ديمة جمعة السمان _ استضافت ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس الشّاعرة ريتا عودة، حيث ناقشت ديوانها "مباغتا جاء حبّك" الصّادر عام 2016عن دار الرّصيف للنّشر والاعلام في رام الله، ويقع الدّيوان الذي يحمل غلافه لوحة للفنّان العراقيّ مهند محمد في 155 صفحة من الحجم المتوسّط. كما استضافت النّدوة الفنّانة هويدا نمر زعاترة التي غنّت بعض القصائد للشّاعرة ريتا عودة.
افتتحت الجلسة مديرة الندوة ديمة السمان ورحبت بالضيفتين، وأشادت بشعر ريتا عودة وبفن هويدا نمر.
وبعدها تحدّث ابراهيم جوهر فقال:
الشّاعرة "ريتا عودة" تنتصر للمرأة وتعلي من موقفها بعيدا عن التذلّل والتّبعية فتأخذ بيدها وهي تعبّر بلسانها وموقفها إلى مكانها الأول: بدء الحياة والعطاء والتخطيط والفعل.
إنها تحبّ وتقول وتعيش وتحزن وتفرح وتعجن اللغة لتصير أرغفة حبّ توزّعها على الجوعى لتصير الحياة أبهى وأكثر جمالا وحيوية.
وتخرج من معطف الحزن والسلبية إلى عالم الفرح والحب والإيجابية في العطاء والكينونة. لذا فإنها تنتصر للغتها وقلبها بثقة لتوجِد لغة خاصة في قاموس الحب: أحبّكم بالثلاثة، مثلا.
ولأنها جاءت من ميدان القصيدة الومضة فقد انسحبت لغة الومض على لغتها وموقفها في هذه المباغتة العاطفية: إنها تركض في بستان الحياة بلا توقف وإن توقفت فلتقول: أنا الأولى التي تهب الحياة والحب ولا يشبهني أحد، لا في الذّكور ولا الإناث: أنا "ريتا"...
وهنا يلحظ القارئ الإعجاب الشّديد بالـ "أنا" الشّعرية التي سبق وأن ركّز الشّعراء عليها في مواجهة خصومهم وفي مسعاهم لإثبات ذواتهم ولغتهم وإبداعهم.
تنشغل الشّاعرة بالحال وتقدّمها على الفعل، فهي تقول: مباغتا جاء غدرك، ومباغتا جاء حبّك... وأرى في هذا التّقديم إشارة إلى ميدان التركيز والاهتمام في لحظة تولّد الخاطرة الأدبية، وهذا جزء من اهتمام الشاعرة بتوصيف الحالة العامة للمرأة الكاتبة والمرأة بشكل عام، وكأنها تقول: أنا أنقل حال بنات جنسي.
وقال عماد الزغل:
الجرأة في البوح هو العنوان العريض للديوان، لم نعتد كشرقيين على مثل هذا إلا في أيام الأندلس، إنها تذكرنا بولادة بنت المستكفي وحمدونة الحفصية ونزهون الغرناطية، الشاعرات اللواتي تغزلن بالرجال، وبحن بمشاعرهن على حقيقتها دون مواربة ولا خجل، إنها تتحرش بالحب وتتصدى له ولا تتوارى خلف أي ستار من غزل عذري أو إشارات، نعم هذه هي الصورة الحقيقية لعصرنا وقرننا الحادي والعشرين، وهذا هو الأدب النسائي الصريح الذي يجسد حال المرأة في مجتمعنا، فهي تتصدى لنا بأنوثتها في مظهرها ولباسها وحركاتها دون أي خوف أو حياء
تبرجت بعد حياء وخفر تبرج الأنثى تصدت للذكر
تبدو ريتا في هذا الديوان نرجسية، ملكة متوجة، باعتبارها شاعرة فذة، وباعتبارها عاشقة لا تخجل من شيء ولا يقف دون حبها شيء، وتتعاظم نرجسيتها عندما ترى نفسها ربة الشعر، فتصدح باسمها في أكثر من قصيدة، ففي أحد العناوين تتساءل "ومن لا يعرف ريتا؟ وهي ترى الفرسان يعدون بخيولهم خلفها حقدا وحسدا، وهي تصرح بذلك فتقول:أنا الشاعر النرجسي، وقد جاء ذلك في قوالب شعرية جميلة، فهي تبعث فينا نرجسية المتنبي وزهو بشار وإعجاب عمر بن أبي ربيعة بنفسه.
ريتا عاشقة ثائرة تريد أن تخرج من قشرتها ومن تقاليدها لتصل إلى قلب محبوبها، هي كحبة الكستناء لا يمكن أن تصل إلى قلب اللذة فيها إلا بعد أن تقشرها، هي لا تؤمن بالحب عن بعد ولا بلوعة الفراق، إنها تؤمن بالحب الحسي الذي تتحد فيه المشاعر والأحاسيس والأجساد، فهي تقول:
وأكون لك غجرية تعرف كيف تشبع جوعك
ومع ذلك فقد جاءت صورها شعرية جميلة محلقة، ولم تعبر عن المعاني بصورة تقريرية فجة، بل جاءت صورها رائقة محلقة
إنها تؤمن أن الحياة هي ذكر وأنثى، وأن الحياة بجزء واحد لا تكتمل، فلا بد من انصهارهما في بوتقة الحب .
سأكون السفينة وتكون بحري، سأكون الوردة وتكون عطري، سأكون القصيدة وتكون قافيتي.
