات، إلى محاولة "صب المياه الباردة"، وفق تعبير فيشمان، على التنبؤات التي تحدثت أخيراً عن اقتراب اندلاع مواجهة عسكرية في الصيف، خوفاً من أن تتحقق هذه التنبؤات.
وأوضح أن "إسرائيل ورغم استجابتها لموقف السلطة الفلسطينية، إلا أنها في الوقت ذاته، أطلقت مساعيَ سرية، واتصالات قام بها منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية الجنرال يوآف مردخاي لدى الدول المانحة لتحقيق هدف واضح، وهو محاولة استمالة هذه الدول لفتح "محفظتها" وتقديم المساعدات التي تعهدت بها لإعادة إعمار غزة، ما يسهل أيضاً، على محور الدول السنية دفع قطر خارج غزة وتخفيف حجم ومدى تأثيرها على القطاع وعلى حماس لصالح أطراف أخرى".
وقبل أيام مدير مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي الجنرال عاموس يادلين ورقة تقدير موقف أوصى فيه "بضرورة تحرك إسرائيل لدى واشنطن لبلورة صيغة حل تسوية في أزمة الخليج، تضمن لجميع الأطراف حفظ ماء وجهها، وتفتح المجال أمام زيادة نفوذ أطراف أخرى من هذا المحور في قطاع غزة بعد تحجيم دور قطر في القطاع وتخفيف نفوذها لدى حماس".
لكن إلى جانب هذا، فإن فيشمان يشير إلى أنه من وجهة نظر إسرائيل فإن التحرك الأخير، وقرار الكابينت السياسي والأمني، يخدم إسرائيل جيداً على المستوى الاستراتيجي، من حيث أنه يكرس الفصل التام بين قطاع غزة وبين الضفة الغربية، وهو ما يمكنها من مواصلة النفخ في قربة الانقسام، وأنه لا يمكن في ظل هذا الانقسام التوصل إلى تسوية دائمة، فالسلطة الفلسطينية لا تمثل إلا جزءاً من الفلسطينيين، في الضفة الغربية، وما يتم الاتفاق عليه معها لن يكون سارياً على قطاع غزة، مثلما أن أي اتفاق تسوية دائمة مع "حماس" لن يكون ساري المفعول في الضفة الغربية.
لكن فيشمان لا يقف عند هذا الحد، بل يصف بصريح العبارة القرار الإسرائيلي الأخير، بأنه "مناورة سياسية محضة" تهدف إلى الدفع بالأزمة إلى طريق مسدود من خلال محاولة الضغط على الدول المانحة، لاتخاذ قرارات وتحمل المسؤولية المالية عن إعادة إعمار غزة.
ومن هذا المنطلق كان أيضًا قرار الاستجابة لطلب السلطة الفلسطينية بشأن تقليص حجم الكهرباء لقطاع غزة، وهو قرار جاء بعد اتصالات متواصلة، بين "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية، كان آخرها قبل نحو أسبوعين خلال اللقاء الذي جمع رئيس الحكومة الفلسطينية رامي الحمد الله، ووزير المالية الإسرائيلي، موشيه كاحلون، ومنسق شؤون الاحتلال الجنرال يوآف مردخاي إذ أعلنت السلطة رسمياً أنها لن تدفع ثمن الكهرباء عن قطاع غزة، وطلبت من حكومة الاحتلال عدم خصم ثمن هذا الكهرباء من أموال الضرائب التي تجبيها إسرائيل لصالح السلطة الفلسطينية.
واستعرض تقرير يديعوت "إجمال الفائدة الإسرائيلية" من الأزمة الحالية أولاها ترسيخ الانقسام الفلسطيني بما يخدم الموقف الاستراتيجي القائل بعدم وجود شريك، وثانيًا إضعاف محمود عباس لدى الرأي العام الفلسطيني من حيث تصويره أنه المسؤول عن الأزمة بسبب رفضه تمويل ثمن الكهرباء لقطاع غزة من العائدات الفلسطينية المستحقة على حكومة الاحتلال.
وثالث فائدة يحققها الاحتلال هي تمهيد الأرضية لإلقاء التهمة والمسؤولية في حال اندلعت مواجهة عسكرية جديدة، وإن كانت "إسرائيل" تفضل تأجيلها إلى ما بعد الصيف لإكمال أعمال بناء الجدار العائق حول غزة، على الدول المانحة التي نقضت تعهداتها بشأن إعادة إعمار قطاع غزة، ولم تسدد التزاماتها، وبالتالي تحميل هذه الدول أيضاً المسؤولية عن تدهور الأوضاع الإنسانية في القطاع، وما قد ينجم عنها من مواجهات عسكرية بين "حماس" ودولة الاحتلال.
وأوضح التقرير أنه تفسر هذه الاعتبارات والتطورات سبب تصريح رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أخيراً، أن أزمة الكهرباء، هي أزمة فلسطينية داخلية، لا شأن لإسرائيل بها، وأن إسرائيل استجابت فقط لطلب السلطة الفلسطينية بشأن ثمن الكهرباء، وليست المسؤول عن نشوب الأزمة.