القيادة الفلسطينية ما بعد النكبة والثورة الفلسطينية :
ربما لا افتري على التاريخ ان قلت ان حالة النضوج الوطني وثقافته بوجود الاحزاب كافة ما قبل 67م كانت في اوجها وحالة القلقلة التي بدأت في قطاع غزة واطروحات مختلفة قومية وبعثية واخوانية تتناول قضية التحرير ببعدها القومي بالوحدة العربية اولا ام بالتحرير اولا ومن ثم الوحدة وكانت حركة الاخوان المسلمين بمنظريها تدعو لمحاربة الاحزاب العلمانية اولا قبل الشروع في عملية التحرير مما دفعها بالصدام مع الزعيم عبد الناصر اما قوى اليسار كالحزب الشيوعي فكانت اطروحاته مختلفة عن مجمل الاحزاب ببعد ماركسي لينيني .
تلك التفاعلات البينية والتي انتجت دوافع عربية وبالتحديد دوافع مصرية بقيادة عبد الناصر لطرح فكرة منظمة التحرير في عام 63 واقرت كممثل للفلسطينيين بقرار من الجامعة العربية في عام 64م برئيسها احمد الشقيري ، لميكن احمد الشقيري بيروقراطيا بل ثائرا برغم تقلده عدة مناصب ومواقع في النظام العربي الرسمي ومؤسساته بل كان على قدر كبير من الوعي والادراك كقائد يميل للحالة الشعبية والجماهيرية فأحببته الجماهير الفلسطينية وانبثاق جيش تحرير فلسطيني لأول مرة في تاريخ الشعب الفلسطيني ...وهنا لسنا بصدد تشريح شخصية الشقيري كقائد وطني .
الارهاصات الحزبية دفعت وفي نفس المسار والسياق لتحرك النخبة المثقفة من كل الاحزاب متوافقة مع انتصارات تحققها الثورات العالمية ولتشكل اول خلية لحركة التحرر الفلسطيني " فتح" من نخب اجتمعت وتوافقت واتفقت على ان تفجر ثورة مجمدة الصراع الحزبي والاختلافات الايديولوجية فيما بينها لتتحد على الكفاح المسلح وأدبيته كوسيلة لتحرير فلسطين وتصفية النظرية الصهيونية على الارض الفلسطينية واقامة الدولة الديموقراطية .
هذا الرعيل من النخب كان ذو قدر عظيم من استيعاب المرحلة وازماتها وما هو مهم لقرار الثورة واستراتيجيتها في واقع عربي تائه في الشعارات والتخلف الثقافي والقومي والذي وقف موقف عدائيا مع عبد الناصر ودعوته للوحدة العربية كطريق لتحرير فلسطين .
الرعيل من الصف الاول ومن النخب الفلسطينية الذي فجر الثورة ومن ثم اخذ مقعده في رئاسة منظمة التحرير ولمرحلة جديدة تقودها تلك النخبة في قيادة المنظمة والفصائل وفي مؤتمر القمة السابع في مدينة فاس المغربية عام 1974م تم الاعتراف بمنظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
بلا شك ان من قادوا الثورة من الرعيل الاول كانت قامات وطنية كبرى ولكن لم تكتمل معاني الثورة في بعدها الثقافي الموحد والجغرافي بل كانت تحكم تلك الفصائل الاختلافات الايديولوجية والجغرافية والمناطقية والعشائرية ايضا اما في داخل تلك الفصائل وبنيتها فقد دبت الصراعات والتوازنات الداخلية التي حافظت على وحدتها بالمنظور الشكلي ولكن ما تحتها من اطر كانت الصراعات الجهوية والمحسوبية والعشائرية والجغرافية تعمل بشكل متنامي يصعب مع وجودها انتصار أي ثورة او ان تحقق جزء من اهدافها ، وبالتالي تلك القيادة لم تصمد كثيرا على ثوابت الثورة واثرت نوعية القيادة وثقافتها على دروب ومسالك منظمة التحرير وسياسة الفصيل بحد ذاته .
كانت النقاط العشر هي القنبلة التي ذبحت منظمة التحرير منذ البدء فخرج اليسار منها ليعود ثانية مع القبول بالأمر الواقع في المسارات السياسية والتنظيمية التي كانت تتجه للاعتراف بإسرائيل والقبول بدولة في غزة والضفة .
شهدت قيادات فصائل الثورة الفلسطينية عمليات اغتيالات ممنهجة لافساح المجال للخلاص من النخب المؤسسة وتسلم قيادات الصف الثاني والثالث وكانت تلك من اخطر الظواهر المدمرة للثورة وفكرها ، ومن هنا اختلت المعادلات الداخلية في الفصيل الواحد ، فلم تكن الديموقراطية الانتخابية في المؤتمرات مبنية على الكفاءة والابداع بقدر ما كانت تتحكم فيها الولاءات والمناطقية والجغرافيا والعشائرية من هو يمتلك عشيرة كبيرة او قبيله فهو قائد ، ومن هنا ظهرت بذور الانقسام الجغرافي ومن خلال عمليات ممنهجة لتصعيد قيادات ليست ذو شأن ثقافي او ابداعي بل كان المال والمنطق الجغرافي والولاء الشخصي يلعب دورا مهما في ذلك ، او مزاجية الشخص الذي يقول وان قال لفلان ان يكون قائد "" كن فيكون ""
من هنا تهتكت الاطر والمؤسسات والتي مهدت لانحرافات سلوكية وسياسية هاجمت كل فصائل العمل الوطني بلا استثناء الى ان وصلنا لاننقسام الجغرافي بذرائع مختلفة ولكن حقيقة كان الانقسام واضحا وظاهرا في السلوكيات في داخل الفصيل وبالتحديد والاكثر وضوحا بعد الخروج من بيروت .
كان لمؤسسة وفصائل تنعدم فيها الكفاءات لتتبوء مسؤوليات الصف الاول على نطاق منظمة التحرير او الفصيل بحد ذاته ان تقود شعب من اعظم الشعوب ارادة وقوة وفعل وبالتالي اهدرت الكفاءات وحوصرت وابعدت بمنطق الجهلة المتعفن والمتمترس في الكرسي تحت مقولة كل من يمتلك كرسي في اطار هو القائد الجاهل الاعظم .
هكذا كان ايام الرعيل الاول الذي قال فيه الزعيم عبد الناصر "" ان الثورة الفلسطينية وجدت لتبقى "" واضاف ابو عمار "" لتنتصر "" اضاعوا هذا الشعار واضاعوا الثورة فلم تنتصر الثورة ولم تبقى على الاقل في عصر تلك القيادات الجاهلة التي لا تمتلك الا نرجسيتها الذاتية ، فكل كفاءة او ابداع او فهم يسبب لهم الرعب .... ولم يعد الاحتلال هو قضيتهم الرئيسية بل الثانوية امام احتكاراتهم لمواقعهم واعتقالهم لإرادة الشعب بثوب اسمه الفصائل والتاريخ للتجربة .
ومن هنا استطيع القول ان للقيادات اتت نتيجة معادلات فصائلية في داخلها وليست بالضرورة ان تنتج قيادات ذات كفاءة ووعي وثقافة ولذلك صفة الكفاءة ليست صفة سائدة بل متنحية في الواقع الفلسطيني .