إن هذا الديوان يشبع غرور الرجال إلى درجة بعيدة، لقد أعجبني قولها:
أنا شجرة مغروسة عند جداول الدلال، تعطي ثمرها في أوانه، ورق حنان لا يذبل، وأنت عصفور يهوى نقر خشبها.
ولقد وقفت طويلا عند قولها:
كن لي المطر لا المظلة
ما أجمل هذه العبارة ! وما أعمق معانيها!
ولا بد لك وأنت تقرأ هذا الديوان أن تلمح أثر نزار قباني البعيد في صورها وتراكيبها ومعانيها، وكأنها قد ركبت زورق نزار في جرأته بطابع أنثوي، في تتناص معه في قولها:
الحب أن تقفز من على صخرة إلى المجهول المشتهى
وهو يشبه قوله: الحب مغامرة كبرى إبحار ضد التيار.
وفي قصيدة:"كوني"تذكرنا بقصيدة نزار"كوني امرأة خطرة".
وقولها: احذر، فالطريق إلى قلبي باتجاه واحد
مأخوذ من قول نزار اختاري الحب أو اللا حب
وأستعارتها عبارة "علمني حبك " في قصيدتها التي حملت هذا العنوان
فلا شك أن الشاعرة تتناص مع نزار في كل شئ
وعلى ذكر التناص فإن التناص الديني واضح في العديد من قصائدها مثل: خلعت صليبي ومضيت، ومن مزامير الغياب، وسفر التكوين وغيرها.
وقد أهملت الشاعرة البحور الخليلية، لكن هناك موسيقى داخلية تنبعث من النص، وحالها في ذلك حال كل شعراء قصيدة النثر في أيامنا هذه .
وتمتلئ قصائدها بالمحسنات البديعية وما أجمل التورية في قولها: ضمني إليك كما يضم شاعر عجزا بيت إلى صدره .
وتسيطر ألفاظ الطبيعة على القصائد كالسنونو والفراشات والأشجار والأنهار والحمام والعصافير، ولا تخلو القصائد من ألفاظ العصر الأعجمية كالماستر كي وبعض ألفاظ الكيمياء كالمختبر والهيدروجين الأكسجين .
وهي تستغل ألفاظ النحو في التعبير عن المعاني ومن ذلك قولها: قدري أن تكون مبتدأ، وقدري أن تكون خبرا، وقدرها ألا نكون يوما في جملة مفيدة
أو قولها:أحبك ماضيا ومصارع وأمرا
وهذا يشبه قول المتنبي
إذا كان ما تنويه فعلا مضارعا مضى قبل أن تلقى عليه الجوازم
وتتعمق الشاعرة في المعاني، ومن ذلك قصيدة همسة "حيث تقسم الشعراء إلى ثلاثة أقسام: فمنهم من هو بلا شعور فهم مجرد راصفين للكلمات، ومنهم أصحاب الخيال المجنح والتصوير الجميل، ومنهم من يصنع الأحداث بفعله قبل قوله.
وأخلص إلى القول أن هذا الديوان يمثل نموذجا لأدب المرأة وشاعريتها في القرن الحادي والعشرين، المرأة المتمردة على كل القوانين والأعراف والتقاليد، المرأة التي ضبطت ساعتها على توقيت الحب فقالت:
إنها الثالثة بعد منتصف الحبّ.
وقالت هدى عثمان أبو غوش:
في هذا الديوان نحن أمام أُنثى نزفت فعزفت عشقها وحزنها ديوانا، فجاءت قصائدها تمطر بهذا العشق المباغت الذي أسعدها، إلا أنّ المطر توقف حين ظهرت شمس الخيانة فطالبته بالفراق والرّحيل عنها؛ كي تستطيع أن تكون سُنونُوَّةً حرة.
تركز الشاعرة في ديوانها على موضوع العشق ومايرافقه من الحنين والإشتياق، الفقد والفراق، الخيبة والخذلان من الحبيب .
جاء عنوان الديوان" مباغتا جاء حُبك "مخاطبا من الأُنثى للذكر، وجاءت عناوين القصائد ملائمة للمضمون، وقد تكرر عنوان قصيدتها "عاشقة غجريّة" في قصيدة أُخرى بطريقة عكسية" غجريّة عاشقة".وكان لموضوع الحنين الأثر البالغ على الأُنثى العاشقة فجاءت بعض العناوين تحمل مراحل الحنين.
"أُنثى الحنين" "أعراض الحنين""حنين" "في توقيت الحنين".
جاء مبنى الديوان بشكل تسلسلي وصعودي ملفتا للقارئ، حيث بدأ الديوان بمدخل مبشرا بولادته، فتهمس للقارئ بأنها ستكون القصيدة، وقبل ولادته وتكوينه فإنها تبعثر أوراقها؛ لتكتب حول علاقتها بالحبيب، وثم يخلق الشاعر الأُنثى ريتا فيخاطبها لكي يكون حرفها النُّور للقرّاء، للفقراء، للجوعى، فتحبل الأُنثى وتلد القصائد إلى أن يأتيها مخاض ولادة اكتمال الديوان؛ لتطلق على الديوان اسمه فيحبه القارئ
وفي سِفر الخروج من الديوان تُقيِّمه بأنه حَسن جدا جداً
أبدعت الشاعرة في تصوير حالة الأُنثى العاشقة، من خلال استخدامها لأساليب مختلفة في نقل مشاعرها للقارئ من أجل التأكيد؟
التكرار: استخدمت التّكرار في بداية الفقرات لتؤكد عمق العاطفة والجرح .
