توقع صندوق النقد تراجع نمو الاقتصاد الفلسطيني الى 3% في العام الحالي، من 4% في العام 2016، محذرا من أن التراجع سيكون أكبر في حال تصاعد الأحداث المرتبطة بالإجراءات الإسرائيلية حول المسجد الاقصى.
جاء ذلك في تقرير أصدره الصندوق، أمس الاثنين ووزع ملخصه اليوم الثلاثاء، بعد جولة تقييميه لبعثة من صندوق النقد برئاسة كارين أونغلي، لفلسطين في الفترة 11-20 يوليو الجاري، التقت خلالها وزير المالية الدكتور شكري بشارة، ومحافظ سلطة النقد عزام الشوا، وعدد من المسؤولين الفلسطينيين.
وقالت اونغلي "يعاني الاقتصاد الفلسطيني من تصاعد عدم اليقين السياسي، وتراجُع تدفقات المعونة، وعدم كفاية الاستثمارات، وما تزال القيود المفروضة على حركة السلع والخدمات تعوق الاستثمارات المنتجة والنمو، كذلك تواجه غزة مشقة اقتصادية واجتماعية متزايدة نتيجة لتباطؤ جهود إعادة الإعمار وتخفيضات الإنفاق الأخيرة".
وأضافت: تشير تقديراتنا إلى أن النمو الكلي لإجمالي الناتج المحلي سيتباطأ إلى نحو 3% في عام 2017، هبوطاً من 4% في عام 2016. وتأتي هذه التقديرات استنادا إلى نمو إجمالي الناتج المحلي بمعدل 2.7% في الضفة الغربية و4.5% في غزة، بانخفاض يتجاوز 3 نقاط مئوية عن المعدل الذي بلغ 7.7% في 2016، غير أن الأحداث المأساوية في الأيام القليلة الماضية تسلط الضوء على أوجه عدم اليقين التي تخيم على الاقتصاد وحياة المواطنين".
وقالت أونغلي "ما لم يزداد تصاعد الأحداث، نتوقع أن يبلغ نمو إجمالي الناتج المحلي في الضفة الغربية وغزة حوالي 3% على المدى المتوسط، وحتى هذا المعدل سيكون أقل من أن يستوعب العدد الكبير من الشباب الداخلين إلى سوق العمل في السنوات القادمة، وفي نهاية المطاف، يعتمد أي تحسن دائم ومؤثر في الآفاق المتوقعة للاقتصاد الفلسطيني على الالتزام بعملية السلام وتحقيق إنجاز سياسي، وإذا اقترن مثل هذا الإنجاز بتخفيف القيود المفروضة على الحركة وتعزيز السيطرة على الموارد، وهو ما يشمل المنطقة (ج)، فسوف يسمح بتحقيق نمو سريع يقوده القطاع الخاص".
واعتبر صندوق النقد "الحوار البناء بين السلطة الفلسطينية وحكومة إسرائيل عاملا أساسيا لتحسين الآفاق الاقتصادية في الضفة الغربية وغزة، وفي هذا الصدد، نشير إلى أهمية عقد اجتماعات وزارية عالية المستوى، ونتطلع إلى نتائج ملموسة تقوم على مناقشات عادلة وشفافة، غير أننا نشعر بقلق بالغ إزاء احتدام الصدامات مؤخرا في الضفة الغربية والقدس، ونستنكر ما أسفر عنه العنف من خسائر في الأرواح".
وجدد صندوق النقد الدولي إشادته بأداء وزارة المالية والتخطيط، رغم الظروف الصعبة التي تعمل في ظلها.
وقالت اونغلي "تواصل وزارة المالية والتخطيط إدارتها الماهرة لهذه الظروف العصيبة، فقد حققت المالية العامة أداء تجاوز التوقعات في الأشهر الخمسة الأولى من 2017، بفضل الجهود القوية لتعبئة الإيرادات وكبح الإنفاق، ونتيجة لذلك، نتوقع أن يصل عجز النفقات المتكررة إلى 6.1% من إجمالي الناتج المحلي مع نهاية العام، بانخفاض قدره 1.7 نقطة مئوية عن المتوقع سابقا، وبينما حققت السلطات تقدما في تسوية المتأخرات المستحقة للقطاع الخاص، نجد أن المتأخرات عاودت الظهور، وخاصة في القطاع الصحي، بسبب استمرار تراجُع تدفقات المعونة وسداد الدين المحلي، ويسلط هذا الضوء على قيود التمويل الشديدة التي تواجه السلطة الفلسطينية حاليا.
