يعيش حوالي مليوني فلسطيني في قطاع غزة أوضاعاً مأساوية نتيجة الحصار الإسرائيلي المتواصل منذ أكثر من عشر سنوات، بالإضافة إلى الخطوات العقابية التي اتخذها الرئيس محمود عباس، لثني حركة "حماس" عن الاستمرار في الانقسام.
واقع مؤلم يعيشه سكان قطاع غزة جراء انقطاع الكهرباء لأكثر من 20 ساعة عن منازل المواطنين، وإغلاق المعابر بشكل مستمر، عدا عن الخصومات الكبيرة التي طالت رواتب الموظفين، وإحالة الآلاف منهم للتقاعد المبكر، بالإضافة إلى وقف مخصصات الأسرى والجرحى والحالات الاجتماعية.
تلك الخطوات خلفت آثاراً عادت بالسلب على مختلف فئات المجتمع، وخلقت حالة من الإحباط واليأس والاكتئاب وفقدان الأمل، حيث ارتفعت نسبة حالات القتل والانتحار والشجارات العائلية، كذلك طفت على السطح مؤخراً أزمة خطيرة، تمثلت في رغبة الشبان في الهجرة من القطاع، والبحث عن شعاع أمل في أي دولة أخرى بحثاً عن حرية وأمن وفرص عمل وكرامة مفقودة، بعيداً عن الصراعات الحزبية.
ونرافق اليوم شاهداً على فصول المعاناة التي يعايشها سكان قطاع غزة، جراء وقف توريد الأدوية إلى غزة من قبل وزارة الصحة برام الله، وذلك ضمن خطوات ثني حركة حماس عن الانقسام، ورفضها لمبادرة الرئيس محمود عباس.
المواطن "قاسم عبد الحكيم ابو ملوح" البالغ من العمر 37 عاماً، يُعاني من مرض نادر ومزمن يُدعى "انحلال الجلد الفقاعي"، حيث استمر في تناول العلاج منذ ولادته عام 1982 وحتى قدوم السلطة عام 1994 بشكل طبيعي، وبعد ذلك بدأت وزارة الصحة بصرف الدواء اللازم له منذ تأسيسها وحتى قرار وقف توريد الأدوية لقطاع غزة.
وقال أبو ملوح لوكالة "خبر"، إنه قبل 9 شهور أوقفت عنه وزارة الشؤون الاجتماعية شيك الشؤون، مضيفاً أنه قام بمراجعة العديد من الجهات للاستفسار عن أسباب وقفه في ظل المرض الذي يعانيه منذ ولادته، إلا أنه جرى إبلاغه بوقف مخصصاته برفقة (1700) شخص آخر.
وأوضح أنه يحتاج إلى 25 صنفاً من الدواء لكي يستطيع ممارسة حياته بشكل أقل من الطبيعي نظراً لظروفه الصحية، مشيراً إلى أن عدد المصابين بهذا المرض النادر في فلسطين يتراوح ما بين 25 إلى 30 شخصاً.
ولفت إلى أن هذا المرض يحتاج إلى متابعة مستمرة وعناية طبية فائقة، مبيّناً أن الدول الأوروبية تطلق على هذا المرض مسمى "الفراشة"، حيث تعود هذه التسمية إلى تحلل الفراشة بمجرد أن يتم لمسها باليد، ويطلق عليه هذا الاسم من الناحية الإنسانية.
و أضاف ابو ملوح: "أحتاج إلى الغيار على جسدي كل 12 ساعة، خاصة في فصل الصيف نظراً لأنه يؤدي إلى حدوث التهابات شديدة أدت إلى وفاة حالات مصابة بالمرض في قطاع غزة بسبب القصور في توفير العلاج".
وأكد على أنه منذ حوالي 7 شهور بالتزامن مع بدء قرار وقف توريد الأدوية إلى قطاع غزة ضمن الخطوات العقابية المتخذة ضد القطاع من قبل الرئيس عباس، تم إبلاغه بأنه جرى وقف تأمينه الصحي إلى جانب وقف مخصصات الشؤون الاجتماعية.
وشدد أبو ملوح على أهمية التأمين الصحي الذي يتم بموجبه صرف الدواء اللازم له، لافتاً إلى أنه بذل جهوداً كبيرة لإعادة التأمين الصحي دون شيك الشؤون الاجتماعية دون جدوى.
وتابع: "اكتشفت أن مدير منطقة الوسطى التابع لسلطة رام الله، أرسل تقريراً كيدياً للجهات المعنية بأنه من الأثرياء ولديه 7 أشقاء موظفين"، مؤكداً على أن بعض أشقاءه يعملون في صفوف البطالة.
وبيّن أبو ملوح أنه وبعد جهوداً حثيثة تمكن من إعادة التأمين الصحي من أجل صرف العلاج اللازم له، إلا أن وزارة الصحة بدأت في تقليص كميات العلاج تدريجياً، مضيفاً أنه وقبل أيام معدودة ذهب لاستلام العلاج، فلم يتم تسليمه سوى جزء بسيط لا يكفي لغيار مرة واحدة.
وأردف: "أنه منذ ولادته عام 1982 كانت وزارة الصحة الإسرائيلية تُرسل له الدواء اللازم لمدة شهر كامل دون أن يحتاج إلى الذهاب لاستلامه"، منوهاً إلى أن ما يستلمه الآن كل 15 يوماً لا يكفي لأسبوع واحد للغيار على جسده.
وأشار أبو ملوح، إلى أن أكثر المواقف التي أثرت عليه، هو إرسال وزارة الصحة برام الله بتعليمات من الرئيس محمود عباس شحنة أدوية إلى فنزويلا كمساعدة من الشعب الفلسطيني، متسائلاً "كيف تُرسل وزارة الصحة شحنة مساعدات من الأدوية قبل تفقد حاجة أبناء شعبها بغزة؟!".
وأكمل حديثه متسائلاً: "كيف يتم إرسال شحنة أدوية إلى فنزويلا وأنا مواطن فلسطيني لا أستلم حقي في العلاج؟"، مضيفاً أن أحد حقوقه يضمن له توفير الدواء من قبل وزارة الصحة والرئيس محمود عباس بصفته الرئيس لكل الشعب الفلسطيني.
وختم أبو ملوح حديثه بالقول: " إن الحجج التي يتم تسويقها بأن حماس تقوم بسرقة هذه الأدوية أمر لا يعنيه"، مشدداً على أن أحد أبسط حقوقه يضمن له الحصول على العلاج المناسب بدون عناء أو تعب.
وأعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة عن نفاد أصناف عديدة من الأدوية والمستلزمات الطبية، حيث وصلت نسبة العجز إلى 40% تقريباً، الأمر الذي يُنذر بخطورة بالغة على حياة المرضى، بسبب عدم مقدرة الوزارة على تلبية الاحتياجات الصحية لما يزيد عن 2 مليون مواطن بغزة.
وتبقى معاناة المواطن "أبو ملوح" شاهداً على غيرها من قصص الألم والمعاناة في قطاع غزة، جراء الحصار الإسرائيلي المفروض منذ عشر سنوات، بالإضافة إلى الخطوات العقابية التي ألحقت بالغ الضرر بالمواطن الفلسطيني في القطاع أولاً.