أصنع من حلمي في قصيدة "أُحبك إلى ما بعد الحلم ".
في محطة القطار في قصيدة "في محطة القطار".
كوني في قصيدة "كوني ".
أفتقدك في قصيدة "خمس لوحات لجنون لحظة".
- جاء تكرار بعض المفردات بشكل مكثف في قصائد عدة مثل "سنونوة- الحلم- البحر -الفراشات- حقل- سنابل –قصيدة."
-استخدمت محسنات البديع والبيان من تشبيهات واستعارات جناس وأكثرت من الطباق.
-استخدمت مصطلحات طبية للتعبير عن مدى تأثير الفراق على نفسيتها .
هشاشة الأحلام، ارتفاع ضغط الشوق، نوبات هذيان، مختبر، هيدروجين اوكسيجين.
-كانت الموسيقى حاضرة في نصوصها فاستخدمت مفردات موسيقية عزفت لحن الحروف.
"موسيقى، قيثارة، موال، إيقاع، كمنجات، اليباب، نايات،لحن، أغنيات،عزف".
-استحضرت الشاعرة اللغة والنحو فداعبت حروف العطف ألرفع والنصب وجميع الأفعال، الضمير المستتر، المجاز والاستعارة، البناء، المعرب، والسكون.
استخدمت تناصا من النحو في جملة "صرخة لامحل لها من الإعراب". كناية عن جملة لا محل لها من الإعراب.
-جاءت الطبيعة مكثفةفي قصيدة "همسات ماطرة". وتواجدت كثيرا في مختلف قصائدها، حيث نلاحظ انصهار الطبيعة بعواطفها، فتدفقت كالنهر الساحر.
"الحقول، الفراشات، الأعشاب، الطيور، الزهور، الأيائل، السنابل، البلابل، البيادر، شواطئ، نوارس، القمح، الشّمس القمر، قرنفل، أشجار السنديان، النجوم، الغيوم، نهر"
-استخدمت إشارات دينية من القرآن والإنجيل كي تؤكد فكرتها سواء لوصف مشاعر الحب أو خيانة الحبيب "الطوفان والسفينة، سِفر التّكوين، النبي ويهوذا."
-استحضرت الشاعرة الرموز التّاريخية وشخصيات مشهورة: "نيرون، جوزيف بونابرت، شهريار وشهرزاد، ليلى والذيب، طروادة،غادة وتقصد الشاعرة غادة السّمان".
وكتبت نزهة الرملاوي:
باغتها حبا..فأمطرته شغفا
النرجسية في قصائد ريتا عودة.
ريتا شاعرة العشق..فيلسوفة الأنا، لا حب عندها أو عاطفة أقوى من عاطفة متحدية للآخر، لتكون الأنا واضحة وصريحة، تبادل الحبيب العشق وتقاسمه الروح، الكلمات والإراده...تدلل نفسها، ولا تحب أن تدلل أحدا أكثر من نفسها، فهي ترى نفسها شاعرة استثنائية، تتقن فن الكتابة الابداعية وتتحدى كل من قرأ قصيدة لها أن لا يعشقها كشاعرة، أو ما كتبت قائلة:
"أَتَحَدَّاكَ
أَتَحَدَّاكَ ألاَّ تَعشَقَنِي
فأنا شاعرة استثنائيّة
تُتقِنُ صَيدَ غُزلانِ الأبجديَّة"
في تشبيهاتها الكثيرة الجميلة شبهت الشاعرة حروف العربية بالغزلان، واعتبرت نفسها صيادة ماهرة؛ لأنها تتقن اختيار الكلمات الموحية لفكرتها، بتحقيق عنصري الزمان والمكان الصحيحين في المسار الكتابي الشعري.
