غزة: تجاذبات إقليمية ولا حل ينهي المأساة

أشرف العجرمي.jpg
حجم الخط

تفاءل الغزيون كثيراً بانفراج الأزمة الإنسانية بعد التفاهمات التي حصلت بين حركة «حماس» وبين تيار محمد دحلان في مصر والتي حظيت بمباركة ضمنية من مصر. وكثر الحديث عن إمدادات الكهرباء وتغير الجدول الزمني بإضافة ساعات لحصول الناس على الكهرباء مقابل ساعات الانقطاع، واستبشر الناس خيراً مع دخول السولار والبنزين المصري إلى غزة، وانتظر الناس أن يفتح معبر رفح بصورة منتظمة لدخول وخروج الأفراد والبضائع خصوصاً وأن عملية إعادة بناء وتوسيع المعبر تجري منذ وقت والغزيون المساكين في حالة انتظار. ولكن شيئاً لم يحدث، بل العكس هو الذي جرى، فقد انخفضت ساعات الكهرباء وأصبح الجدول من أربع ساعات كهرباء مقابل 12 ساعة انقطاع إلى 4 ساعات مقابل 20 ساعة انقطاع. ولم يفتح المعبر سوى لوقت محدود جداً لنقل الحجاج وجزء ضئيل من العالقين على جانبي الحدود. ومع الوقت ظهر أن التفاؤل كان في غير محله أو مبالغ فيه.
في الواقع، أرادت «حماس» من الاتفاق مع دحلان أن تحظى بشرعية عربية وغطاء يحميها من الخطر الداهم الذي يتمثل في وضعها على قائمة الإرهاب من قبل الإدارة الأميركية في ظل صمت وقبول عربي في قمة الرياض العربية - الإسلامية- الأميركية، وفي نفس الوقت الحصول على مزيد من الوقت في الحفاظ على سلطتها كما هي قبل الوصول إلى ساعة الوحدة التي تعني بكل تأكيد التخلي عن هذه السلطة الوحدانية، فالاتفاق مع دحلان لا يلزمها بشيء سوى بمشاركة في إدارة غزة، وهذا ما كانت مستعدة له منذ وقت لو قبلت الفصائل في غزة مشاركة «حماس» في لجنة لإدارة غزة.
ولكن الخطوات المتسارعة التي قامت بها السلطة وتحديداً الرئيس أبو مازن عقدت الأمور، فهي رأت في الاتفاق بين «حماس» ودحلان محاولة لهروب «حماس» من استحقاق الوحدة وتقوية لتيار دحلان في غزة، وقد تسارعت خطوات السلطة من إحالة على التقاعد لعدد كبير من الموظفين بما يطال قطاعي الصحة والتعليم وتقليص الرواتب والتوعد بالاستمرار في قطع الموازنات عن غزة حتى وصولها إلى الصفر، ما يعني أن الأعباء على «حماس» سوف تتضاعف بصورة كبيرة وبشكل أكبر من قدرتها على التحمل، بحيث أن المساعدات التي يمكن أن تحصل عليها من بعض الدول العربية بمساعدة دحلان لن تكون كافية لسد العجز. كما أن الزيارة التي قام بها الرئيس أبو مازن لمصر وضعت النقاط على الحروف فيما يتعلق بدور مصر وموقفها من الرئيس أبو مازن، حيث لا تنوي مصر تجاوز شرعية أبو مازن، وهي لن تذهب بعيداً في تغيير الواقع بدون السلطة.
وعلى كل الأحوال، تخشى مصر من الخطوات العقابية التي اتخذت بغزة ومن إمكانية حدوث انفجار هناك قد يمس الأمن القومي المصري، وبالذات بعد الاتفاق الأمني مع «حماس» وبدء تعاون الحركة مع مصر بخصوص انتقال المجموعات الإرهابية من وإلى غزة، وضمان الأمن على الحدود بين مصر وغزة بالإضافة إلى تنسيق وتبادل معلومات. كما تخشى مصر أن تظهر وأنها المسؤولة عن حل الأزمة الغزية، فهي ليست العنوان هنا وان كان بمقدورها أن تساهم في حل المشاكل الإنسانية بطرق مختلفة وخاصة بفتح المعبر بين فينة وأخرى.
وهكذا يتضح أن موضوع حل الأزمة الإنسانية في غزة ليس وارداً في القريب وأنه لا حل إنسانياً بدون إنهاء الانقسام وتوحيد الوطن تحت سلطة واحدة، وحكومة واحدة. ولا تزال قضية اللجنة الإدارية في غزة إحدى المعضلات التي تقف في وجه التقدم. ومع أن قائد «حماس» في غزة يحيى السنوار تحدث بإيجابية عن حل اللجنة واعتبر ذلك أسهل القرارات إلا أن «حماس» تربط حلها بإنهاء مشكلة الموظفين التابعين لـ «حماس» في غزة، والسلطة ترى أن حل اللجنة يمهد لحل مسألة الموظفين بشكل تدريجي، مع تمكين حكومة التوافق على تولي مسؤولياتها.
الرئيس أبو مازن يطرق بوابة تركيا للمساهمة في حل المشكلة مع «حماس» وهو قام ببادرة أولى بتجميد الخطوات في غزة والسماح للموظفين المحالين للتقاعد للبقاء في أماكن عملهم على أمل أن تنجح تركيا فيما لم تنجح به عواصم أخرى، ويبدو الأمر وكأن الاستعانة بمحور تركيا وقطر المؤثر على مجموعة قيادية مهمة في «حماس» يأتي في مقابل محور عربي آخر تقع الإمارات في صلبه وله تأييد داخل «حماس» غزة في الفترة الأخيرة. وليس واضحاً إلى أين ستميل الكفة، وهل سيتم التوفيق بين المحورين أو تحييدهما في حل المشكلة.
ولا شك أن القرار بإنهاء الانقسام بالرغم من أهمية دور المحاور هو فلسطيني داخلي بين «حماس» والقيادة الفلسطينية وخاصة الرئيس أبو مازن. والطرفان لا يحتاجان إلى اتفاق جديد، فهناك اتفاقات كثيرة عقدت وأهمها اتفاق القاهرة في العام 2011 ، وما هو مطلوب هو التطبيق الفوري له بدون نقاش أو مفاوضات جديدة. ولا حاجة لتدخل أطراف عربية أو إقليمية، وتكفي هنا الرعاية المصرية خصوصاً بعد تحسن العلاقات بين مصر و»حماس». والانحياز هنا لا بد أن يكون للقضية الوطنية أولاً، فلا دولة بدون غزة، ولا حل لمشكلة غزة بدون إنهاء الانقسام، والاختبار الحقيقي هو مدى الانحياز للوطن.