الحكومة الإسرائيلية ليست بحاجة لعملية في منطقة القدس لتغيير الوضع الراهن في الحرم القدسي، فهذا قرار مُتَّخَذ في فكر وسياسة حكومة المستوطنين برئاسة زعيم اليمين المتطرف بنيامين نتنياهو. وللتذكير فقط نعود لقصة الحرم الإبراهيمي الذي تعرض لعملية تقسيم واستيلاء كامل عليه بعد العملية الإرهابية التي نفذها المجرم باروخ غولدشتاين بحق المصلين في الحرم، وهذه الحادثة تثبت ان القرارات بالسيطرة كانت موجودة في الأدراج وتنتظر فقط الفرصة للتنفيذ. فالفلسطينيون دفعوا ثمن جريمة نفذها يهودي ضد مصلين أبرياء، فما بالنا عندما تحدث أمور من الجانب الآخر.
ولا شك أن قرار حزب «الليكود» الذي ينافس فيه حزب «البيت اليهودي» لسن قانون لضم اربع مستوطنات لحدود بلدية القدس وإخراج ثلاثة أحياء عربية منها، ليس فقط يمثل تحريضاً خطيراً على العنف، بل هو كذلك يثبت بالدليل القاطع النوايا المبيتة لتغيير الوضع الراهن في القدس وتهويدها بشكل كامل، تنفيذاً لقرارات وقوانين أُخرى تضمن ابقاء القدس الكبرى موحدة عاصمة لإسرائيل الى الأبد كما يعلنون.
العملية التي نفذها شبان من ام الفحم في باب الأسباط كانت قد بدأت خارج البوابة وخلل أمني إسرائيلي أدخل الشبان الى الداخل حيث قتلوا هناك. وفي كل الأحوال لا يوجد اي داعٍ لتغيير الوضع الراهن في بوابات الحرم بوضع بوابات إلكترونية لان الحديث لا يدور عن سبب أمني والشرطة الإسرائيلية تتحمل مسؤولية الخلل الذي حصل، والإجراءات الأمنية المتبعة في السابق تمنع بدون شك دخول السلاح لباحات الأقصى، وبالتالي لا حاجة لإجراءات جديدة.
إسرائيل تحاول فحص ردود الفعل المحلية والإقليمية والدولية لخطواتها القادمة، ويبدو انه في هذه المرة قررت حكومة نتنياهو حسم أمرها وتجاهل ما يجري من حولها. ويمكن النظر الى موقف وزير الأمن الداخلي غلعاد اردان من الاردن في هذا السياق، فالوزير المتطرف المذكور رفض الموقف الأردني من التطورات في الأقصى وكان رده وقحاً عندما قال : نحن أصحاب السيادة ولا شأن للأردن في القدس. وهذا تصعيد جدي في لهجة الحكومة وهي تتجاهل دور الأردن الذي وافقت عليه إسرائيل في اتفاقية وادي عربة الذي وقعته مع الأردن، والذي يمنح ولاية للأوقاف الأردنية في هذا المكان. بل هناك مجازفة بتوتير العلاقة مع الأردن والتأثير على مستقبل اتفاق السلام بين الجانبين.
لا يظهر ان حكومة نتنياهو - بينيت تحسب خطواتها بشكل جيد، فكل أحاديثها عن السلام الإقليمي تتلاشى على خلفية عنادها وعدم حسابها لردود فعل العالم العربي. فهناك قضيتان لا يمكن لإسرائيل أن تتجاهلهما في البحث عن علاقة طبيعية مع العرب، أولهما قضية الشعب الفلسطيني، فحتى لو أبدت بعض الدول استعدادها للتعاون مع إسرائيل من تحت الطاولة فهذا لن يأخذ شكل العلاقة الطبيعية، ولعل التجربة الإسرائيلية مع الدول التي لها اتفاقات سلام مع إسرائيل كالأردن ومصر وفشل عملية التطبيع معهما هي خير دليل على الأوهام التي تبنيها المؤسسة الإسرائيلية على علاقات تحالف مع الدول العربية السنية دون إحداث على الأقل اختراق في الملف الفلسطيني. والقضية الأخرى هي الأقصى والأماكن المقدسة، بل لو كان هناك نوع من المرونة في انتظار حل الصراع وذهاب بعض الدول لعلاقات سرية مع إسرائيل لها طابع أمني، فهذه يمكن ان تنتهي فوراً اذا أقدمت إسرائيل على خطوات ملموسة نحو تهويد الحرم القدسي.
والأخطر ما يمكن أن يحدث على مستوى العلاقة الفلسطينية- الإسرائيلية التي يمكن أن تصبح قطيعة وصداماً جدياً يذهب إلى مديات خطيرة في ظل حالة التوتر التي تشهدها المناطق الفلسطينية المحتلة، وفي ظل غياب الأفق السياسي وحالة الإحباط وخيبة الأمل في كل ما له علاقة بالعملية السياسية. وايضاً في ظل تراجع شعبية السلطة والقيادة الفلسطينية في الأوساط الشعبية وخاصة لدى الأجيال الشابة.
ومع كل المخاطر الكامنة في السياسة الاحتلالية الإسرائيلية وخاصة تجاه القدس، هناك حالة من التخبط والضياع في بحث الخيارات الفلسطينية، وهناك ردود فعل عفوية وتلقائية غير محسوبة، ومهما بلغت درجة وطنيتها واستعدادية منفذيها للتضحية، يمكنها أن تفيد السياسة الإسرائيلية اكثر من منفعتها للقضية الوطنية وخاصة عمليات على غرار العملية في باب العامود في شهر رمضان والعملية الأخيرة في باب الأسباط.
ربما تكون العمليات ذات الطابع الفردي والعفوي هي تعبير عن حالة غياب الرؤية الوطنية الشاملة لكيفية مواجهة السياسات الاحتلالية، وهذا من المفروض ان يجعل كل القوى والجهات الفلسطينية تبحث في استراتيجية وطنية شاملة مفيدة وذات جدوى يتم في إطارها مراكمة الإنجازات وصولاً إلى الحرية والاستقلال الناجز.