وتوضح الشاعرة لنا وبكل ثقة تحقق نبوءة الشعراء فيها، وتعلو رغبة الفخر بذاتها، فتبدو النرجسية واضحة في معظم قصائدها، لتقول أنها القصيدة ذاتها، ومن وجهة نظرها، فهي ترى نفسها سفيرة الشعر الملهم الاستثنائي، المفقود من العالم المحيط بها، لذا ستكون المذهلة التي تشبع الأحاسيس والوجدان من دفء كلماتها وحرارة شعرها الذي لا يقاوم، وتشبه هذه الحالة بالفقر ( الافتقار للشعر الجيد الملهم عند الآخرين..ومن وجهة نظرها، لن يكون هناك شعر ولا شعراء إلا في كينونتها الذاتية لتشبع شغف الآخرين بالشاعر والقصيدة فيصيبهم الذهول ) فتقول في ذلك:
"وأنا نبوءة الشعراء
سَفيرَةُ الفُقَرَاء
وأَنا القصيدةُ
حينَ على جَبَلٍ عَالٍ تَتَجَلَّى
لتُشبِعَ إلى قمحِ الذُهولِ
هذا الجوع"
فتختار لنفسها عشق الذات، إلى حد الهيام، وربما يكون بعضا من الغرور، وأمام هذا التعالي والنرجسية في شعر ريتا نجدها تقحم اسمها في قصائدها، وتدلل نفسها..ريتاي...ريتاك! وتلوذ فارة بعد أن تضع بصمة قوية متحدية للقراء، من سلاسة الكلمات والكم الكبير من المفردات التي بنتها من مخزون ثقافي ولغوي واسع، أضف إلى ذلك أن الصورة الشعرية عندها واضحة المعالم، قلما نجد فيها الرمزية، لذا نجد فيها ألوانا من العشق والمشاعر المتدفقة الصادقة، فهي تتحدى الحبيب أو القارئ أن لا يعشقها، أو يعشق شعرها، لأنها تتقن فنون الشعر، وتعرف كيف تختار التعابير القوية والمفردات الملائمة، فتدلي بذلك قائلة:
"أَتَحَدَّاكَ ألاّ تَعتَنِقَ حُلُمِي
حينَ تعقِدُ قرانَ حُرُوفِكَ
على حُروفي
الثملة مِن نَبيذِ الدُّمُوع "
وهنا نجد الأنا واضحة، وأن يكون يكون شمع معبدها، في المقابل ستصير أغنيته، بعد أن تطلعه وبكل ثقة على معرفتها القوية بمداخل الشعر، لذا هي تتحدى القارئ أن لا يعشق شعرها فقط، بل سيعشق طموحها..وهي للشعر بمثابة فرس جموح:
"لطُمُوحِي لا حُدُود
حَوْلَ جُمُوحِي الشِعْرِيِّ
.. لا سُدُودَ..لا قُيودْ"
نعم، تنطلق بلا قيود، ولا يوقفها أي شيء، فهي لا ترى غيرها شاعرا، واثقه غير متأزمة ولا مهزومة، كما ترى في شعراء آخرين ذلك التأزم والانهزام، ويعلو حب الأنا في القصيدة ويصل درجة عالية من الثقة والاقتدار، حين تنصب ريتا نفسها ملكة مملكتها تذهل الآخرين، لأنهم لن يجدوا في شعرها الأفول، فكم من شاعر تنبأ بشاعريتها، وبعد ذلك أصبحت (حسب اعتقادها) سفيرة الشعراء، لأنها تميزت عنهم واحتلت بتراكيب جملها ومفرداتها قلوب القراء فأصابهم الذهول فقالت:
"وأنا نبوءة الشعراء
سَفِيرَةَ الشعراء
أنــــَا. .مملكتي..مِن ذُهُول
مُفرَدَاتي ... لا يَعتَريهَا أُفُول"
وأضافت في قصيدة أخرى:
"لقـَصَائِدهَا.
لا تـَخـْشـَى بَرْقـًا وَلا رَعْدَا،
فـَقـَصْرُهَا مُؤَسَّسٌ عَلى .. الأَلـَقْ.
يَقـُوُمُ قـُرَّاؤُهَا .. وَيُطـَوِّبُونـَهَا،
النـُّـقـَادُ .. فـَيـَمْدَحُونـَهَا.
وجهت الشاعرة الضربة القاضية لشاعرات أخريات قائلة:
"كـَثيرَاتٌ ..
حَاوَلـْنَ اللـُّغـَةَ
نـَثـْرًا وَشِعْرَا
أَمـَّا أنــَا..
العَارفة ُسِرَّ
رَحِيــِق ِ الزَّهْرَة
فـَفــُـقــْـتهُن
جَمِيعًا"
وتضيف إلى تحدياتها تحد آخر تجبر الآخر باعتناق حلمها، مما يعني الخوض في مبدأ الاندماج والتوحد، ليصبح شريكها في صنع الحلم وتحقيق الكائن الشعري المميز، الذي سيولد من ذلك الانصهار والتداخل الفكري، الكتابي، حين تطلق روح التحدي، وأن ثمنها أغلى من اللآلئ لثقة قرائها بشعرها، فتقول في قصيدة "شاعِرَة ٌ مَاكِرَة ٌ مَنْ يَجدُهَا..؟"
"شاعِرَة ٌ
مَاهِرَة ٌ، مَاكِرَة ٌ
مَنْ يَجدُهَا..؟
ثمَنُهَا يَفـُوُقُ اللآلِئِ
كـُلـَّهَا.
بـِهَا يَثِقُ قلبُ قارئِهَا.
لـَهُ .. لا تصْنـَعُ إلاّ
الدَّهْشَة َوالبَهْجَة."
ريتا ترى في نفسها التميز حتى في علاقاتها مع الحبيب، فهي تأخذ مسارا آخر لتلك العلاقة، لأنها نصبت نفسها سيدة للمفردات، لذا هي لن تتنازل عن ذلك الشموخ والتعالي حين يأتي، فتذكره إذا ما فكر بالقدوم إليها، أن يتريث ويخترع كلمات تليق بها، وعبرت عن ذلك قائلة:
"فی طریقِكَ
.....إلیَّ
لا بُدَّ لكَ أن تخترعَ
..لـُغَهً أُخرَى
تَليقُ ب: سَيِّدَةِالمُفرَدَات
تناولت الشاعرة موضوع الشعر الوجداني، فكان له نصيب الأسد من القصائد، وذكرت في بعض قصائدها الوطن ومعاناة اللجوء والمنفى، ورثت الشاعر محمود درويش، استحضرت فيها مناقبه بلغة شعرية راقية، وكتبت بعض القصائد باللهجة العامية.
