«طوال عمري وأنا أسمع أن هذه الصفقة هي الأصعب إبراماً في العالم، وإذا كنت لا تستطيع إحلال السلام في الشرق الأوسط فلن يتمكن أحد من ذلك» هذا هو كلام الرئيس الأميركي لصهره زوج ابنته، جارد كوشنير، والذي بات مبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط، في تجاوز لكل الأعراف والتقاليد الرسمية والبروتوكولية الأميركية وغير الأميركية، إذ ان هذا المنصب بات «مناصفة» أو «توازياً» مع منصب المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط جيسون غرينبلات، كلاهما من اليهود، إلاّ أن الأول عديم الخبرة بالشأن السياسي مقارنة مع الثاني، إلاّ أن الثاني لا يتمتع بالاقتراب الكامل من الرئيس الأميركي كما هي الحال مع كوشنير الذي، أيضاً، رافق الرئيس الأميركي في جولته الأولى إلى الشرق الأوسط وحظي بالترحيب الكامل في العاصمة السعودية الرياض أثناء عقد قمم ترامب الثلاث.
في الجملة المشار إليها في البداية، حديث الرئيس الأميركي عن العملية التفاوضية في الشرق الأوسط، على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، باعتبارها «صفقة» وهي العبارة الصحيحة تماماً في عالم الأعمال والتجارة، تليق بالرئيس وبصهره، إلاّ أن هذا لا يجعل منها الكلمة الصحيحة في علم السياسة، حتى لو تقاربت بعض عناصر الصفقة مع العملية السياسية، إلاّ أن الملاحظة الأهم في سياق هذه الجملة، أن الرئيس الأميركي اعتبر لأسباب مجهولة أن كوشنير، رجل الصفقات والتمويل، هو المؤهل لحل طلاسم هذه «الصفقة» مقارنة بشيخ الساسة الأميركيين هنري كيسنجر ودنيس روس وجون كيري، وآخرون فشلوا فشلاً ذريعاً في حل تلك الطلاسم وتكللت جهودهم ومبادراتهم وخططهم بالفشل الذريع، أما هذا التاجر الغض عديم الخبرة فهو المؤهل لحل تلك الطلاسم والتوصل إلى نجاح باهر غير مسبوق بحل أحجيات هذه القضية التي استعصت على الجميع.
لا يستطيع أحد التكهن بتصرفات وردود فعل الرئيس الأميركي ترامب، من هنا لا يجد أحد تفسيراً منطقياً لاختيار صهره، عديم الخبرة في المجال السياسي، لحل قضية أرّقت وأدمت المجتمع الدولي طوال عقود، في منصب، تم اشغاله فعلاً من قبل الرئيس الأميركي ذاته (!) إلاّ أن تصرفات الرئيس ذاتها، بعد أن تم التعامل معها باعتبارها شيئاً اعتيادياً، لم تسعف المفسّرين في إيجاد اللغز وراء هذا التنصيب، وربما لم تنشغل بالبحث عن تفسير بعدما انعدمت فيه الوسائل والحلول بشكل متواتر لتصرفات غير مفهومة للرئيس الأميركي، هذه واحدة من تصرفات وسلوكيات وتعيينات في الإدارة، لا تزال عصيّة على التفسير والتأويل!
حتى في المجال الأكايمي، فإن كوشنير هذا كان فاشلاً في دراسة الثانوية، وحسب صحيفة «بروبلكا» فإن والده دفع 2,5 مليون دولار، تبرعاً لجامعة هارفارد مقابل التحاق ابنه جارد بالجامعة المذكورة، ولم ينجح في التجارة رغم شرائه ناطحة سحاب مقابل قرابة ملياري دولار، ولكي يتم زواج المال بالسياسة والإعلام اشترى صحيفة «نيويورك اوبزرفر» بعشرة ملايين دولار، ما أهّله حسب البعض في أن يلعب دوراً في حملة الرئيس الأميركي الانتخابية، ومن ثم إسناد الرئيس له منصباً في الفريق الرئاسي من دون أن يخضع لتصديق مجلس الشيوخ، كونه لا يأخذ راتباً من ميزانية البيت الأبيض.
وها هو كوشنير في أول اختبار حقيقي لقدراته، يأتي إلى الشرق الأوسط، يقابل نتنياهو ثم الرئيس محمود عباس، ويخرج بحصيلة مفادها أن على الفلسطينيين الاستجابة الفورية للاشتراطات الإسرائيلية، وقف رواتب الشهداء والأسرى، الإفراج عن المفقودين الإسرائيليين لدى حماس، إدانة السلطة لعملية باب العامود، وإلا... فإن الجهد الأميركي لتحريك العملية التفاوضية سيتوقف، موقع كوشنير فرض على نصفه الآخر، غرينبلات ترديد تلك الاشتراطات كالببغاء، دون أن يعلم كلاهما أن وقف العملية السياسية، يعني فقدانهما لمنصبيهما، على الأقل قبل أن يتم تعيينهما في موقع آخر.
وحتى من حيث الشكل، لم يتصرف كلاهما كوسطاء، بل كطرف يبدأ بالشروط الصعبة والمستحيلة، مع تهديد يوقف عملية سياسية متوقفة أصلاً، لم يوفر أي منهما فرصة ولو باهتة لإنقاذ العملية السياسية من موتها، ولم يحاولا تمهيد الطريق أمام استئنافها قبل أن يفرضا تبنيهما للموقف الإسرائيلي، ولكي تصبح بدايات الجهد الأميركي بحد ذاتها نهاية لهذا الجهد الذي تبخّر ليس بسبب استعصاء الموقف الإسرائيلي فحسب، بل بسبب الجهل في إدارة هذه العملية!!