التطورات الأخيرة في التحقيق مع نتنياهو في ملفات الفساد المطروحة ضده، وخاصة توقيع مدير طاقم مكتبه السابق أري هارو اتفاقا مع النيابة العامة كشاهد ملك في قضايا التحقيق ضد رئيسه، تفتح مستقبل السلطة في إسرائيل أمام سيناريوهات مختلفة، قد تقود جميعها في نهاية المطاف إلى سقوط نتنياهو بين الاعتقال أو ترك الساحة السياسية، طبعاً إذا ما كانت المعلومات التي يقدمها هارو موثقة وقادرة على إدانته، علماً أن الاتفاق مع هارو استغرق وقتاً طويلاً قبل التوقيع عليه.
ويبدو أن المعلومات التي يزود بها النيابة على درجة من الأهمية إلى مستوى إعفائه من السجن مقابل الإدلاء بها.
يطرح الخبراء الإسرائيليون عدة احتمالات في عملية التحقيق وفي تصرف نتنياهو، فحسب القانون الإسرائيلي نتنياهو ليس ملزماً بتقديم الاستقالة بمجرد تقديم لائحة اهتمام ضده، إذ إن القانون يلزمه بالاستقالة في حالة إدانته بجريمة، ولكن العادة جرت في إسرائيل مع كل رؤساء الحكومة الذين اتهموا بمخالفات شبيهة أو حتى أقل من التي يتهم نتنياهو بها أنهم يقدمون استقالتهم بمجرد توجيه لائحة اتهام ضدهم. ويظهر أن نتنياهو سيكون استثناء حيث لا يعتزم تقديم استقالته حتى لو وجهت إليه لائحة اتهام، وتقوم وزيرة القضاء( العدل) في إسرائيل أييلت شكيد بالترويج لفكرة عدم استقالة نتنياهو فيما يبدو أنه حملة يمينية مبرمجة لمنع الذهاب إلى انتخابات مبكرة قد تفقد اليمين المتطرف السلطة.
على كل حال لا يزال أمام نتنياهو متسع من الوقت للتفكير في خياراته، وأصعب السيناريوهات هو اكتمال ملف التحقيق في واحدة من القضايا، وتقديم لائحة اتهام ضده الشهر القادم والضغط عليه من قبل الجمهور والشركاء في الائتلاف أو جزء منهم للاستقالة، حينها سيضطر لتقديم استقالته أو يكون في وضع صعب يجعل من الدفاع عن نفسه مسألة مرهقة وخاسرة.
والسيناريو الثاني هو التحقيق لفترة طويلة تصل إلى نهاية العام أو تتجاوزها إلى ربيع العام 2018، أو مقايضته على ترك السياسة مقابل عدم تقديم لائحة اتهام ضده، أو تبرئته، هذا ربما اضعف السيناريوهات.
ولتقديرات المستشار القضائي للحكومة أفيخاي مندلبليت أهمية خاصة في تسريع أو تأجيل العملية القضائية وهذا يستند إلى حجم المعلومات والدلائل.
المهم في قضايا نتنياهو ليس ما هو مصيره بقدر انعكاس الوضع في الحكومة الإسرائيلية على مستقبل العملية السياسية والعلاقة مع الفلسطينيين.
فحتى لو أن العملية متوقفة منذ فترة طويلة عندما تصبح الحكومة الإسرائيلية تحت تهديد استقالة رئيسها لا يمكن بحث أي شيء له علاقة بالملف السياسي سوى قضايا إجرائية ثانوية.
وعملياً وضع نتنياهو سيعيق إمكانية التفكير في أي مشروع سياسي عدا استكمال مخطط الحكومة الاستيطاني الذي سيكون محاولة نتنياهو الأخيرة لكسب الوقت في الحكومة.
واستمرار تبني نتنياهو لبرنامج اليمين المتطرف وتعهده بالعمل الحثيث والمتواصل والمكثف من أجل بناء أكبر عدد من الوحدات الاستيطانية في كل مكان في القدس والضفة المحتلة لقطع الطريق على حل الدولتين، سيجعل اليمين المتطرف في حزبي «البيت اليهودي» و»الليكود» يتمسك به ولا يستعجل سقوطه، لأن ذهاب نتنياهو لا يضمن بقاء اليمين الاستيطاني في الحكم.
الذهاب إلى انتخابات مبكرة على خلفية استقالة نتنياهو سيضر كثيراً بفرص «الليكود» وبقدرة الحزب على البقاء أكبر الأحزاب، وبالتالي احتفاظه بالسلطة أو تشكيله حكومة جديدة برئاسته.
ولن تكون الأطراف اليمينية المسيطرة على الحكم في وضع يمكن أن تضمن فيه مشروعها، حتى لو استفاد بعض الأحزاب من ضعف «الليكود» وخسارته، فالخارطة السياسية ستتغير في حال جرت الانتخابات بصورة مبكرة نظراً لتقديم لائحة اتهام ضد أو إدانة نتنياهو بتهم الفساد والرشوة وخيانة الأمانة.
وهناك احتمالات بأن يتعزز وضع حزب «العمل» كبديل لحزب «الليكود» الحاكم وبالتالي يفقد اليمين الأغلبية وتنضم أحزاب وحركات مثل «شاس» ويهدوت هاتوراة» لائتلاف جديد برئاسة «العمل».
مغادرة نتنياهو ستكون فرصة لتغيير الوضع السياسي في المنطقة على ضوء وصول جميع الأطراف إلى قناعة بأنه لا يمكن التقدم في العملية السياسية في ظل بقائه على رأس الحكومة.
ربما لا تزال فقط الولايات المتحدة الأميركية التي تعتقد مخطئة أنه يمكن فعل شيء على صعيد العملية السياسية بين نتنياهو والرئيس أبو مازن، مع أن المؤشرات تقول إنه حتى إدارة الرئيس ترامب بدأت تفقد حماسها للتقدم بمبادرة أو «صفقة» لحل الصراع في ظل الخلاف الجوهري حول هدف العملية والحل الذي يمكن أن ينهي الصراع.
وحسب ما يرد من الأشخاص المكلفين بهذا الملف لا يبدو أن للإدارة الأميركية أية خارطة طريق أو مبادئ محددة لجمع الأطراف عليها، كما أن تأييدها للحكومة الإسرائيلية في كل شيء لا يؤهلها للعب الدور الذي تحاول الترويج له في كل مناسبة.
ولعل معركة الأقصى الأخيرة كشفت حجم التردد الأميركي وأيضاً حجم الانحياز الأميركي للطرف الإسرائيلي حيث كان الموقف الأميركي متذبذباً ويكرر مواقف إسرائيل في الرفض والقبول والانصياع لرغبة الشارع الفلسطيني.
وفي كل الأحوال لا شك أن سقوط نتنياهو أفضل من بقائه بالرغم من عدم اليقين بوجود فرصة للحل السياسي بمجرد مغادرته للحلبة السياسية.