وفي قصيدة للعشق أنبياء، استصغرت رجلا دنا من سور عشقها، فأخذت بأنانية واضحة تعنفه، لأنها سيدة النساء، والعشق لا يكون له إلا لفئة محددة من البشر..(كيف يا ريتاي تقهرين العشق في قلب مشاغب تسلل إلى خيالك، فتجاهلت مشاعره تجاهك، وهل يكون العشق عندك فقط لأشخاص حددها قانونك السلطوي؛ لأنك سيدة النساء؟
"العِشقُ يا صَغِيري
لا يعتنقهُ إلاّ الأنقياء
الأتقياء
الأنبياء
وأنتَ جُندِيٌّ
مُشَاغِبٌ
جاءَ يَستَعمِرُ خَيَالَ
سيِّدَةَ النِّسَاء."
مع أن الشاعرة أرادت للنساء أن يكن كما يردن أن يكن، إلا أنها لم تتنازل عن حبها لذاتها، وكم من المرات في قصائدها أشارت إلى اسمها التي تعشقه "ريتاي"
"کُونِی کَمَا تَشَاءُ لَكِ الفَرَاشَاتُ ، کُونِی ریتای، کُونِی حَنِینِی، کُونِی جُنُونِی، إیَّاكِ ألاَّ تكوني"
تعددت بالقصائد الصورة والحركة، وبدت عواطفها متدفقة جياشة، فنجد فيها اللوعة والحزن والشوق والحنين والتمني.
استخدمت الكاتبة مفردات البحر، الجبل، الكرمل، الموج، السفن والقبطان..وغير ذلك، وقد وفقت في ذلك لأن الشاعر والكاتب يستخدم من المفردات ما يوحي لبيئته ومحيطه، ويكون هنا أقرب للواقعية، كذلك أشارت للمفردات الدينية، كالكنيسة والشموع والمعمدان، أضف إلى ذلك وصفها للأشياء المخضبة بالجمال والشاعرية المتدفقة.
أمتعتنا الشاعرة بخيالها السابح في بحر الكلمات، وفيض أحاسيسها وصورها الشاعرية الجميلة، وتشبيهاتها الراقية في التنوع والانتقاء، وقد تمعت المشاعر بالشفافية والجمال.
فهي كاللآلئ الخارجة من محارة بحرية، تطرقت الشاعرة إلى نقطة جوهرية تدور حول المرأة وعشقها وقضاياها، فهي لا تريد أن تكون مهمشة في مجتمع الذكور، وتطرقت إلى الحب الذي تتمناه من قلب رجل تتخيل أن يفصح لها عن مشاعره، مطلقا لأنثاه العنان؛ لتعمل ما تريد دون قيود، مفسحا لها المجال للتعبير والاختيار...وقد عبرت عن ذلك قائلة:
"کُونِی غَجَریَّهً یَنحَنِی الکَرمِلُ لِرُوحِكِ، یَا عُیونِی، کُونِی البَحرَ، کُونِی الرِّیحَ، کُونِی حُلُمَ المَسحُوقِین، کُونِی رَغِیفَ الجَوعَی، دَمعَهَ المُهَمَّشِین"
طغت روح الأنا والفوقية عند الشاعرة..فقد تبين أنها تريد من حبيبها أن لا يشبه أي رجل..تريده مختلفا عن الكائنات...رجل يشبهها، فهي مختلفة في عواطفها، وكلماتها ونظرتها للآخر.. كُنْ رَفـِـيــِـقي، آهٍ كَم أشتَهِي يا صديقي رَجُلاً يُشبِهُنِـي..لا يُشَوِّهُنِـي يُدَلِلُّني …عَلَيـــَّا يَدُلُنـي"
إذن هي تريد من الآخر أن يغمرها بوابل من أنقى الكلام، تريد أن ترى نفسها من خلاله، ولن تحبه إلا إن كان ذاتها التي تعشقها بلا منافس.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل ريتا عودة التي لا تخفى النرجسية في شعرها واصطيادها للكلمات الثمينات، كفل لها صدق المشاعر فكانت حقيقة واضحة أدلت دلوها في حب الذات وعشق الأنا،..فبعثت في شعرها الحياة والجمال؟
أم تخيلها وتصويرها لذاتها الفوقية أظهر الاختلاف والتميز في قصائدها التي صورتها شعرا، ونقلتها أحاسيس، فكانت كما أرادت محلقة كفراشة وسننوة وبحرا وغجرية وعاشقة أبت لنفسها إلا أن تكون؟
وكتب عبدالله دعيس:
تستهل ريتا عودة ديوانها الشعريّ ( مباغتا جاء حبك) لتقول:
لكي تعرفني بعمق
ادخل مرآتي
ثمّ تقود القارئ لقصائدها في رحلة عميقة داخل مرآتها تكشف عن خبايا نفسها، وترسم أنثى تعزف على أوتار العشق في عالمها الخاصّ، المشبع بالعاطفة الجيّاشة، والمتمحور حول حبّ الذات والاعتزاز بها، بنرجسيّة واضحة لا تنكرها الشّاعرة بل تعتزّ بها. فمبتدأ الحبّ عندها ومنتهاه هو حبّ الذات، التي اتّحدت مع الطّبيعة والكون حتّى تجسّدا فيها، وأصبحت إلها تعبد، وأصبح الحبّ أهزوجة صوفيّة تتغنّى بوحدة الوجود، لتكون الشاعرة إحدى أقانيمها، وهي تنتقي كلماتها التي تفوق – برأيها- كل الكلمات، وتخطّ قصائدها التي تخالها تفوق كلّ ما جادت به قريحة العرب على مرّ العصور.