وأضافت: بناء على قوة الأداء حتى الآن، يتطلب الأمر خطوات إضافية لتحقيق تقدم أكبر في تضييق فجوة التمويل التي لا تزال تبلغ حوالي 4% من إجمالي الناتج المحلي . نرحب بإصرار السلطات على تعزيز الإيرادات المحلية من خلال تحسين الإدارة الضريبية، ونحثها على تجنب منح إعفاءات ضريبية جديدة والنظر في إجراءات جديدة يمكن أن تحقق إيرادات إضافية وتساهم في إقامة نظام ضريبي أكثر تصاعدية.
وجدد الصندوق دعوته الى تركيز جهود تخفيض الإنفاق على احتواء فاتورة الأجور الكلية، ورفع كفاءة الإنفاق على الصحة العامة، وتعزيز استرداد تكلفة استهلاك الكهرباء والماء، مؤكدا ان "دعم المجتمع الدولي ما زال ضروريا لتسهيل عملية الضبط المالي دون إلحاق مزيد من الضعف بآفاق النمو"، داعيا المانحين إلى "التراجع عما لوحظ في السنوات الأخيرة من خفض كبير لدعم الموازنة".
وقالت اونغلي "ستؤدي الإصلاحات الداعمة لسلامة الموارد العامة على المدى المتوسط إلى المساعدة في ضمان التوافق بين جهود الضبط المالي وتقديم خدمات اجتماعية أفضل، وتمثل استراتيجية إدارة المالية العامة التي استُكمِلت مؤخرا علامة مهمة في هذا الخصوص، ويتطلع الصندوق إلى دعم وزارة المالية والتخطيط في تنفيذها، بالتنسيق مع شركاء التنمية الآخرين". واضافت: سيؤدي تحسين إعداد الموازنة، والمراقبة الدقيقة للإنفاق، ومراعاة أولويات التنمية المتوخاة في جدول أعمال السياسات الوطنية، إلى المساهمة في جعل بنود الإنفاق أكثر دعما للنمو، مع خلق حيز مالي لإقامة استثمارات عامة إضافية وضمان إبقاء الدين في حدود يمكن تحملها".
في الجانب النقدي، حذر صندوق النقد من النمو السريع في الائتمان، داعيا الى رصد كافية لمواجهة التعثر في القروض.
وأضافت "ستكون الجهود الرامية إلى حماية الاستقرار المالي وتحسين إتاحة التمويل عنصرا مكملا لإصلاحات المالية العامة والإصلاحات الهيكلية، ومن التحديات المهمة في هذا الصدد تحقيق التوازن الصحيح بين الشمول المالي والاستقرار المالي في النظام المصرفي، ما يدعو إلى المراقبة الدقيقة لنمو الائتمان الذي لا يزال سريعا، ورصد مخصصات كافية لمواجهة خسائر القروض، والحفاظ على رؤوس أموال وقائية كافية، والإبقاء على الائتمان المقدم إلى الحكومة ضمن الحدود التنظيمية المقررة".
واعتبر الصندوق استمرار التعاون بين سلطة النقد الفلسطينية والبنك المركزي الاسرائيلي أمرا ضروريا للحفاظ على علاقات المراسلة المصرفية التي تشكل أهمية بالغة في كفاءة عمل نظام المدفوعات.
وقالت اونغلي "ننوه في هذا الخصوص بالجهود الجارية لإيجاد حل مُرْضٍ لتخفيف القلق الذي تستشعره البنوك التجارية، ولكننا نحث السلطة الفلسطينية على مقاومة ضغوط تقديم ضمانات مالية يمكن أن تعرض استمرارية أوضاع المالية العامة للخطر".
وشددت على ان "جهود تعزيز النظام الفلسطيني لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بدعم من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، تحقق تقدما يتجاوز الجدول الزمني الموضوع وينبغي الحفاظ عليها، لضمان نجاح مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في إجراء تقييمها الشامل في عام 2020".