الأردن يتألق في عيون الفنانين

الأردن يتألق في عيون الفنانين
حجم الخط

كيف يرى الفنانون الأردن؟ هو السؤال الذي خطر في داخلي حين وصلتني الدعوة لحضور المعرض التشكيلي تحت عنوان: "الأردن في عيوننا" من الإخوة البدور عمر وهناء وخالد البدور، فكان هذا حافز ومشجع لي لأرى كيف يكون الأردن في عيون الفنانين، وأنا الذي جال الأردن من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه حاملا قلمي وعدستي لتوثيق بوح الأمكنه فيه.

خمسة وأربعين فنانا حملوا إبداعاتهم ما بين لوحة وعمل فني منحوت إلى المركز الثقافي الملكي في العاصمة الاردنية عمَّان، فنانون تراوحوا بالتجربة ما بين الاحتراف والهواية، ما بين مسيرة طويلة من الإبداع وما بين مسيرة ما زالت في البداية، وهذا بعض من أهداف جمعية المرسم الجوال، فهي تضع على رأس أهدافها مشاركة أجيال من الفنانين معا، فتتمازج التجربة وتنصهر تحت هدف واحد، فيستفيد الجميع من التجربة الفنية الجوالة التي لا تتوقف عن التجوال في كل الأمكنة التي يمكنها الوصول إليها، وكما قال الفنان خالد البدور: "هذا هو مشروعنا الثاني الأردن في عيوننا، بعد أن تكلل مشروعنا الأول فلسطين حكاية ولون بالنجاح ولا زال يجوب العالم حاملا قضية سامية، لا نظنه سيتوقف إن شاء الله، وها نحن الآن أمام تحد كبير نأمل أن تتظافر كل الجهود للنهوض معنا في هذا العرس الوطني الكبير "الأردن في عيوننا"

وفي جولتي بين هذه اللوحات رأيت كيف يرى الفنانون الأردن كل من خلال لوحة أو أكثر من لوحة، فعبروا عن رؤيتهم للأردن الجميل كل حسب رؤياه فوجدت بعضهم يجول في التراث حيث عبروا عن رؤيتهم من خلال ارتباطهم بالتراث والذاكرة فكانت ثلاثة عشر لوحة حلقت في التراث، فجالت في مناحي مختلفة منه إمتدت من سباق الخيل والاعتزاز به، مرورا بلوحات رسمت صناعة المنتوجات التراثية من القش باليد، ولوحة أشارت للحصاد وغيرها لرعي الأغنام ودلال القهوة العربية، ولنشل الماء بالمضخة من الآبار وغيرها من المشاهد التراثية، ولوحة للفنانة الشابة في العشرين من العمر راما الفرخ، صورت صناعة خبز الصاج على النار وبجوارها دلال القهوة من امرأة ترتدي اللباس التقليدي في بيت شعر في الصحراء، وأعتقد أن هذه الشابة سيكون لها مستقبل جيد إن واصلت مسيرتها، وشارك بهذه المجموعة عدد من الفنانين منهم على سبيل المثال وليس الحصر الفنان المتميز رائد القطناني، وكذلك الفنانون الرائعون عصام الدويري، الفنان عبد الهادي جبرين، الفنان نياز المشني، إسلام عمرية، رائد عواد، عبد السلام الريماوي، نوال عبد الرحيم، نوال خليل.

  بينما مجموعة أخرى ارتبطت الرؤية لديها بلوحات الآثار التي يزخر بها الأردن، ويلاحظ أنه من ضمن ستة عشر لوحة حظيت البتراء بإهتمام خاص في ستة لوحات تألق بها الفنانون ولفت نظري تميز الفنان عمر العطيات بممازجة الواقعية بالسريالية في لوحته، والفنانة سوزان جمعة التي جعلت البتراء برمزية نقاب يغطي وجه بدوية حسناء، وباقي اللوحات كانت جميلة وواقعية للفنانين وصال زيدان ونهله آسيا وعصمت العمد ورائد عواد، بينما أخذت لوحات أخرى آثار أخرى في الاردن تراوحت بين أم قيس وجرش وعجلون وجبل القلعة وغيرها، وأبدع فيها عدة فنانين منهم الفنان خالد البدور، رنا كلبونه، حسين القيسي، محمود العبويني، خالد المعازي، نضال أبو زينة، والفنانة لميس أبو خليل، بينما تميز الفنان محمد الدغليس بلوحتين لصخور بشكل تجريدي أقرب لصخور البتراء، لكن اللوحتين تميزتا بالجمال والرمزية والإبداع.

   الأبنية التراثية شاركت بعيون الفنانين من خلال ستة لوحات تألق بها الفنانون: حسين نشوان، محمد تركي، وقد تميزت لوحاتهم بتجريد الأمكنة، والفنانون نضال أبو زينة، جهاد الحايك، حسين القيسي، وتراوحت بين الواقعية والإنطباعية.

الطبيعة كان لها اهتمام خاص وكبير، فتراوحت ثلاثة عشر لوحة بين الطبيعة بجمالها كما في لوحات الفنانون عماد مدانات، عبد الهادي جبرين، نياز المشني، جهاد الحايك، محمد القدومي، هناء البدور، عالمة العبدلات، عمر البدور، إياد حداد، عبد الله عبيدات، وما بين جمال الصحراء للفنان عصمت العمد، وصخبها وجنونها بعواصفها الرملية للفنان عصام الدويري.

اللوحات التعبيرية الرمزية كان لها مساحة تحليق جميلة في فضاء المعرض، سواء من خلال الرمزيات، فكانت لوحات للفنانين محمد خضير، ضياء مصلح، عمر البدور الذي مازجت لوحته صورة أحد شهداء الجيش الأردني في فلسطين مع المكان، أو من خلال رمزية الوجوه والأجساد والتي مازجت الرمزية بالواقعية كما لوحات الفنانون: أحمد الخطيب، خالد البدور، لميس أبو خليل، إبراهيم العرود، ليلى محمد، وصال زيدان، رانيا العامودي، محمود العبويني ورمزت لوحته للتلاحم بين الشعب العربي الواحد في الأردن وفلسطين، كما كانت هناك مشاركات للفنانين مروان العلان وذيب محارمه.

المنحوتات والأعمال الفنية شاركت بفعالية ولفتت نظر الحضور الكثيف، فكان الإبداع من خلال الفنانون ماهر العتقي، هاشم أسندر، إبراهيم الديات، نضال أبو زينة، أحمد صبيح، وهي أعمال بغالبيتها متميزة وتدل على قدرات فنية عالية ومتقدمة.

   وهكذا كان الأردن في عيون الفنانين من خلال معرض مثل تجربة جميلة وخاصة في التخصيص لطبيعة المشاركات، وتجربة نقف باحترام لها أمام المرسم الجوال، وجهود متميزة للقائمين على المعرض وهم من قلب الفن التشكيلي، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل الأردن فقط ما رآه المشاركون في أعمالهم ولوحاتهم، أم ان هناك فنانون لم يشاركوا بهذا المعرض لهم رؤية أخرى؟ وأنا شخصيا أجزم أن الأردن به من الجماليات والسحر ما لم تتحدث عنه اللوحات المشاركة، فلست بالفنان ولكني جلت الأردن تقريبا من كل نواحيه وجنباته، ورأيت من الجمال ما يستحق أن يخلد في لوحات الفنانين، وإن التمست العذر أن المساحة بالمعرض محدودة، وعدد المشاركين كبير، فربما لم يتاح لإبداعات أخرى رأت الأردن بشكل آخر وجمال آخر أن تشارك.