تتناصّ الشّاعرة مع الكتاب المقدّس، لتخطّ أسفارا من حبّ الذات وعشق الأنثى، ولتجعلها إلها آخر يهيمن على أرجاء العالم القابع في أعماقها. ففي قصيدة تسمّيها (سفر التكوين) يتجلّى هذا التّناص وهذه النّظرة، فتقول:
في البدء خلق الشاعر أنثاه
على صورتها خلقها وباركها
وقال لها: ريتاي، إنّي قد وهبتك ،كلّ حروف الابجديّة هديّة، فاكتبي... واملئي الأرض عطرا.
والكاتبة تعتزّ بالأنثى ولا ترى غيرها، وتعتقد أنّها مبتدأ الحياة ومنتهاها، وأنّ الحبّ ينبثق منها ويشع نوره من قلبها، وما الذكر إلا ظلّ تضيء عليه بحبّها، تطوّعه ليكون عاشقا يأتي حبّه مباغتا:
وأنا أبحث عنّي وجدتك
وكذلك غدره يأتي أيضا مباغتا، فهو يأتي كالندى في ساعات الصّباح الجميلة، ثمّ ما يلبث أن يتبخّر وينتهي، وتبقى الأنثى هي الأرض التي تسقط عليها قطرات الندى وتذهب، لتبقى تصطلي بنفحات حرّ الفراق.
كالندى أتى...توّجني فاتنة، ثمّ إليها مضى دون أن ينظر خلفه؛ ليرى قلبا طفق يتلو آيات الصبر ويتلظى عذابا في موقد الجوى
لكنّها لا تتنكّر للمحبّ وهو تراه جزءا من كينونة الأنثى العاشقة، وتوصيها به:
آه سيدتي، أوصيك به، خيرا وشوقا وعشقا، فهو رسول الشعرالمتدفق سحابا وعطرا
والحياة في نظرها لا تكتمل بدون الحبّ، أتيت لتكتمل بنا الحياة كاكتمال الكحل في عيني حسناء، كاكتمال القمر في حضن السماء.
لكن، هل انشغلت الشاعرة بالاعتزاز بقصائدها وكلماتها، عن بثّ أفكار جادّة ورسم صور جميلة؟ رغم أن قصائدها تصبّ في اتجاه واحد إلا أنها لا تخلو من جمال النظم والموسيقى، وبعض الصور البسيطة المبثوثة هنا وهناك، في ومضات سريعة، والتي تأخذ المتلقّى إلى عالم آخر، متوحّد مع الطبيعة، موغل في أعماق النّفس البشريّة. فهي تستوحي صورها من الطّبيعة الجميلة، فنرى البحر والنهر والأشجار والفراشات والسنونو، ونعيش في كنف طبيعة تفوح بالعطر والجمال، لنلمس الحبّ بأطراف قلوبنا ونحن نعشق الجمال في الكون الذي هو الأنثى في نظرها.
فلنتأمل قصيدة أنثى الحنين
أمهلني إلى أن يكتمل القمر، فآتيك يمامة تتوق أن تلتقط القمح عن حنان يديك؛ لتصنع لك أرغفة من العشق المقدّس، أمهلني إلى أن يهدأ البحر، فتأتيك يمامة تشتاق
أن تضع رأسها على صدرك؛ لتقتلع أشواكها وفي لحظة وله تحيلها إلى أنثى الحنين.
أمهلني إلى أن أتمرّد على ظلام الشرنقة، وأنطلق فراشة حرة
من كل قيد وذكرى، أمهلني إلى أن يشتد جناحيّ، فأنطلق سنونوةثائرة على الظلال،
أرحل خلف الأسلاك الشائكة، وشتى الجبال الشاهقة؛ لأبحث لك عن عنوان، أمهلني
إلى أن أتشكّل في خيالك قصيدة، فتعشقني عشق الفراشات للزهر، وأعشقك عشق الخيول لرجال الغجر.
ففي هذه القصيدة، كغيرها من قصائد الديوان، نجد الطبيعة حاضرة بقوّة، تستقي الشاعرة صورها منها، ونرى فيها الأنثى المنطلقة المتحرّرة من القيود، زهرة جميلة تحطّ عليها فراشات الحبّ الجميلة ثمّ تنطلق دون قيود في رحاب الكون الحرّ الفسيح.
وكتبت هدى خوجا:
العنوان مناسب للمحتوى وفيه موسيقى رنّانة، تجذب القارئ ليبحث بين أبيات الشّعر.
صورة الغلاف كلاسيكية وتتناسب مع محتوى القصائد، همس في أذن عاشقة.
وتتمازج مع "يدي في يديك
كعصفور دوريّ في عشّ...
يرنو إلى إغراءات الأفق"
احتوت على خمس وسبعين قصيدة، بدأت بقصيدة مدخل وانتهت بقصيدة إقرار.
في قصيدة ما قبل التكوين:
" أ ب ع ث ر أوراقي ، وأستل ما أشاء من جراحي لأعمد الذاكرة بحنان حضورك
المقدّس"ص7
جاءت كلمة أبعثر مفككة الحروف دلالة على الكم الهائل من الأوراق، وعمق الجراح والولوج إلى النّسيان ما حطّ بالذّاكرة.
ورد ذكر الأنثى بعدّة صفات والشّاعر والشّاعرة والمرأة امرأة فاضلة، والرّجل وفارس من زمن الحب .
