قبيل شهر رمضان بقليل دعاني الزميل الكاتب والأديب "مصطفى النبيه" لحضور اشهار رواية "غيمة عشتار" لزوجته الكاتبة الصاعدة "ديانا الشناوي"، وقتئذٍ سجلت انطباعي المبدئي عن الرواية من خلال القراءة النقدية التي استعرضها الزميل الكاتب ناهض زقوت وقدمت مداخلة أثنيت فيها على هذا العمل الأدبي الوليد.
واليوم أسجل شهادتي في الرواية بعدما سافرت مبحراً بين دفتيها، قرأت المطر في غيمتها وحلقت مع عشتارها أبحث في سفر آلهة الإغريق عن المحبة والجمال والتضحية في الحروب، أخذتني حورية بحرها الغزي المنبعثة من يافا لتتربع على حافة الأمل في انتظار هطول الغيث القادم من غيمة ما زالت معلقة في المدى.
فمن العنوان الذي يليق بما حملت في طياتها وعبر عنه السرد الحكائي بين الحوار الداخلي والمباشر إلى الغلاف الذي حقق المراد كعتبة سليمة لنصها الروائي حيث توافق مع ما جاء فيها من تتابع لأحداث روايتها المتتالية إلى تقنية الإستباق والإسترجاع برعت الكاتبة في صوغ فكرتها لتفلح في تشويق القارئ لما تخبئه الأحداث معبرة عن ذلك بالأصوات التي وظفتها مستخدمة الضمائر الهادفة بخاصة المتكلم منها فكانت والتي أحسنت فيها الأداء الذي يمنح الحكي سياقاته الوظيفية.
أما الحبكة وهي الأهم فقد جسدت من خلالها واقع المرأة في المجتمع الغزي عبر استعراضها لرغباتها المقهورة والمتغيرات الزمكانية التي مرت بها خلال العمر المحكي الواقع بين الإنتفاضة الأولى فمرحلة السلطة الفلسطينية ثم الإنتفاضة الثانية وما عقبها من أحداث وانقسام فحصار وحروب أي حوالي عشرين عاماً سبقها ما استعرضته سريعاً عن الفترة التي سبقت ذلك والممتدة إلى مولد "فرج" البطل الثاني في الرواية حيث أشارت على لسانه بأنه من جيل النكسة أي عام ١٩٦٧ وبالتالي يصبح استخدام ضمير المتكلم يحكي عن سيرة ذاتية لكل من "سلمى" البطلة الأولى و"فرج" الثاني ليروي كلاهما قصته في عمر زمني قوامه يزيد عن الأربعة عقود عاشاهما بين ظلم المجتمع وطموحهما كحالمين يتمنى كل منهما أن يرى حياته بما يحقق له حلمه الذي يصطدم بعدم قبل المجتمع للثاني "فرج" ولفظه واتهمامه بالكفر والجنون واضطهاد الأولى "سلمى" واستغلال أنوثتها التي هدرتها الغريزة الذكورية من جهة ومعاناتها من تسلط أسرة الزوج، لينتهي بها المطاف إلى محاولة انتحار بعد أن فقدت زوجها وأبناءها في الحرب الأخيرة على غزة وشعورها بذنب الرذيلة لتلقي بنفسها في ذات البحر الذي التقيا على حافة مينائه "سلمى" و"فرج" الذي أنقذها من الغرق بعد أن ألقت بنفسها في الماء ثم يعودان إلى نفس المكان يحكي كل منهما حكايته للآخر في انتظار غيمتها لعلها تمطر من جديد.
رواية "غيمة عشتار" دراما تستحق الوقوف أمام ما حملت من رؤية للكاتبة بأسلوب شعري وطابع فلسفي جميل يحاكي قصة اجتماعية ذات بعد سياسي فيها من العبر والحكم ما وضعها في قالب أدبي مشوق.
لست ناقداً لكنني حاولت أن أتذوق الرواية لأقدم شهادتي فيها فسافرت مع غيمتها التي ما زالت تحوم في مخيلتي منذ أن طويت دفة الغلاف الخلفية معلناً انتهائي من قراءتها لتعلق فصولها في مخيلتي ولأن الأمر كذلك أظن بأنها رواية ناجحة لكاتبة قدمت لنا مولودها الأدبي الأول ببراعة المبتدئ الذي يعرف أن يستحوذ على القارئ منذ البداية وحتى النهاية، من العتبة حتى القفلة وما بينهما من صفحات دسمة.