لم يفكك الجيش الإسرائيلي موقع "ناحال عوز" العسكري بهدف شن حرب عدوانية ضد غزة، كما يظن البضع، فالجيش الذي يقيم جداراً اسمنتياً إلكترونياً يفصله عن قطاع غزة بتكلفة 4 مليارات شيكل، هو يجيش يدير ظهره لغزة، وينتقل باستراتيجيته العسكرية من الحرب المباغتة التي عرف بها عبر تاريخه، إلى الحرب الدفاعية التي لم تكن ضمن مخططاته في يوم من الأيام.
الجيش الإسرائيلي لم يعلن عن تفكيك الموقع العسكري الخطير بهدف إزالة آثار الهزيمة التي لحقت بجنوده الذين استسلموا لكتائب القسام في الحرب الأخيرة على غزة، وإنما أدرك قادة الجيش الإسرائيلي أن الجنود يفرون من الخدمة في هذا المكان، ويقيمون داخل الموقع وهم في رعب، ويتوقعون في كل لحظة أن يخرج عليهم المقاومون، ويدوسون على أعناقهم بالأحذية كما ظهر في لقطة الفيديو التي وثقتها كتائب القسام من الموقع، تلك اللقطة التي كان يجب أن تكون لازمة الإعلام العربي، ومجال الافتخار بالمقاوم العربي الفلسطيني الذي يدوس بحذائه على رأس الجندي الإسرائيلي الذي باع الوهم على الجيوش العربية لعشرات السنين.
قد يكون تفكيك الموقع العسكري "ناحال عوز" جزاءً من توصيات لجنة التحقيق التي لم تنشر التقرير الكامل عن أسباب الفشل الإسرائيلي في الحرب على غزة، ولم تنشر كام الاستنتاجات، ولم تنشر التوصيات جميعها، وقد يكون إخلاء المستوطنين الصهاينة القاطنين على حدود غزة إحدى توصيات اللجنة الإسرائيلية، وهذا ما لم يتطرق إليه الإعلام الإسرائيلي.
إن الذي أعلن عن تفكيك موقع "ناحال عوز" الإسرائيلي هم كتائب القسام، ليقدموا بذلك الدليل العملي على سهر الكتائب، ويقظتها، ومراقبتها الدقيقة للحدود، وأنها على أهبة الاستعداد لكل طارئ، وأنها فخورة بهذا الانجاز الذي يتحقق داخل حدود فلسطين المغتصبة سنة 1948، وقد سبق وأن تفاخرت المقاومة بإنجاز مماثل تحقق على أرض غزة سنة 2005، حين فكك الجيش الإسرائيلي مواقعه العسكرية، وفر بمستوطنيه بعد أن دمر مستوطناته بيديه.
بقى أن أشير في مقالي هذا إلى أن إسرائيل التي فرت من قطاع غزة، وأدارت له الظهر، وفككت مواقعها العسكرية، لتبتعد عن غزة بمسافة أربعة مليار شيكل ثمن الجدار الفاصل، إسرائيل هذه تقترب من الضفة الغربية بوحشية الواثق من تثبيت أركان مستوطناتها، وتوسيع مدى الرؤية الأمنية لهذه المستوطنات، بما في ذلك إقامة مئات الحواجز الأمنية على الطرقات الفاصلة بين مدن الضفة الغربية، في الوقت لا يختلف فيه الفلسطيني في غزة عن أخيه الفلسطيني في الضفة الغربية إلا بمقدار الاقتراب أو الابتعاد عن المقاومة، وهذا هو الفيصل في التعامل مع الإسرائيليين، فمن يحمل سلاحه تفر من أمامه إسرائيل، ومن يلق بسلاحه تستوطن أرضه وتصادر ممتلكاته إسرائيل، إنها معادلة بسيطة، ومقارنة أضاءت تاريخ فلسطين بالشهداء.