ص8 " في البدء خلق الشّاعر أنثاه"
الشّاعر نرجسيّ وشاعرة استثنائية."شاعرة ماهرة ،ماكرة"ص13
حيث تنسج القصائد من حرير الحلم والليل.
وتعشق كالغجرية بلهيب الجمر تكتوي." وأكون لك غجريّة
تعرف كيف
تشبع جوعك"ص33
لحظة...
أتأكد أنك للغجرية خلخالها
وتشبه قلب محبها كحبّة كستناء، التي يجب تجاوز قشرتها للوصول إلى نقاء القلب وحلاوته.
أنثى القصيدة أنثى تداعب النّجوم ،وتراقص الحروف والفواصل ص9 وأنثى الحنين.
وردت عدّة تشبيهات مثال:"سمكة أنا والكتابة بحري إن لفظتني أنتهي"ص11
ويلاحظ تكرارمفردة أنثر أنثرها النثر في عدة صفحات منها ص12
" فوق سجادة الدّهشة
أ ن ث ر ه ا"
"أنثر القمح على رؤوس الجبال" ص79
كأمواج البحر نثرتني" ص60
ويتناثر الحب كقطرات مياه الشلال في أفق القلب الكستنائي.
ولكن تمّ استخدام بعض المصطلحات الأعجمية والعاميّة مثال: "ماستر كي" ألم يكن الأجدر استخدام مصطلح مفتاح قلبه.
كيفية جماله؟
"جميل أنت كما الزّيت في الزّعتر كسهول بلادي"ص25
ونتساءل لماذا تسكفي الشّاعرة بالقليل، قليل من الحب وقليل من الحنين والصبر؟أهي القناعة؛ أم البساطة أم العشق أم الحنين؟
وتارة يكون حبّها حبّ الهال في القهوة.
وسوف تحتفل الطّيور والأزهار وكل أبناء الغجر بذك الحبّ
وأنثى الحنين التي تعشق كعشق رجال الغجر لخيولهم.
ما هو القلب الّذي تحتاج إليه؟
"أحتاج إلى قلب يسرقني ... يشغلني... يشعلني"ص47
وسيّد الرجال المختلف. ولكن تهشمت المرايا في النهاية والمجهول.
وبدا كأشباه الرجال بسوداوية ورماد
وتارة تعترض على كونها أنثى؛ وتارة أخرى تعترض على الموقف من الأنثى.
"غبية هي الأنثى التي تجعل الرّجل مالك كل مساحات الحلم"ص62
وتبقى خيوط عنكبوت الفراق والقدر الا يكونا معا.؟
وهنالك تناص ص119"فقلبك صراطي المستقيم"
والعودة غرباء غرباء ومباغتا يجيء الغدر، حيث تتمرد وتنطلق امرأة ثائرة؛ وتنطلق فراشة حرّة في الرّحيل الصّغير.
وقالت ديانا أبو عيّاش:
حين يصوغ الشاعر قصيدته تكون مشاعره في قمة الفرح أو قمة الحزن، وما بينهما ليس من مكان إلا ليتناول فنجان قهوة أو ربما كأس نبيذ معتق، وشاعرتنا ريتا تعرف كيف تتلاعب بالكلمات، وتنتقي المناسبة منها لتتراقص بين شفتي ألحانها، وترقى بها، وتحتضنها وتدللها بحنان كما الطفل الرضيع بين يدي أمه.
قال لي أحد الشعراء ذات مرة:
ان الشعر يا عزيزتي شعور ومشاعر، وليس كما اعتاد الكثير أن يسموه وزنا وقافية. وأنا قد آمنت بهذه المقولة، نعم هو باختصار الكلام الذي يخرج من القلب ليصب في القلب دونما حاجة للبحث في قاموس اللغة عن كلمة هنا وكلمة هناك.
لا أنكر الجمالية المتفردة للشعر الموزون، ولا أجرؤ أن أتمادى على الشعر الموزون، لكن حين يأتي شاعر او أديب ويقرر أن ينقل لنا تجربته بطريقة معينة يجب أن ننظر في ما جاء به ليس على اساس النقد فقط، بل على أساس الفكرة نفسها، هل استطاع أن يوصلها بنجاح إلى أذن المتلقي وعقله أم لا؟
أما شاعرتنا فلديها القدرة على التكثيف في التصوير الشعري، جذب المشاعر من خلال المواقف التي تختارها بدقة، والعناوين التي تدل على مضامين القصائد، الجرأة في الطرح، والقدرة على جذب الانتباه حين تذكر اسمها في بعض قصائدها لتقول:
أنها ترسم الحروف لتعبر عما يختلج بداخلها من مشاعر كأنثى تمثل بنات جنسها.... إلخ، هكذا هم الشعراء والأدباء، يمثلون أنفسهم أولا، ويمثلون الآخرين الذين لا تحتلهم ملكة الشعر والكتابة ثانيا.
هذا وتبرع شاعرتنا في التضمين والاقتباس من الكتب الدينية كالقرآن الكريم أو الكتاب المقدس، كعادتها في دواوينها الاأرى كقولها هنا:
أنثی، تَداِعُب الُّنُجوَم، أَنا... ُتَراِقص الحُرو َف والَفَواِصل، فَتحَبل اللَغُة َوَتِلد قصاِئد
قصاِئد تجَعُل فی الَّسماء سَلاما، وَعَلی الأرض مسرّة.
