عايشت كغيري من الفلسطينيين، معظم حكومات إسرائيل السابقة ومنها من كان أكثر تطرفا وارهابا وحقدا وكراهية وسفكا للدماء الفلسطينية والعربية من هذه الحكومة مثل مناحيم بيغن وشامير وشارون، إلا انها كانت تتصرف كحكومات تكن وتضمر كل العداء لجيرانها وتساهم بل وبعضها أسس لإقامة المستوطنات ومصادرة الأرض وقتل الفلسطينيين بدم بارد سواء بالرصاص الحي او المطاطي أو بتكسير اياديهم بالحجارة واعتقالهم لسنوات طويلة. كما شنت كل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة الحروب العدوانية المتكررة والدورية ضد الفلسطينيين والعرب، فذلك هو القاسم المشترك بينها كلها دون استثناء. لكن ما يميز هذه الحكومة ان نتنياهو يتصرف كمستوطن أهوج بدون ضوابط أو كوابح مستطرد كل العالم وفي مقدمتهم العرب كما انه لا يتصرف حتى كرئيس حكومة لدولة إرهابية. فهو ووزراءه يتصرفون كزعران وقطاع طرق ويقومون بأعمال لا تمت للحضارة الإنسانية ولا للحكومات العنصرية التي عرفناها، بصلة، كتلك التي كانت قائمة في جنوب افريقيا وروديسيا. فحكومته تكرس لشريعة الغاب في كل علاقاتها وسلوكياتها وتصريحاته، همها الوحيد البقاء في الحكم أكبر فترة ممكنة بغض النظر فيما إذا كان استمرارها لا يخدم إسرائيل ولا يضمن مستقبلها ولا يحقق امنها أو استقرارها ويضعها في عداء دائم مع المجتمع الدولي. فهي لم تكتف بمصادرة الحقوق ونهب الثروات والقتل بكل اشكاله بل سكتت وغطت عن حرق الأطفال وهم احياء وهذه لم يسبقها اليها أحد الا داعش بالإضافة إلى قيام عدة جنود بقتل الصبايا اللائي (اللاتي) لا تزيد أعمارهن عن 15 عاما بالرصاص الحي عدة مرات وكأنهن أكياس تجارب أو موقع مخصص للتدرب على كيفية إطلاق النار. فبعضهن، وينطبق ذلك على الشباب أيضا، كنً مُلقات على الأرض بدون حركة ولا يشكلن أية خطورة لأحد على الإطلاق. فسفك الدماء بهذه الطريقة الوحشية وغير المسبوقة باتت صفة ملاصقة ومتأصلة في سلوكيات المستوطنين وما يسمى بجيش الدفاع الإسرائيلي الذي يسوقونه باعتباره من أكثر الجيوش اخلاقا في العالم وكل ذلك بتشجيع ودعم ومساندة وتغطية سياسية وقانونية من وزراء نتنياهو ومنه شخصيا. لقد سعى كل رؤساء الحكومات الإسرائيلية لإقامة جبل الهيكل وهدم المسجد الاقصى ولكنهم لم يفعلوا شيئا عمليا ملموسا ذو أهمية او خطورة (فيما عدا الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى) إلا في العقد الماضي على وجه التحديد، مستغلين ما يجري في الوطن العربي ومن الانقسام الفلسطيني بالدرجة الأولى. دون التقليل من خطورة ما قام به نتنياهو شخصيا عام 1996 خلال أحداث النفق والتي زرعت بذور الانتفاضة والهبة الشعبية بعد ذلك.
الغباء والافلاس
غباء وإفلاس حكومة نتنياهو فاق كل الحدود. فالغباء لا يعني بالضرورة أنه أمي أو جاهل ولكنه يعني عدم الإدراك أو تقدير خطورة ما يقدم عليه أو يتخذه من قرارات. فالثور على سبيل المثال غبي جدا رغم قوته وضخامة حجمه فهو يتحرك عند مشاهدة قطعة قماش حمراء يحملها المصارع في الحلبة فيتجه نحوها بسرعة هائلة ظنا منه ان المصارع يقف خلفها، فهو يبقى يتلقى السهام على جسده الضخم حتى يخر صريعا بعد فترة وهذا ما يفعله المصارع الفلسطيني بالثور الإسرائيلي الهائج منذ عقود. والمتتبع لمصارعة الثيران في الحلبات الاسبانية يشاهد أن جسم الثور الضخم يستمر بالنزيف جراء غزِ السهام في جسمه مرة تلو المرة فتجد أكثر من 20 سهما مزروعة في اماكن مختلفة من جسمه قبل أن تخور قواه ويستسلم للمصارع. والغباء يعني أيضا عدم الادراك بنتائج الأمور وتغييب العقل والتصرف وكأن الأخرين لا قيمة لهم إما لكونهم ضعافا لا يملكون من أمرهم شيئا أو لأن الحكومات تملك من وسائل القوة والجبروت ما تستطيع بلحظة معينة إذا أرادت قهر خصومها. من هنا يتداول الناس مثالا فحواه: "القوي عايب “فحينما يستند نتنياهو إلى القوة فحسب ويعطي إجازة طويلة للعقل ولا يأخذ الدروس والعبر، فإنه يتصرف بدون حساب لنتائج سلوكياته وافعاله وممارساته ففي هذه الحالة يعتبر غبيا بامتياز. وحينما لا يستفيد من تجارب من سبقوه من رؤساء الوزارات (شارون وشامير وبيغن ورابين) والذين حاولوا انتهاج نفس السلوكيات والافعال وضربها بعرض الحائط فكانت نهايتهم كما شاهدها بنفسه مفجعة وقاسية حيث لم يتمكنوا من كسر إرادة شعب فلسطين لذا فهو يعتبر مفلسا سياسيا وبامتياز، لكونه لم يستوعب الدروس جيدا وأصر على عناده بسلوكه ذات الطريق المنتهية بالفاجعة. فأوجه غباء وإفلاس نتنياهو وحكومته يمكن تبيان بعضها فيما يلي:
1- نتنياهو يعلم تمام العلم النتائج الخطيرة المتأتية على وضع الحواجز الإليكترونية على مداخل أبواب المسجد الأقصى، لكنه رغم ذلك يقدم عليها.
