يمكن القول، باختصار: إن «خطاب» الشيخ إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، أول من أمس، جاء مثل الماء، بلا لون ولا طعم ولا رائحة، وإن أقل ما يمكن أن يوصف به، هو أنه كان إنشاء لغوياً أو حتى لغواً، بلا أي معنى، ولم يحمل لا جديداً ولا مفيداً، فضلاً عن أنه لم يعبّر عن مواقف مسؤولة تجاه القضايا الوطنية الفلسطينية العامة التي تهم فصائل العمل الوطني، وتهم المواطنين، سواء كانوا أولئك المنكوبين بحكم «حماس» المستبد في غزة، منذ عشر سنوات طوال، أو الذين يواجهون الاحتلال الغاصب في القدس والضفة الغربية، أو ما تبقى من الشعب الفلسطيني المشتت في أنحاء العالم، والذي يتوق للعودة إلى وطنه.
كالعادة، أعلنت «حماس»، وقبل أيام، أن رئيس مكتبها السياسي الجديد سيلقي خطاباً مهماً، (أول من أمس)، وذلك كجزء من «بروباغندا إعلامية»، هدفها أن تثير الاهتمام بالرجل ومتابعة ما يقوله، ولقد توقع البعض _ ونحن منهم _ أن يبدي الرجل وقد صار مسؤولاً أول _لأول مرة_ وهو الذي اعتاد أن يكون مرؤوساً، إن كان في السلطة أو «حماس»، وغني عن القول: إن لغة وخطاب ومنطق الرئيس غير لغة وخطاب ومنطق المرؤوس، لكن ما سمي بخطاب هنية، أول من أمس، جاء، ربما بحكم العادة، متسقاً ومتناسقاً مع ما سبق له من إلقائه من كلمات يسميها أنصاره أنها خطابات وهي أقرب إلى خطب الجوامع التي هي جل رأسمال الرجل، الذي يكثر من إمامة المصلين في المساجد بمدينة غزة، بل والذي كثيراً ما يعقد مؤتمراته الصحافية في باحاتها.
للحقيقة والإنصاف، إن الرجل ليس من هواة الظهور الإعلامي كثيراً، وهو ليس شخصية إشكالية ولا يهوى الدخول في دوائر الجدل السياسي، وهو واعظ أقرب منه إلى محاور أو مناور سياسي، لكن هذا ربما يناسب شخصية قيادية أو كادرية، ضمن إطار حزب أو حركة مهمتها أن تجلب لها الجمهور، لكنه لا يناسب شخصية القائد أو المسؤول الأول الذي عليه واجب أن يضع النقاط على الحروف، وأن يقدم إجابات عن التساؤلات العامة التي تشغل بال الجمهور والمتابعين، تجاه فصيل يعتبر ثانياً على المستوى الوطني، وحاكماً فيما هو شبه محرر من الوطن الفلسطيني.
لم يضع الأخ إسماعيل هنية أي نقطة ولا فاصلة واحدة، على أي كلمة في كلمته، والتي جاءت مكتوبة ولم يرتجل خلالها أي كلمة. وأن تأتي مكتوبة يعني بكل بساطة أنها تمثل «حماس» وأنه سبق وأن «مرت» على علية القوم، فصاحبها يرتكز عادة على «التوافق» داخل الحركة وما زال، ورغم الهالة التي رافقته كرئيس للحكومة سابقاً، إلا أنه يفتقر للرصيد الكفاحي خاصة «المقاوم» منه والذي ما يزال يتحكم في حسابات «حماس» الداخلية، حيث ما زالت الكلمة العليا لـ»القسام»، وقادته، وربما بهذا المعنى أن ما أثقل كاهل هنية وهو يلقي «خطابه» أنه جاء بعد مقاطعة الرباعي العربي لقطر، واضطراره _ كما أشرنا في مقالة سابقة_ إلى أن يقبع جالساً في غزة، بلا مهمة _تقريباً_ مع وجود رئيس جديد قوي وقسامي ومحرر، ووجه جديد، لم يرتبط اسمه بالانقسام ولا بالانقلاب، كما هو حال هنية والزهار.
