قبل عدة أسابيع فقط حذر الكثير من الكتّاب والمراقبين بينهم كاتب هذه السطور، من أن مجلس التعاون الخليجي بات في خطر، وان تماسك هذا المجلس لم يعد ممكناً، وأن بقاء قطر في هذا المجلس مسألة مشكوك فيها، ناهيكم طبعاً عن إمكانية تحفظ عمان على سياسات المجلس وعدم حماسة الكويت لكل قرار من هذه القرارات.
كان واضحاً أن قطر ليست بوارد الاستجابة لطلبات البلدان العربية التي اتخذت قرار المقاطعة وجاء ردها الحقيقي بالمزيد من الخطوات التي لا بد وأن تصنف لدى البلدان المقاطعة بأنها «استفزازية» وتدخل في نطاق تعميق الأزمة، وتعريض كل محاولات التوسط للفشل التام.
دخول الرئيس التركي على خط دعم قطر - وليس التوسط كما ادعى في البداية - ودخول بعض البلدان الغربية على خط اعتبار المطالب العربية من قطر «مبالغاً فيها» أغرى الدولة القطرية بالعناد والمناكفة والذهاب الى ما هو ابعد من ذلك في الواقع.
ربما يعتقد غالبية المحللين ان الأمر في النهاية سيعتمد على الموقف الأميركي، وسيعود لهم «وحدهم» حسم هذه الأزمة.
لكن السؤال الذي لا يطرح على الرغم من أهميته الحاسمة هو فيما اذا كانت الولايات المتحدة صاحبة مصلحة مباشرة في هذا الحسم، وفيما اذا كان بالإمكان اتخاذ موقف أميركي واضح وحاسم وحازم لصالح طرف او آخر.
الولايات المتحدة لن تحسم وليس لها مصلحة ملحّة للحسم، وليس لديها أي تصوّر لهذا الحسم حتى الآن على الأقل. لماذا؟
ببساطة لأن الولايات المتحدة ليست متأكدة بعد من أن الظهير القطري المباشر هو إيران على الرغم من كل محاولات إيران الظهور بهذا المظهر، وعلى الرغم من كل محاولات قطر التلويح بهذا الخيار، وهذا الأمر «أي تحول ايران الى ظهير مباشر لقطر» لن يحدث قبل تراجع دور الظهير التركي وعودة هذا الدور الى المساحة الوحيدة المقبولة من قبل البلدان العربية المقاطعة وهي «الوساطة» وقبل خروج قطر من مجلس التعاون، وقبل انزلاقها الى خطوات لا تترك للرئيس ترامب أية مساحات للمناورة.
الدغدغة التركية حملت طعم «السلطانية» والحنين الى «السيطرة» بل والاعلان عن «حصة» تركيا في هذا الاقليم بعد ان «انتهت» اتفاقيات سايكس - بيكو كما بات يعلن الاتراك صراحة. وأما بعض التلميحات الاوروبية فهي من باب درء الانزلاق نحو الحلول العسكرية وليس بالمطلق من باب الوقوف مع قطر، وبالتالي في باب استعداء البلدان المقاطعة. أما «الاندلاق» الايراني نحو قطر فهو مفهوم ومعروف ولا يحتاج الى جهود خاصة لشرحه وتفسيره.
اذن الخوف ان تكون قطر قد «حسمت» أمرها باتجاه التصعيد اعتقاداً منها أن الدعم التركي والإيراني سيؤدي الى تراجع الدول العربية المقاطعة، أو أن التلويح بإيران وتركيا سيحسم الموقف الأميركي باتجاه الذهاب الى حلول وسط من شأنها «إحباط» خطة البلدان المقاطعة فهذه مجرد أوهام. هنا تكون قطر قد وقعت في المحظور. لماذا؟
لأن هذا الخيار يعني في الواقع أن الدول المقاطعة نفسها هي التي ستقصر المسافة ما بين الحالة القائمة اليوم وما بين الحسم الأميركي وكل من هم وراء الموقف الأميركي.
الدول العربية المقاطعة لن تترك أي مجال لتطويل فترة المراوغة.
مقابل محور الإخوان إيران هناك خيار واحد ولا خيار غيره على الإطلاق، أما مقابل محور الإخوان والإخوان فتوجد فرصة صغيرة وضيقة ويفصلها فارق زمني صغير عن المحور الأول.
الرئيس التركي يحاول جهده لكن هامش المناورة ليس كبيراً، وزمام الامور ليست بيده فقط. على ما يبدو لنا لا يوجد تقدير سليم لدى الحكومة القطرية لما يمكن ان تؤول اليه التطورات. الدعم القطري للمجموعات الارهابية في ليبيا مثبت وموثق والامم المتحدة لا تملك خياراً غير الادانة.
والدعم القطري للنصرة في سورية مثبت موثق ولا يملك أحد القدرة على مساعدة قطر في هذا الشأن، والدعم القطري لجماعات ارهابية اخرى في سورية والعراق وربما اليمن موثق كذلك.
أما العلاقة ما بين قطر والمنظومات المسلحة للإخوان في مصر وليبيا واليمن وسورية فهي معلنة ولا تحتاج الى توثيق.
العلاقة المريبة لقطر مع بعض أقطاب المعارضة في البحرين، وربما السعودية والإمارات هي على الطاولة. حول هذه القضايا وأخرى على علاقة بها لا يوجد مكان للحديث عن مبالغات او تهويل لأن قرار المقاطعة أصلاً قد جاء بعد ان تم التأكد من كل كلمة قيلت حولها، ولا يمكن المساومة على كل هذه المشكلات او بعضها.
لهذا بالذات فإنه يمكن الحديث عن «تسييس» ما للمطالب عندما يتعلق الأمر بالقاعدة التركية، او حتى مستوى التمثيل الدبلوماسي مع إيران، على الرغم من ارتباط هاتين المسألتين بصورة عضوية مع القضايا الخاصة بالعلاقة مع المنظمات الإرهابية، اما الحديث عن تسييس علاقات قطر بالمنظمات الارهابية ودعمها لها فهو امر مستحيل من الناحية السياسية ولا مجال - على ما يبدو - امام قطر سوى الموافقة على الاعتراف بهذا الدعم بهدف وقفه وقطع الصلة بكل هذه المنظمات.
وعندما تطرح الدول المقاطعة نظاماً للرقابة يشمل هذه الدول نفسها فإنه لا يمكن قبول الحديث عن «مبالغات» او تسييس لأن الأمر هنا يتجاوز هذه الحقول والمساحات.
واغلب الظن أن دولة قطر تخطئ كثيراً اذا اعتقدت أن الدول العربية المقاطعة يمكن ان تساوم او تتراجع. بل على العكس فإن المتوقع هو خطوات كبيرة وكبيرة جداً ستأخذها هذه الدول في غضون أيام قليلة، وأبعد بكثير مما تراه قطر حتى الآن، وربما يتعلق الأمر بقرارات تتعلق بكل الداعمين الحاليين وربما المحتملين أيضاً.
لو أبدت قطر استعداداً للتراجع عن العلاقات مع منظمات التطرف والإرهاب لأمكن الوصول الى حلول وسط لكافة القضايا الأخرى، أما ان تنكر قطر كل هذا الواقع وتتنصل منه وتتظاهر وكأنها غير معنية بهذا الأمر فإن المسار واضح والنتيجة أصبحت معروفة أيضاً.
بعد عام على (طوفان الأقصى) فلسطين والمنطقة إلى أين؟
07 أكتوبر 2024