2- نتنياهو وأركان حكومته يدركون تماما ردود الأفعال الشعبية على هذه الإجراءات غير المسبوقة ورغم ذلك يتخذها نتنياهو.
3- حكومة نتنياهو تعلم وتدرك جيدا أهمية المسجد الأقصى بالنسبة للفلسطينيين والعرب والمسلمين وأنهم لن يسكتوا بل سيواجهون إجراءاته بقوة كبيرة.
4- حكومة نتنياهو متيقنة أن هذا الإجراء سيترتب عليه مواجهات مباشرة وعنيفة بما فيها تجدد العمليات الاستشهادية في فلسطين وخارجها ونقل الصراع من وطني إلى ديني تدميري وهنا مكمن الخطورة.
5- حكومة نتنياهو اعتمدت أو أخذت بكلام ووعود بعض الحكام العرب الذين زاروا مقر وزارة الدفاع في تل ابيب سرا بعد أن غيروا دشاديشهم البيضاء ولبسوا السراويل وهو يعلم تمام العلم بأن هؤلاء لا يستطيعون التأثير على الشارع الفلسطيني وانهم أضعف من أن يتمكنوا الضغط على شعب فلسطين حتى لو سمحوا لبعض كبار الشيوخ والأئمة المأجورين من اصدار الفتاوي الهزيلة.
6- حكومة نتنياهو أقدمت على القيام بوضع الأبواب الإليكترونية معتمدة على علاقتها السرية التي اقامتها مع العديد من الحكام العرب الفاسدين وعلى اللقاءات والاجتماعات التي عقدتها معهم في دولهم وفي الخارج، فنتنياهو يعلم بأن هؤلاء الحكام مكروهين من شعوبهم ومن الشارع العربي ولا يستطيعون التأثير على حركة الشعب العربي وبالأخص الفلسطيني.
7- حكومة نتنياهو تعلم وتدرك بل ومتيقنة تماما بأن هدم بيوت أسر الشهداء وحملات الاعتقالات وإطلاق الرصاص من المسافة صفر والإغلاقات وقطع الطرقات وعزل القرى والمخيمات والاقتحامات المتكررة للمدن وإعادة احتلالها من جديد لا يجدي نفعا ولم يكسر إرادة شعب فلسطين وصموده في وجه آلة الحرب العدوانية الإسرائيلية، فقد جربها كل رؤساء الحكومات الإسرائيلية الذين سبقوه دون جدوى
8- وحكومة نتنياهو تدرك تماما بأن احتلالها للأرض الفلسطينية سينتهي وسيزول بلا شك وأن القدس هي العاصمة الشرعية والقانونية والتاريخية والدينية للفلسطينيين وبالتالي لن تكون هناك تسوية بدونها ولا أمن ولا استقرار في ظل بقاء الاحتلال، وأن محاولات من سبقوه لتهويدها اصطدمت بالإرادة الفولاذية الصلبة لشعب فلسطين.
9- وأخيرا وليس آخرا، فقد توهم نتنياهو بأن الحالة الفلسطينية الرسمية المتردية والمترهلة والضعيفة وفي مقدمتها الانقسام البغيض والسيئ قد تكون عوامل ساعدته في اتخاذ مثل هذه القرارات، متناسيا أن المسجد الأقصى فوق كل المسؤولين الفلسطينيين من منظمة وسلطة وفصائل وحركات.
لقد مس الغرور وجنون العظمة نتنياهو وأركان حكومته مما جعلهم يفقدون أعصابهم وعقولهم تدريجيا ويجرًوا نفسهم ومعهم إسرائيل إلى التهلكة. فصفحات التاريخ القديم والحديث مليئة بمثل هؤلاء المغرورين الذين قتلوا أنفسهم ودمروا دولهم بفعل التباهي وجنون العظمة. لقد ولج نتنياهو بقراراته السيئة إلى الدرجة أو النقطة التي تتساوى عندها الشهادة مع الحياة بل لعل الأولى تتفوق على الثانية، لكونها تتم دفاعا عن أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى خاتم الأنبياء ومعراجه إلى السماء والمكان الذي أمً به بكل الرسل، لذا فهو بالنسبة للفلسطيني مفتاحا لدخول الجنة وهذه عقيدة مترسخة في فكر وعقل الفلسطينيين والعرب. لكن غباء وإفلاس وغرور وعنجهية وجنون عظمة حكومة نتنياهو جعلتها تتجاهلها عن عمد ومعتقدة بأن الفترة الحالية هي أنسب وقت للسيطرة على الأقصى مستفيدة بالطبع من الوضع العربي المتردي والانقسام الفلسطيني المشؤوم.