لذا ما كان يمكن للرجل لأسباب داخل «حماس» أن يضع نقاطاً على أي حرف، فبقيت حروفه بلا معنى، تكرر فيها حرفا (س) وسوف، فقال: إن عين «حماس» على الضفة تنتظر ثورة يقودها جيل فجّر الانتفاضة، أي أن حركته ليس لديها برنامج كفاحي في الضفة لمواجهة ومقارعة الاحتلال سوى أن تنتظر من يفعل ذلك عنها، كما فعلت خلال الفترة من 67_87، أي أن تنتظر الآخرين، كما هو حال معظم الإسلام السياسي، الذي ينتظر القوى الوطنية لتحرر البلاد من الاحتلال، ثم ينقض بعد ذلك على السلطة والحكم.
وأضاف هنية: إن «حماس» ستعمل على التصدي لغول الاستيطان، وستحبط كل محاولات توطين سكان مخيمات الشتات، وفيما يخص فلسطينيي سورية، قال: إن حركته ستعمل على دعمهم، أما فيما يخص القدس فقال: «سنعمل من أجل الحفاظ على عروبة القدس»، أما كيف ستتصدى «حماس» للاستيطان وكيف ستحبط محاولات التوطين، وكيف ستدعم فلسطينيي سورية وكيف ستحافظ على عروبة القدس، فلم يكن هذا هماً أو موضع اهتمام من قبل الرجل.
هذا فضلاً عن أن سوف التأجيل هذه، تنطوي على اتهام حقيقي، وهو ماذا عما مضى، فلا احتلال القدس جاء اليوم ولا مواجهة الاستيطان تبدأ من اللحظة، أما فلسطينيو سورية، فكان الأولى به أن يعتذر عن موقف حركته التي كان لتدخلها في الشأن السوري الداخلي أحد أسباب تفاقم معاناة الشعب الفلسطيني في سورية، خلال سنوات الحرب الداخلية فيها.
والأهم من كل هذا وذاك، أن الرجل يبدو أنه نسي نفسه، وكأنه يصبح على علاقة مع حركة «حماس» من لحظة «التتويج» كرئيس للحركة، لم يقل شيئاً إزاء عشر سنوات حكم مستبد، كان هو شخصياً عنواناً له، بدأ بانقلاب ثم كرس انقساماً، ما زال قائماً حتى اللحظة، يثقل كاهل المشروع الوطني، ويحيل حياة أهل غزة إلى جحيم مقيم.
لم يقدّم إجابات، ربما لأنها لا تثير تساؤلات في نفسه أصلاً، عن مشاكل الكهرباء والمعابر، البطالة وإعادة الأعمار، ولا عن كيفية إنهاء الانقسام، ولا عن تغييب كل مظاهر العمل الديمقراطي في غزة، وعدم إجراء أي انتخابات بلدية أو طلابية أو نقابية، والقائمة تطول وتطول، بل أيضاً لم يقدم برنامجاً جديداً لـ»حماس» وكيف ستكون في ظل قيادته القادمة لها، سوى الكلام الإنشائي العام الذي في السياسة، لا يشبع ولا يغني من جوع. فقط ساير الزهار في كذبة مكشوفة وهي أن ما حدث من تفاهمات مع جماعة دحلان كان فقط في إطار المصالحة المجتمعية، والأخطر كانت إشارته إلى أن «حماس» ستعزز سياسة الانفتاح مع الدول الصديقة.. هنا يقول دول، فما علاقة حركة سياسية بالدول؟ كذلك ما أشاد به من دور مصر، وكأن مصر تغيّر أو تحدد مواقفها تجاه الآخرين بناء على كلام الغزل السياسي!
