من المقرر أن تصل المفاوضات حول ملف إيران النووي، بين الدول الكبرى، الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا والمانيا وبريطانيا، وإيران إلى مرحلة حاسمة تؤدي إلى التوقيع على اتفاق اطار مع نهاية آذار القادم، على أن يتم التوقيع على اتفاق نهائي في آخر شهر حزيران القادم. ما تسرب من معلومات تفيد أن مثل هذا الاتفاق قد تم إحرازه بفضل جملة من العوامل في طليعتها التوجه الدولي لفتح أفق جديد في الحرب على الارهاب المتصاعد من الشرق الأوسط إلى كل العالم تقريباً، وجلب إيران إلى هذا التحالف الدولي بالنظر إلى أهميتها في هذا السياق، إذ ان إيران لاعب لا غنى عنه في معالجة أي تطور في هذه المنطقة المتفجرة من العالم، لم يكن بالإمكان الوصول إلى مثل هذه المشاركة من جانب إيران، بدون إنهاء الملف النووي الشائك.
كان من الممكن أن تبقى قصة التوصل إلى مثل هذه الاتفاقات الأولية، في إطار الدبلوماسية السرية التي لا بد منها لإنجاح أي مفاوضات حساسة من هذا النوع، لولا أن هناك لاعباً هاماً لا يبدو أن من مصلحته التوصل إلى مثل هذه التوافقات، إسرائيل من غير شك بأن مصالحها ستتضرر إذا ما باتت إيران جزءاً من هذه الهيكلية الدولية، الآن بالنسبة إلى ملف الحرب على الإرهاب، وغداً ربما شريكاً في مفاوضات إقليمية حول مستقبل هذا الإقليم، وفي الجوهر منه، الصراع الإسرائيلي ـ العربي، خاصة على الملف الفلسطيني، من يعلم.
عارضت حكومتا نتنياهو المتعاقبتان، منذ البداية أي إمكانية للتوصل إلى اتفاق دولي مع إيران حول برنامجها النووي، وأدى ذلك إلى خلافات جوهرية مع الحليف الأميركي في ظل إدارة أوباما الديمقراطية، وفي هذا السياق، وضعت حكومة نتنياهو كل ما أمكنها من عراقيل لإفشال السياسة الأميركية، خاصة عندما أحرجت وزراء الخارجية الأميركيين أكثر من مرة لدى محاولة التوصل إلى نهاية للمفاوضات على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، ولاحظنا كمتابعين، أن واشنطن قد تحمّلت الكثير على حساب كرامتها كدولة كبرى، مراهقة حكومتي نتنياهو، وباتت إدارة أوباما، ليس فقط في وضع حرج بالنظر إلى سياسات نتنياهو وحكومته تجاهها، بل لأن واشنطن لم تتحل بالشجاعة الكافية لمواجهة هذه السياسات، بالنظر إلى حسابات ضيقة وصغيرة، أدت إلى أن تبدو واشنطن، التي تجول وتصول في سياسات وأروقة المفاوضات على الصعيد الدولي، دولة صغيرة تلتحق بإرادتها، بالسياسة المراهقة لنتنياهو. صحيح أن السياسة الأميركية قد فشلت في جنوب شرق آسيا، اوكرانيا، الحرب على الارهاب، لكن فشلها كان أكثر وضوحاً لدى تعاطيها مع التمرد الذي قاده نتنياهو ضد هذه السياسة، بشكل لا يوصف إلاّ بالوقاحة، كما أن رد الفعل الأميركي لا يمكن إلاّ أن يوصف بامتهان الكرامة الشخصية والاعتبارية لأوباما وإدارته والولايات المتحدة، دولة وشعباً.
في خطوة خسيسة، سربت إدارة نتنياهو بعض محتوى المفاوضات على ملف إيران النووي، تلك المعلومات التي استقتها من خلال العلاقات الاستراتيجية الوثيقة مع الولايات المتحدة، واشنطن تقول إن هذه المعلومات تم اجتزاؤها بشكل متعمد لخدمة رؤية نتنياهو الخاصة لهذه المفاوضات، في سبيل توظيف الأمر لصالح وضعه الانتخابي في إطار الحملة الانتخابية المستعرة هذه الأيام في إسرائيل، ورغم أن عدداً هاماً من شخصيات سياسية، وأمنية إسرائيلية، اعتبرت مناورات نتنياهو على هذا الصعيد، ضربة حقيقية ستضر بمستقبل العلاقات الاستراتيجية مع الحليف الأبدي لإسرائيل، أميركا، رغم ذلك، استمر نتنياهو في إهانة الرئيس الأميركي، عندما ـ ومن خلف ستار ـ اتفق مع الحزب الجمهوري على إلقاء كلمة أمام الكونغرس، قبل أيام من الانتخابات الإسرائيلية، وظهرت إدارة أوباما أكثر ضعفاً، عندما أعلن عدد محدود من نواب وسيناتورات الحزب الديمقراطي مقاطعة هذا الخطاب، أي ان هناك انقساما داخل حزب الرئيس حول هذا الأمر، ونجح نتنياهو مرة أخرى في اختراق كبير لسياسات البيت الأبيض، وبحيث تم تجنيد ضعف إدارة أوباما، لخدمة المصالح الانتخابية لنتنياهو، ولم يكن مستغرباً، أن كل تلك الإهانات التي وجهها نتنياهو للرئيس الأميركي، بالإضافة إلى فضائح عائلته، لم تؤثر سلباً وفقاً لاستطلاعات الرأي على المركز المتقدم الذي يحتله حزب الليكود برئاسة نتنياهو في الانتخابات القادمة، بل إن الإسرائيليين ربما كانوا أكثر سعادة وهم يرون كيف أن دولة صغيرة كإسرائيل، باتت أكثر تأثيراً على السياسة الأميركية، إهدار كرامة أميركا وأوباما، يجعل من الإسرائيليين الذين أهينوا خلال حروب إسرائيل على قطاع غزة، يستردون كرامتهم الضائعة بفضل سياسة نتنياهو.
يقول الأميركيون إنهم بصدد إعداد خطة لمواجهة اتهامات وسياسات وسلوك نتنياهو، غير أن ذلك، حتى لو صح فإنه قد فات الأوان عليه، خاصة إذا وصل نتيناهو وحزبه إلى الحكم بنتيجة الانتخابات القادمة، الخطوات الأميركية ربما تتركز على مقاطعة خطاب نتنياهو أمام الكونغرس، ومقاطعة مؤتمر «إيباك»، غير أن ذلك، رغم أهميته لم يوقف سيل الإهانات التي من الممكن أن يوجهها نتنياهو لإدارة أوباما، اليوم، وحتى بعد الانتخابات الإسرائيلية القادمة، ذلك أن إدارة أوباما، من الضعف أمام إسرائيل، بحيث باتت أكثر تطويعاً مع الإهانات التي توجه لها!!
عن الأيام