يعيش المواطن والإعلامي على حد سواء عصر السموات المفتوحة، وباتت السيطرة على حركة الاتصال وتناقل المعلومات والبيانات مسألة متاحة للجميع، بشكل تصعب فيه2 السيطرة والتحكم على القائم بالاتصال وفق ما وفرته تكنولوجيا الاتصال في عالم التكنولوجيا الحديث. ومع تسارع التطورات في بيئة الاتصال الشخصية والمهنية، أصبحت فرص وجود ضوابط قانونية تحكم مسألة العمل في ظل هذه البئية الجديدة مدعاة للاستهزاء؛ كون ذلك يتعارض مع المنطق الذي تعمل من خلاله وسائل الاتصال الحديثة.
قانون رقم(16) لسنة 2017 بشأن الجرائم الإلكترونية المنشور في الجريدة الرسمية، اشتمل على 61 مادة، وتناول مجموعة من القضايا التى تتعلق بالبيئة الإعلامية والعمل الصحفي، أولاً: قضايا تتعلق بالخصوصية على الشبكات الإلكترونية ومسألة توافرها، ثانياً: قضية التزوير، ثالثاً: قضية التهديد والابتزاز، رابعاً: قضية الآداب العامة، خامساً: قضية الاتجار بالبشر، سادساً: قضية غسل الأموال، سابعاً: قضية العمل الإخباري والإعلامي، ثامناً: قضية حرمة الحياة الخاصة، تاسعاً: قضية التمييز العنصري، عاشراً: قضية الجرائم ضد الإنسانية.
القانون الذي جاء بالبناء على قانون العقوبات رقم(74) لسنة 1936 المعمول به في قطاع غزة، وقانون العقوبات(16) لسنة 1960 المعمول به في الضفة الغربية؛ انضم إلى سلسلة القرارات بقانون التى اتخذها الرئيس عباس في ظل الانقسام الداخلي والتى بلغت حتى اللحظة (144) قراراً بقانون.
ينظم القانون الجهات التى ستصبح خاضعة له، وتتحدد في: الفلسطيني حال ارتكب الجريمة، أو إن تعرضت المصالح الفلسطينية للجريمة، أو على الأجنبي المقيم أو الموجود في فلسطين. ويقوم على تنفيذ هذا القانون وحدة متخصصة في الجرائم الإلكترونية في الأجهزة الشرطية وتتمتع بصفة الضابطة القضائية.
إن المتابع لهذا القانون يصل لمجموعة من الخلاصات تجاهه، يمكن وضعها في إطارين: الأول سلبي، والآخر إيجابي غير أن هذا القانون بمجمله يمثل اعتداء على الحرية الصحفية والعمل الإعلامي وبالتحديد في المواد(20،32،33،34،35،41،18). وتتلخص المواد الإيجابية في القانون كونها تأتي في إطار تنظيم ظاهرة الجريمة الإلكترونية وما لحق بها من قضايا تتعلق بالملكية الفكرية وجرائم الأموال.
تقول المادة(18) إن ارتكاب جريمة تمويل الإرهاب ستعرض مرتكبها للحبس بالأشغال الشاقة المؤقتة وكذلك العقوبة بالغرامة، وهذا يعني أن تهمة تمويل الإرهاب في ظل واقع الانقسام الداخلي ستصبح عنواناً للملاحقة السياسية مع احتدام الصراع الحزبي والفصائلي. كما تنص المادة(20) على أن إنشاء موقع إلكتروني أو إدارته بقصد نشر الأخبار أو الترويج للأخبار سيصبح خاضعاً للمساءلة القانونية وبالتالي التلويح بالعقوبة سواء بالحبس أو الغرامة أو بالعقوبتين كلتيهما، وهذا يعني أن كل ما ينشر ويتعارض مع النظام السياسي سيصبح ملاحقاً، وهي معضلة ستؤدي الى ملاحقة الصحفيين في ظل حالة الفوضى الإخبارية بفعل الانقسام.
مشاهد اعتقال الصحفيين بالضفة المحتلة تحت مظلة هذه المادة الخلافية في القانون، يعني أننا سنصبح أمام المزيد من هذه المشاهد تحت رسم القانون المناهض لحرية الرأي والتعبير، وهذا يتنافى مع أبسط الحقوق الصحفية للإعلامي. هذه المادة تحديدأ تعود بالبيئة الصحفية الى ستينات القرن الماضي وتتناسى أن الواقع الإلكتروني وفضاء تبادل المعلومات يُمكّن القائم بالاتصال من تجاوز المسألة الفنية من الملاحقة والعمل بشكل سري وبعيدأ عن ملاحقة شرطة الجرائم الإلكترونية.
أما المادة(33) والتى تسمح للنيابة العامة بتفتيش الأشخاص والأماكن ووسائل تكنولوجيا المعلومات ذات الصلة بالجريمة، فهذا يعني أننا سنكون في غابة القانون التى ستلاحق الجميع وتعرضهم للتفتيش والتغول دون داعٍ، وبالتالي سيتعرض مفهوم الخصوصية سواء للصحفي أو المواطن إلى ضربة قاصمة وستجعل من ملاحقة اتصالاته وكتاباته مسألة مباحة من قبل السلطات التنفيذية بأدوات قضائية. كذلك تسمح هذه المادة للنيابة العامة بالاستعانة بمختصين بمجال تكنولوجيا المعلومات من أجل الوصول إلى بيانات ومعلومات، وهذا يعني اطلاع أطراف غير ذات صفة قانونية على تفاصيل خاصة وهو ما يتنافى مع كل أعراف العمل الصحفي والإعلامي وحتى الإنساني.
في حين تتيح المادة(34) مصادرة الأجهزة والأدوات والوسائل والبيانات والمعلومات الإلكترونية وحتى بيانات المرور، وهذا سيوفر للسلطة التنفيذية مساحات تغول أكبر على الصحفي وتحت مبررات الاشتباه بجريمة إلكترونية، وفي أقل الأحوال تتحدث المادة عن حق الجهات التنفيذية في الحصول على نسخ من البيانات الإلكترونية.
ومن المواد المثيرة للجدل أيضاً، المادة(35) والتى تتحدث صراحة على السماح للنيابة العامة باستصدار أذونات لمراقبة الاتصالات والمحاثات الإلكترونية وتسجيلها والتعامل معها، ويأتي هذا ضمن البحث عن دليل يدين الشخص المعرض لهذا الانتهاك الصارخ لحرياته الشخصية. ويبلغ الاعتداء ذروته بالسماح لمزودي الخدمة بمراقبة المشتركين فيها!
لا يمكن إغفال العديد من القضايا الإيجابية التى نص عليها القانون والتى نحن بأمس الحاجة اليها في ظل ارتفاع معدلات الجريمة الإلكترونية، لكن مسألة ضبط القانون وفق مفاهيم حرية العمل الصحفي المتطور والمتماشي مع تقنيات الاتصال الحديثة يستدعي وقفة مسئولة أمام المواد التى تتنكر لحقوق الصحفي في حرية التعبير والاتصال.
من العيب أن نصل في الربع الأول من القرن الواحد والعشرين إلى قانون يتنافى مع مبدأ "أسرار المهنة" كون أن أبسط حقوق الصحفي تكمن في حقه بالحفاظ على سرية مصادره، وعلى من يهمه أمر هذا الوسط الصحفي أن يتداعى لموقف موحد من الضفة الغربية وقطاع غزة لسحب هذا التغول والحفاظ على الحق في العمل بحرية وبعيداً عن سيف السلطات الموجه لأصحاب الكلمة والرأي.