ومن الصور الشعرية التي استوقفتني أيضا ص24 قولها:
َوالَغريُب ِفي الأَمر أَّني حين َعِشْقُتَك !ِ أحبي... حَّتى أَعدائي
وفي ص 69: وَعدَتني بالَبرْق َوَقبَل الرّعِد... َرَحلَت...! هذه صورة موجعة فالزمان على أهميته هنا هو معدوم تقريبا، أصلا المسبب للبرق هو الرعد حين تلتقي غيمتان ممتلئتان بقطرات المطر، فيحدث التصادم الذي يؤدي إلى شرارة كهربائية تنشأ عنها ما يشبه غضب الآلهة، ففي هذا الوقت غير المحسوب تقريبا وعدها بالاخلاص، وفي ذات الوقت هجرها، فبكت لأنه لم يقدر هذه الجوهرة التي تمتلكها روحها حق قدرها.
وهنا وددت ان أقول لها :
يا ريتا، زمن الاخلاص قد ولّى ،ما عاد هناك عنتر ،ولا عبلة، ولا قيس بن الملوح
ولا ليلى، يا ريتا الحب بيت من الجنون، تسكنه القلوب المعذّبة ، والشعراء المتهالكون. يا ريتا لم يعد هناك صدق في المشاعر إلا ما ندر،نحن لا ننسى ، ليس لأننا لا نريد وحسب، لكن لأن الأطلال تذكرنا بالوجع وأيّ وجع؟
صورة أخرى ص84:
سّلمُتَك مفتاَح قلبي... فلماذا... آثرَت أن تصير وعاء للفاكهة؟
هذا وقد اختصرت الرجل الحلم الذي أحبته بصدق وأحبها، بقولها:
يقُف الحاسدون على باب حلِمنا.
***
حبيبي... بعض من المطِر، قد يروي حقولا وحقولا
كيَف وقد أتيتني مطًرا لكِّل الُفصول؟
أمّا جميل السلحوت فقد قال:
ريتا عودة، شاعرة، قاصّة وروائيّة مبدعة، من مواليد مدينة النّاصرة، صدر لها حتّى الآن ستّة دواوين شعريّة ومجموعة قصصيّة. ولديها رواية تنتظر الطّباعة.
وأديبتنا الشّاعرة تكتب قصيدة النّثر التي تعجّ بالموسيقى والإيقاع، لغتها فصيحة بليغة غنائيّة انسيابيّة تدهش المتلقي، وواضح أنّها تمتلك مخزونا لغويّا وثقافيّا لافتا، ينعكس ذلك على صياغتها للجملة الشّعريّة التي تجذب القارئ إليها ليتمتّع بجماليّاتها.
ومّما يميّز كتابات ريتا عودة سواء كانت شعرا أم نثرا، أنّها أنثويّة بامتياز، ولا غرابة في ذلك، فشاعرتنا امرأة واقعيّة، تعيش الواقع وتعرف معاناة المرأة في مجتمعاتنا الذّكوريّة، فتعبّر عن ذلك بعفويّة صادرة من أعماق القلب والعقل، وهي ترى في الرّجل النّصف الثّاني الذي تكتمل به المرأة، ومن المفترض أن يرى الرّجل في المرأة أنّها هي الأخرى نصفه الذي يكتمل به.
ويلاحظ أنّ الشّاعرة تلتقط لحظات واقعيّة من الحياة الاجتماعيّة فتصوغها شعرا بطريقتها، ففي إحدى قصائدها التي وردت في ديوان سابق التقطت مقولة الرّجال:" أنت طالق بالثّلاث" فاستبدلتها بمقولة "أحبّك بالثّلاث" وهذا دليل على وفاء المرأة للرّجل الذي تخاطبه بقولها"مباغتا جاء حبّك":
"مباغتا جاء حبّك، لم يتزامن مع الرّعد برقك، لم تتنبّأ أرصادي العشقيّة بك"ص110
وماذا كانت النتيجة؟
"فرحت أهيم في بساتين العشق ليل نهار ملء اختياري، ملء انبهاري"ص111.
ومثلما جاء حبّه مباغتا، فإنّ غدره جاء مباغتا أيضا
" توّجني فاتنة ثمّ إليها مضى دون أن ينظر خلفه؛ ليرى قلبا طفق يتلو آيات الصّبر
ويتخطى عذابا في موقد الجوى"ص95
والشّاعرة ترى أنّها تجد انسانيّتها في الكتابة، لذا فهي تقول:
"سمكة أنا والكتابة بحري إن لفظتني أنتهي" ص11
وتجيب على تساؤل حول دوافعها للكتابة، فهي لا تكتب عبثا، وإنّما لها مشروعها الثّقافي:
"أكتب لأحرّك المشاعر الرّاكدة"ص11
القارئ لديوان ريتا عودة هذا وغيره أيضا، سيجد متعة نفسيّة، ورسالة ثقافيّة، لكنّه يقع في مصيدة الأدب التي جعلتني أحتار من أين أبدأ؟ وأين سأنتهي؟ وعمّ سأكتب أو لا أكتب؟ وبالتّالي لا غنى عن قراءة الدّيوان من الغلاف إلى الغلاف.وتخلل الأمسية أغان قدّمتها الفنانة هويدة نمر زعاترة، كما ألقت الشّاعرة ريتا عودة عددا من قصائدها.
وشارك في النقاش عدد من الحضور منهم، محمد عمر يوسف القراعين، نسب أديب حسين، عبد الشويكي، رائدة أبو الصوي، خضر أبو ماضي.