عبد الله دعيس " وسادة عش الدّبابير وحكمة الشّيوخ "

عبد الله دعيس "  وسادة عش الدّبابير وحكمة الشّيوخ "
حجم الخط

 عن دار الجندي للنّشر والتّوزيع في القدس صدرت مجموعة نصوص للكاتب المقدسيّ جمعة السّمان، تحت عنوان "وسادتي عشّ دبابير"، ويقع الكتاب الذي صمّم غلافه ومنتجه أسامة سلهب في 224 صفحة من الحجم المتوسط.

الحكايات الشعبية التي يتوارثها الأبناء عن الآباء والأجداد، تحمل في طيّاتها المتعة والعظة، وتترك الأثر في نفوس الصّغار والكبار، وتعطي صورة واضحة عن ثقافة المجتمع وعاداته وتقاليده، لا نعرف مَن كتبها أو مَن قالها، لكنّها فيها من الإثارة والتّشويق وعظيم النفع والفائدة ما أهّلها لتستمرّ وتنتقل عبر القرون. 

أمّا ما يكتب الأستاذ جمعة سعيد السّمان، فيشترك مع هذه الحكايات في كثير من الخصائص والمزايا، ولا يقلّ عنها متعة وتشويقا، ويحمل في طيّاته الدّروس والعبر والعظات، تشاركها قصصه في بعض الخصائص والسّمات، وإن كانت تحمل روح العصر ولغته ومشاكل وهموم المجتمع الحديث، وفيها أفكار جديدة وخيال خصب. فهذه النّصوص فيها روح الماضي، وهموم الحاضر، وهي امتداد لإرث طويل، وحلقة جديدة فيه.

يجمع الكاتب جمعة السمان في كتابه "وسادتي عش دبابير" خبرات سنوات عمره المديد، في نصوص ممتعة ومفيدة، فيها الحكمة والعظة والتسلية، تخلط الحقيقة بالخيال، وتأخذ القارئ إلى أزمان وأماكن غريبة: يعيش مع المراهقين الحالمين، والأزواج المشاكسين، والنّساء الماكرات، ثمّ يجد نفسه فجأة يسبح في أفلاك الفضاء يستمع إلى حوار القمر والنّجوم، وهي ترقب الأرض من بعيد، وتتحدّث عن أحوال أهلها وسذاجتهم وطمعهم، وانسياقهم وراء الشهوات ومتاع الدنيا الزائلة السريعة. 

وربما يقصد الكاتب بهذا الأسلوب الذي يستخدمه في العديد من الحكايات، أن يلفت النظر إلى ضآلة الإنسان بالنسبة لهذه المخلوقات، وقصر عمره بالنسبة لعمرها، وينبّهه إلى سرعة انقضاء الحياة، التي لا تستحق كل هذا العناء واللهاث للّحاق بمتاعها، وظلم الآخرين من أجل متعة أو مال سرعان ما يزولا.

يتطرّق الكاتب إلى العديد من المواضيع الاجتماعيّة بأسلوب قصصيّ ممتع، ولغة إنشائيّة سلسة سهلة مفهومة، تحقق الغرض من الكتاب: وهو العظة وتقديم التّجارب لينتفع منها الآخرون. يخصّ الكاتب الحياة الزوجية والعلاقة بين الرّجال والنّساء بالكثير من الحكايات، فيتناول المشاكل التي قد تنشأ بين الزوجين، أسبابها وعواقبها الوخيمة. وتجد حكايات الحب والخديعة، والمكر والسذاجة، والإخلاص والخيانة، والطمع والحسد كما الكرم والعطاء، وتجد الشّاب الرّزين وآخر عابث، وفتاة تتمسّك بعرى الشرف والأخلاق، وأخرى تسعى وراء اللهو والشّهوة. ويلفت الكاتب النظر إلى مشكلة اجتماعيّة تخصّ الأطفال الذين نحمّلهم أحيانا أكثر مما يطيقون، ونوهمهم أنّهم أصبحوا كبارا، ونطلب منهم أن يتصرّفوا كالرّجال، حارمين لهم من متعة طفولتهم، مما يهزّ شخصياتهم ويؤثّر على نموّهم السّليم.

يُظهر الكاتب الحرص على المرأة وينحاز لها أحيانا، ويهتمّ بمشاعرها، لكنّه لا يجعلها مثاليّة ولا يصّورها دائما كضحيّة، وإنما يعطيها أدوارا واقعيّة؛ فهي أحيانا متمرّدة ومخادعة ماكرة، توقع بالرّجال في حبائل فتنتها، وتقودهم إلى مصيرهم المحتوم بحنكتها ودهائها. والكاتب يريد للمرأة أن تكون حرّة تأخذ حقوقها دون انتقاص، وألا تكون سهلة منقادة مهضومة الحق، لكنّه في الوقت ذاته لا يمجّد المرأة التي تخرج على قوانين المجتمع وعاداته وتقاليده وقيمه؛ فهذه القيم والقيود هي التي قد تحفظها من الوقوع ضحيّة في أيدي العابثين والمجرمين. يقول في صفحة 7 "رمت لها الدّنيا الطُعم.. فشربت ورقصت وغنّت. رمت لها الدّنيا الجزرة.. فجرّتها إلى عالم اللهو والمجون فتاهت وانجرفت. مضت الأيام تشتاق إلى عصا أبيها.. وحرص إخوتها عليها.. وعودة الانتماء إلى أهلها.. وهي قابعة في مصحّة للخلاص من إدمان يلوّث دمها."

يوفَّق الكاتب في اختيار عنوان لمجموعته (وسادتي عش دبابير) ولوحة وتصميم للغلاف يدخلان القارئ في جوّ النصوص حتّى قبل أن يشرع بالقراءة. وعناوين النصوص بشكل عام موفّقة ومرتبطة بشكل مباشر بأحداث القصّة والعبرة، التي يريد الكاتب أن للقارئ أن يستخلصها.

قراءة هذا الكتاب تجربة شيّقة ومفيدة، ورحلة مثيرة على متن حكايات تتسارع فيها الأحداث، دون ضياع في التّفاصيل، لتصل إلى نهاية سريعة وموعظة جزيلة.