لا تظلموا غزة

30.jpg
حجم الخط

 

قبل ثلاثة أعوام، وفي مثل هذا اليوم ، عيد الفطر ، عاشت غزة جحيماً لا يوصف بتأثير العدوان الإسرائيلي  الإجرامي والذي أودى بحياة 2250 شهيداً وشهيدة كان منهم 590 طفلاً.

صمدت غزة وأهلها، رغم قسوة التضحيات، وشدة الآلام، ورغم تهجير أكثر من 450 ألفا من أهلها ممن فقدوا منازلهم وممتلكاتهم، وقد تشرفت بأن أعيش أياماً وليال طويلة مع أهل غزة أثناء ذلك العدوان الشرس، وتلمست العظمة الإنسانية في التكافل والتضامن الذي إجترحه الفلسطينيون والفلسطينيات مع بعضهم، وفي الإصرار على الحياة وتجاوز الصعاب، التي يصعب أن يحتملها البشر.

اليوم، في عيد الفطر، بعد ثلاثة أعوام، وفي حين ما زال ثلث المهجرين فاقدين لبيوتهم مع وعود لم تتحقق باعادة الاعمار، يعيش قطاع غزة مأساة انسانية عميقة. فبعد حصار خانق وإجرامي فرضته إسرائيل منذ أحد عشر عاماً، وبعد إنقسام محزن تجاوز العشرة أعوام، وبعد تصاعد الصراعات الفلسطينية الداخلية، تعيش غزة بدون مياه صالحة للشرب والتي صار 97% منها ملوثاً ومالحاً، وبدون كهرباء لواحد وعشرين ساعة في اليوم، وبمجاري مفتوحة تنشر الأوبئة الخطير وتتدفق نحو البحر دون معالجة او تنقية. ويضاف لتلوث الماء والتربة والبحر تلوث الهواء بفعل الآف ماتورات توليد الكهرباء المنزلية لمن استطاع الحصول عليها، ومئات الآلاف من فقراء غزة لا يستطيعون ذلك لأن تكلفة كهرباء المواتير تعادل أربعة أضعاف سعر الكهرباء العادية.

اتصل بي عدد من الأطباء في مستشفيات غزة ليحذروا من توقف آلات غسيل الكلى عن العمل بسبب نقص الكهرباء وقطع الغيار، مما يعني الموت الأكيد لمئات المرضى، مثلما ستتعرض حياة الكثيرين للخطر بسبب نقص الدواء.وهناك أكثر من 1700 مريض معظمهم يعانون من السرطان محرومون من الخروج للعلاج بسبب تراجع نظام التحويلات. عشرات العمليات الجراجية تم الغاؤها، وآلاف الطلبة لا يستطيعون إستكمال دراستهم، والبطالة بين الخريجين تجاوزت نسبة الثمانين بالمائة.

وإسرائيل تريد معاقبة ممثلي الأمم المتحدة لأنهم حذروا من كارثة إنسانية خطرة سببها الأول حصار إسرائيل لغزة.

كل مواطن لا يعيش في قطاع غزة، يعرف حجم التذمر الذي يتفجر إن إنقطعت الكهرباء عن البيوت لبضع ساعات أحياناً، ومواطنو الضفة يعرفوا ما معنى انقطاع المياه التي تتحكم فيها إسرائيل عن بيوتهم في أشهر الصيف الحارة.

فكيف اذا كان إنقطاع الكهرباء مستمراً لسنوات والمياه العذبة مفقودة بالكامل في ظل لهيب الصيف الحارق؟

معظم أهل غزة، لا علاقة لهم بالصراع المحتدم على السلطة، والذي تتصاعد موجاته من عام لأخر، منذ إنهيار حكومة الوحدة الوطنية عام 2007، وتكرس الإنقسام الذي أصبح مصدر نزيف متواصل يضعف الجسد الفلسطيني. وهذا أمر لا ينفك نتنياهو وحكومته عن استغلاله، ولكن أهل غزة يدفعون ثمن هذا الإنقسام ،والصراع على سلطة رغم انها مازالت تحت الاحتلال، من قوت أبنائهم وحياة أطفالهم ومعاناة مرضاهم وبؤس معيشتهم.

وحكومة إسرائيل التي تتستر بهذا الإنقسام تمعن أكثر فأكثر في حصار غزة وتعذيب أهله، ومحاولة تكريس فصله للأبد عن باقي فلسطين.

وفصل غزة هو الشرط الديموغرافي لإبتلاع وتهويد الضفة والقدس، وتكريس الإحتلال ونظام الأبارتهايد.

ولعل الذين لا يعبأون اليوم بمعاناة أهل غزة من إنقطاع الكهرباء والمياه وتخفيض الرواتب، يتذكروا المثل الشعبي :

" أكلت يوم أكل الثور الأبيض"

ولعلهم ينتبهون للمتربصين الذين يسعون لاستغلال هذه المعاناة من اجل مصالحهم الخاصة و اهدافهم المريبة.

أهل غزة لا يستحقوا كل هذه المعاناة ولا كل هذه الآلام القاسية، وتكاتفنا وتراحمنا وتضامننا مع بعضنا كشعب فلسطيني هو الضمانة الأولى لبقائنا ولإنهاء ما نعيشه من إحتلال وظلم تاريخي.

فلا تظلموا غزة وأهلها ولا تسمحوا للإحتلال بأن يكرس الظلم الذي يهدد مستقبلنا جميعاً.