ماذا تريد أميركا من الرئيس أبو مازن؟

أشرف العجرمي.jpg
حجم الخط

بعد عدة لقاءات بين إدارة الرئيس دونالد ترامب والرئيس محمود عباس (أبو مازن) وشخصيات فلسطينية أخرى، ولقاءات مماثلة مع الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو ليس واضحاً بعد ما هو مخطط ترامب لتسوية الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي إذا كان هناك برنامج محدد أصلاً. والجميع يقول إن الإدارة الأميركية لا تزال تدرس وتتعلم من الأطراف المعنية. وإذا كانت عملية الدراسة تحتاج إلى كل هذا الوقت وربما إلى وقت إضافي قد يمتد لشهور قادمة فمعنى الأمر أن هذه الإدارة لا تأخذ بالاعتبار تاريخ العملية السياسية التي كانت قائمة منذ سنوات طويلة والتي كانت الإدارات السابقة منغمسة فيها حتى النخاع، وهذا لا يبشر بخير.
ومن الغريب أن تركز الولايات المتحدة على قضايا جانبية في فترة الدراسة أكثر من محاولة فهم سياقات العملية السياسية وقضاياها الأكثر تعقيداً لمحاولة فكفكتها. والأكثر غرابة هو تبنيها للموقف الإسرائيلي بحذافيره في التحامل على القيادة الفلسطينية والرئيس أبو مازن على وجه الخصوص في ما تدَعي أنه تحريض ودعم للإرهاب وتطالبها بوقف "التحريض" ووقف مخصصات الأسرى والشهداء باعتبار ذلك دعماً وتشجيعاً للإرهاب والعنف. وفي هذا السياق لابد من الإشارة هنا إلى ضعف الرد الفلسطيني وعدم القيام بما هو مطلوب لدحض الادعاءات الأميركية المبنية على أكاذيب إسرائيلية. فالتحريض أساساً هو رأسمال الحكومة الإسرائيلية وبسهولة بالغة وبدون كثير عناء يمكن تقديم تقارير مثبتة وموثقة لتحريض رسمي إسرائيلي لوزراء في الحكومة وموظفين رسميين كبار وأعضاء كنيست من الائتلاف الحكومي ووسائل إعلام ووسائل إعلام إسرائيلية ومراكز أبحاث إسرائيلية تزور الحقائق وهي محسوبة على الحكومة واليمين الحاكم في إسرائيل.
نحن هنا لا ينبغي أن نكون في موقف دفاع عن النفس بل في وضع هجوم مسند بالحقائق والوقائع التي تكذب إسرائيل وتثبت عكس ادعاءاتها. وهذا ينطبق على موضوع الأسرى والشهداء الذي يجب أن يكون الموقف الفلسطيني فيه واضحاً وقاطعاً في شرح أبعاد تقديم الدعم لعائلات فلسطينية فقدت معيلها سواء بالاعتقال أو الاستشهاد. والمطالب المطروحة على القيادة بهذا الشأن لا تقدر على تلبيتها وهي وصفة لفقدان ما تبقى من دعم أو احترام شعبي.
الإدارة الأميركية لم تنطق كلمة واحدة تحدد فيها مرجعيات العملية السياسية وأهدافها فالصفقة التي يريد ترامب طرحها لا أحد حتى اللحظة يعرف مكوناتها وربما هو أيضاً لا يعرف. لكن سلوك هذه الإدارة لا يبشر بالخير ليس فقط بتبني المطالب الإسرائيلية بدون فحص أو تمحيص، بل أيضاً بسبب رغبة واشنطن في رؤية تنازلات فلسطينية جوهرية حتى قبل البدء بالخطوة الأولى نحو التسوية وقبل اتضاح معالم صفقة ترامب، ففي اللقاء الأخير بين الرئيس أبو مازن ومبعوثي ترامب كان هناك طلب أميركي بتقديم موقف فلسطيني جديد غير الموقف الذي تكرره القيادة في كل لقاء وهو موقف يستند إلى مرجعيات العملية السياسية وخاصة قرارات مجلس الأمن الدولي والمبادرة العربية للسلام وأرشيف المفاوضات مع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ التوقيع على اتفاق أوسلو.
الفلسطينيون قدموا تنازلات في كل ملفات التسوية للوصول إلى اتفاق مقبول على كل الأطراف وما عاد بإمكان أحد أن يقدم المزيد فقد وصلوا إلى الخط الأحمر الحقيقي الذي لا يستطيع أحد تجاوزه. والطلب الأميركي الذي عبر عنه غارد كوشنير برغبته في رؤية مواقف جديدة هو غريب فعلاً في ظل عدم نطق الإدارة الأميركية حتى لعبارة دولة فلسطينية. والمشكلة هنا أن إسرائيل تناور في ساحة الفلسطينيين وتبدو كمن يبدي مرونة بعد أن قبلت إدارة ترامب مبدأ البناء في المستوطنات وأصبح "التنازل" الإسرائيلي هو أين يتم البناء وبأي وتيرة. أي شرعنة الاستيطان من حيث المبدأ وتجاوز القرارات الدولية المتكررة بما في ذلك الموقف الأميركي السابق بهذا الشأن. وكأن الفلسطينيين مصرون على موقفهم ولا يعبرون عن أي مرونة.
التفاؤل الذي ساد في الأشهر الأولى بعد فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة يتلاشى تدريجياً بعد اتضاح مدى تبني المواقف الإسرائيلية في قضايا جوهرية كالاستيطان وقضايا أخرى تفصيلية. وربما يسود التشاؤم حيال فرص التسوية بصورة عامة إذا بقي الموقف الأميركي على حاله من مطالبة الفلسطينيين بتقديم تنازلات مبدئية بدون مقابل إكراماً لنوايا غير واضحة. وربما تكون الصفقة الأميركية أسوأ من كل التوقعات في ضوء المؤشرات الحالية. والسؤال هنا هل تستطيع القيادة والرئيس أبو مازن تلبية مطالب واشنطن دون مقابل، وهل ما يجري في قطاع غزة والتحالفات الجديدة يعزز موقف القيادة أم يضعفها، وهل الإدارة الأميركية بعيدة عما يجري، وهل الإجراءات التي تتخذ بحق غزة مثل خطوة وقف تحويلات العلاج تخدم توجهات القيادة وتعزز موقفها؟.
ربما نكون أمام مرحلة جديدة يجري فيها إحداث تغيير جوهري في الوضع الفلسطيني تبدأ بممارسة ضغوط حقيقية وثقيلة على الرئيس أبو مازن وهي قد بدأت فعلاً، تقود إلى محاولات نزع الشرعية عنه وربما استهدافه شخصياً، وتنتهي بفصل غزة بشكل تام عن الضفة وتدمير ما تبقى من المشروع الوطني. فالأمور غاية في التعقيد وحبلى بالكثير من التطورات التي قد يكون بعضها مفاجئاً، والشيء الواضح أننا لسنا في وضع جيد في ظل غياب المؤسسة الوطنية الجامعة وفي ظل التشرذم وافتراق الأجندات. والحل دائماً وأبداً يكمن في الوحدة الوطنية وفي تبني خطط واستراتيجيات وطنية موحدة، فهل لا يزال بمقدورنا أن ننقذ أنفسنا؟.