مجدداً، نجح بنيامين نتنياهو حيث كان من المتوقع أن يفشل، اتخذ قرار إقامة البوابات الإلكترونية على أبواب الأقصى لإرغام المقدسيين على الخضوع لإرادته وتأكيد السيادة الإسرائيلية على القدس وخاصة المسجد الأقصى، رد الفعل الفلسطيني، والمقدسي على وجه الخصوص، أربك حسابات نتنياهو وأركان حكومته ورجالات الأمن لديه، انقسام في أوساط الائتلاف الحكومي والمجلس الوزاري المصغر، كما هو شأن الانقسام في أوساط قادة الأمن والشرطة والمخابرات، إدانة واسعة لاستفراد نتنياهو في هذا القرار غير المدروس من قبل وسائل الإعلام الإسرائيلية، وبينما جاء بيان الرباعية الدولية لكي لا يضيف شيئاً، كان كذلك الاجتماع غير الرسمي وخارج قاعة مجلس الأمن، الاثنين الماضي بدعوة من فرنسا والسويد ومصر، خطابات لمبعوث الأمم المتحدة ملادينوف، ورئيس البعثة الفلسطينية في الأمم المتحدة، انتظاراً لعقد جلسة لمجلس الأمن، أمس الثلاثاء، مخصصة في الأصل لبحث مسألة الشرق الأوسط، خاصة الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي بشكل دوري من دون تخصيص جلسة خاصة لبحث الأزمة في المسجد الأقصى، ربما رهاناً على دور يمكن أن يقوم به مبعوث الرئيس الأميركي غرينبلات الذي كان قد وصل إلى كل من عمّان وتل أبيب لبحث أزمتين مترابطتين، إقدام حارس في السفارة الإسرائيلية في عمّان على قتل مواطنيْن أردنيين، والأزمة في المسجد الأقصى!
ليل الأحد ـ الاثنين، شهد عراكاً داخل اجتماع المجلس الوزاري المصغر لمدة أربع ساعات دون التوصل إلى نتيجة، طوال يوم الاثنين كان يجري الحديث عن بدائل تم التوصل اليها إثر تراجع محتمل عن البوابات، إلى حين وصول الأنباء عن مقتل أردنيين اثنين داخل السفارة الإسرائيلية في عمّان.
هذا السرد الممل والمختصر للساعات التي سبقت اتخاذ الحكومة الإسرائيلية قرار إزالة البوابات الإلكترونية واستحداث بدائل إلكترونية، أيضاً، كان ضرورياً لتأكيد فكرة أن هذا القرار الإسرائيلي، كان ممكناً بمعزل عن تطورات أحداث السفارة الإسرائيلية في عمّان.. البيان المقتضب الصادر عن اجتماع المجلس الوزاري المصغر ليل الثلاثاء يشير بالنص إلى أن الحكومة وافقت على توصية كل الأجهزة الأمنية "باستبدال إجراءات التفتيش بواسطة أجهزة كشف المعادن، بإجراءات أمنية تستند إلى تكنولوجيا متطورة ووسائل أخرى" وأشار القرار إلى التكاليف والفترة الزمنية اللازمة من دون أي ربط بإعادة أعضاء السفارة من عمّان إلى الدولة العبرية!
وحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن هناك عدة تصريحات من قبل قيادات حكومية وحزبية رفضت ما سمي بالصفقة بين نتنياهو والملك عبد الله، كانت هناك إشارات دفاعية من قبل نتنياهو أن ليس هناك من صفقة، بل ان التراجع عن البوابات كان بضغط من قبل كافة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية.
إلاّ أن موقف نتنياهو متناقض مع ذلك في هذه المسألة المتعلقة بالصفقة، فهو يؤكد من جهة أن لا صفقة مع الأردن بل نزول عند ضغط الأجهزة الأمنية والاستخبارية، كي لا يتحمّل مسؤولية القرار، وفي الوقت نفسه يريد أن يشير إلى أن موقفه السريع بالتعهد بإعادة طاقم السفارة "فوراً" وهو ما حدث يعود إلى مناورته المتعلقة بأزمة المسجد الأقصى وإزالة البوابات، من جهة أخرى، وبهذا يصبح الحديث داخل المؤسسات السياسية والأمنية والحزبية في إسرائيل عن نجاحه في الإيفاء بتعهده بسرعة غير معهودة في مثل هذه الأزمات، والإبقاء على التراجع عن البوابات الإلكترونية على هامش المستجدات والتداعيات.. وبينما تهدأ الساحة السياسية والحزبية في إسرائيل، مؤقتاً على الأقل، فإن الأزمة انتقلت إلى الأردن، حكومة وبرلماناً على خلفية تداعيات أزمة السفارة!
يبدو، والحال هذه، أن حكومة نتنياهو لم تتراجع بفضل صمود المقدسيين وبطولاتهم في مواجهة الإجراءات الإسرائيلية، بل بفضل صفقة تم إنجازها مع الأردن، تراجع لم يحدث بسبب ضغوط المحفل السياسي والحزبي والأمني الإسرائيلي جراء التخوف من الانزلاق في معركة السيادة على المقدسات الإسلامية في الأقصى، بل ان هذا التراجع جاء ترجمة لصفقة تبادل طاقم السفارة بإزالة البوابات الإلكترونية، في محاولة للقول من قبل نتنياهو إنه لم يقدم أي نصر للفلسطينيين، بينما يشكل رفض المقدسيين لأي إجراء جديد مستبدل عن البوابات الإلكترونية، مقياس فشل لسياسة نتنياهو الذي قد يحتفل بالنصر على خصومه السياسيين، ولكن إلى حين؟!
مناورة يوليا لتأجيل "شنق" نتنياهو قضائيا..فعل مؤقت!
27 أكتوبر 2024