إنشاء سياسي بلا معنى رجب أبو سرية 2017-07-07 يمكن القول، باختصار: إن «خطاب» الشيخ إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، أول من أمس، جاء مثل الماء، بلا لون ولا طعم ولا رائحة، وإن أقل ما يمكن أن يوصف به، هو أنه كان إنشاء لغوياً أو حتى لغواً، بلا أي معنى، ولم يحمل لا جديداً ولا مفيداً، فضلاً عن أنه لم يعبّر عن مواقف مسؤولة تجاه القضايا الوطنية الفلسطينية العامة التي تهم فصائل العمل الوطني، وتهم المواطنين، سواء كانوا أولئك المنكوبين بحكم «حماس» المستبد في غزة، منذ عشر سنوات طوال، أو الذين يواجهون الاحتلال الغاصب في القدس والضفة الغربية، أو ما تبقى من الشعب الفلسطيني المشتت في أنحاء العالم، والذي يتوق للعودة إلى وطنه. كالعادة، أعلنت «حماس»، وقبل أيام، أن رئيس مكتبها السياسي الجديد سيلقي خطاباً مهماً، (أول من أمس)، وذلك كجزء من «بروباغندا إعلامية»، هدفها أن تثير الاهتمام بالرجل ومتابعة ما يقوله، ولقد توقع البعض _ ونحن منهم _ أن يبدي الرجل وقد صار مسؤولاً أول _لأول مرة_ وهو الذي اعتاد أن يكون مرؤوساً، إن كان في السلطة أو «حماس»، وغني عن القول: إن لغة وخطاب ومنطق الرئيس غير لغة وخطاب ومنطق المرؤوس، لكن ما سمي بخطاب هنية، أول من أمس، جاء، ربما بحكم العادة، متسقاً ومتناسقاً مع ما سبق له من إلقائه من كلمات يسميها أنصاره أنها خطابات وهي أقرب إلى خطب الجوامع التي هي جل رأسمال الرجل، الذي يكثر من إمامة المصلين في المساجد بمدينة غزة، بل والذي كثيراً ما يعقد مؤتمراته الصحافية في باحاتها. للحقيقة والإنصاف، إن الرجل ليس من هواة الظهور الإعلامي كثيراً، وهو ليس شخصية إشكالية ولا يهوى الدخول في دوائر الجدل السياسي، وهو واعظ أقرب منه إلى محاور أو مناور سياسي، لكن هذا ربما يناسب شخصية قيادية أو كادرية، ضمن إطار حزب أو حركة مهمتها أن تجلب لها الجمهور، لكنه لا يناسب شخصية القائد أو المسؤول الأول الذي عليه واجب أن يضع النقاط على الحروف، وأن يقدم إجابات عن التساؤلات العامة التي تشغل بال الجمهور والمتابعين، تجاه فصيل يعتبر ثانياً على المستوى الوطني، وحاكماً فيما هو شبه محرر من الوطن الفلسطيني. لم يضع الأخ إسماعيل هنية أي نقطة ولا فاصلة واحدة، على أي كلمة في كلمته، والتي جاءت مكتوبة ولم يرتجل خلالها أي كلمة. وأن تأتي مكتوبة يعني بكل بساطة أنها تمثل «حماس» وأنه سبق وأن «مرت» على علية القوم، فصاحبها يرتكز عادة على «التوافق» داخل الحركة وما زال، ورغم الهالة التي رافقته كرئيس للحكومة سابقاً، إلا أنه يفتقر للرصيد الكفاحي خاصة «المقاوم» منه والذي ما يزال يتحكم في حسابات «حماس» الداخلية، حيث ما زالت الكلمة العليا لـ»القسام»، وقادته، وربما بهذا المعنى أن ما أثقل كاهل هنية وهو يلقي «خطابه» أنه جاء بعد مقاطعة الرباعي العربي لقطر، واضطراره _ كما أشرنا في مقالة سابقة_ إلى أن يقبع جالساً في غزة، بلا مهمة _تقريباً_ مع وجود رئيس جديد قوي وقسامي ومحرر، ووجه جديد، لم يرتبط اسمه بالانقسام ولا بالانقلاب، كما هو حال هنية والزهار. لذا ما كان يمكن للرجل لأسباب داخل «حماس» أن يضع نقاطاً على أي حرف، فبقيت حروفه بلا معنى، تكرر فيها حرفا (س) وسوف، فقال: إن عين «حماس» على الضفة تنتظر ثورة يقودها جيل فجّر الانتفاضة، أي أن حركته ليس لديها برنامج كفاحي في الضفة لمواجهة ومقارعة الاحتلال سوى أن تنتظر من يفعل ذلك عنها، كما فعلت خلال الفترة من 67_87، أي أن تنتظر الآخرين، كما هو حال معظم الإسلام السياسي، الذي ينتظر القوى الوطنية لتحرر البلاد من الاحتلال، ثم ينقض بعد ذلك على السلطة والحكم. وأضاف هنية: إن «حماس» ستعمل على التصدي لغول الاستيطان، وستحبط كل محاولات توطين سكان مخيمات الشتات، وفيما يخص فلسطينيي سورية، قال: إن حركته ستعمل على دعمهم، أما فيما يخص القدس فقال: «سنعمل من أجل الحفاظ على عروبة القدس»، أما كيف ستتصدى «حماس» للاستيطان وكيف ستحبط محاولات التوطين، وكيف ستدعم فلسطينيي سورية وكيف ستحافظ على عروبة القدس، فلم يكن هذا هماً أو موضع اهتمام من قبل الرجل. هذا فضلاً عن أن سوف التأجيل هذه، تنطوي على اتهام حقيقي، وهو ماذا عما مضى، فلا احتلال القدس جاء اليوم ولا مواجهة الاستيطان تبدأ من اللحظة، أما فلسطينيو سورية، فكان الأولى به أن يعتذر عن موقف حركته التي كان لتدخلها في الشأن السوري الداخلي أحد أسباب تفاقم معاناة الشعب الفلسطيني في سورية، خلال سنوات الحرب الداخلية فيها. والأهم من كل هذا وذاك، أن الرجل يبدو أنه نسي نفسه، وكأنه يصبح على علاقة مع حركة «حماس» من لحظة «التتويج» كرئيس للحركة، لم يقل شيئاً إزاء عشر سنوات حكم مستبد، كان هو شخصياً عنواناً له، بدأ بانقلاب ثم كرس انقساماً، ما زال قائماً حتى اللحظة، يثقل كاهل المشروع الوطني، ويحيل حياة أهل غزة إلى جحيم مقيم. لم يقدّم إجابات، ربما لأنها لا تثير تساؤلات في نفسه أصلاً، عن مشاكل الكهرباء والمعابر، البطالة وإعادة الأعمار، ولا عن كيفية إنهاء الانقسام، ولا عن تغييب كل مظاهر العمل الديمقراطي في غزة، وعدم إجراء أي انتخابات بلدية أو طلابية أو نقابية، والقائمة تطول وتطول، بل أيضاً لم يقدم برنامجاً جديداً لـ»حماس» وكيف ستكون في ظل قيادته القادمة لها، سوى الكلام الإنشائي العام الذي في السياسة، لا يشبع ولا يغني من جوع. فقط ساير الزهار في كذبة مكشوفة وهي أن ما حدث من تفاهمات مع جماعة دحلان كان فقط في إطار المصالحة المجتمعية، والأخطر كانت إشارته إلى أن «حماس» ستعزز سياسة الانفتاح مع الدول الصديقة.. هنا يقول دول، فما علاقة حركة سياسية بالدول؟ كذلك ما أشاد به من دور مصر، وكأن مصر تغيّر أو تحدد مواقفها تجاه الآخرين بناء على كلام الغزل السياسي!