بات حديث الرأي العام هذه الأيام: «ماذا نأكل؟»، «من أين نبتاع طعامنا؟»، إضافة لسيادة معادلة التخمين حول أسماء المطاعم ومحلات العصائر ومحلات اللحوم. وفي خضم هذا الوضع عاد الأمر إلى سابق عهده «ضبط فئران وعفن في محل هنا وهناك»، وانتهى البيان الصحافي. وتترك الأمور للناس لكي يقرروا على مزاجهم من هو المحل، ويقرروا مقاطعة كل المحلات بذات التخصص، ويضرب الاستثمار في البلد الذي سعت من أجله كل مكونات فلسطين الرسمية لتهيئة المناخ له والمنظومة التشريعية وضوابط عدم تطفيشه.
كان المفتاح السحري لتلافي هذا «الحيص بيص» أن تبادر الجهات الرقابية الرسمية بالعمل على مدار أيام العام وعلى مدار الساعة دون انقطاع، كل في مجاله دون تداخل الصلاحيات ودون التسابق على تصدير القضايا للرأي العام كمادة خام غير معالجة لا فنياً ولا مكيفة قانونياً، وكان الأولى منذ اللحظة الأولى إصدار قرار بالإغلاق من نيابة الجرائم الاقتصادية لوضع حد للتخمين وتدمير سمعة بقية المحلات الشبيهة.
اليوم نقول مرة أخرى: خلص لازم نفهم حول سلامة غذائنا، وأولى قضايا الفهم العمل على تنسيق الجهد الرقابي بين الجهات الرقابية الرسمية، وتوقيع مذكرات تفاهم بين هذه الجهات الرقابية استناداً للقانون الذي ينظم عمل كل جهة مثل: قانون حماية المستهلك، قانون الصحة العامة، قانون الزراعة، قانون الجمارك، وآليات التنسيق المشترك في القضايا التي تحمل طابع عام تتداخل فيه الصلاحيات.
بات مطلوباً اليوم تطمين الناس من خلال النشر والتعميم للدور الرقابي التي تقوم به كل جهة رقابية رسمية والمعالجات الفنية والقانونية، من خلال تقرير يعرض على موقعهم الإلكتروني وصفحتهم على مواقع التواصل الاجتماعي وملخصه للإعلام، وليس بعد وقوع المصيبة بل إظهاره كعمل روتيني واضح دوري منتظم مستمر، وعدم التعامل معه كإبراز دور كون مدير جديد جاء لمحافظة، أو رغبة من جهة رقابية بإبراز دورها على حساب الجهات الأخرى، ليقع المستهلك في «الحيص بيص»، ويصبح يستحلفنا في ائتلاف جمعيات حماية المستهلك أيماناً مغلظة من هو المحل الجيد وغير الجيد، ويذهب البعض إلى درجة التهويل محذراً من البيض والدواجن واللحوم والأسماك والعصائر وغيرها.
السؤال الملح: لماذا يعلن الإعلام الإسرائيلي بمنتهى الجرأة عبر مرجعية من هذه الوزارة أو الهيئة عن فساد البيض وفساد في تاريخ إنتاج اللبنة ومواد تنظيف في خط إنتاج حليب، ويعتبرون ذلك تمتيناً وتقوية للسوق وحماية للمستهلك، ويحدث هذا في عديد الدول، أما نحن فنتحفظ بعد أن نطلق الفشكة ونقول: ضبطنا فئراناً وصراصير ومواد حافظة زيادة، إذن قولوا لنا الرواية كاملة لأننا خلص لازم نفهم.
الاعتقاد أن إخفاء المعلومة يقوي ثقة الناس بالسوق اعتقاد خاطئ، والأصح أن تكون المعلومة كاملة، ويجب أن نضع لاصقاً على المحلات التي خضعت للفحص الفني الدوري ونجحت لنخلق الثقة، وألا نتردد أن هناك من يتوجب عليه تصويب وضعه وهو ليس خطراً، ويتم إصدار شهادات رسمية بأنه مطابق لشروط سلامة الغذاء.
«خلص صار لازم نفهم» ولن ننفك حتى نفهم ونستوعب مثلنا مثل بقية الناس في بقية العالم، ويجب أن نعلن بجرأة أن السوق منضبطة باستثناء بعض ضعاف النفوس، وتعلن الوزارات أنها تتابع، ويجب أن نعيش هذا جميعه نحن المواطنين ونتأكد أنه قائم.
وهذا لا يقلل من أهمية متابعة قضايا التهرب الضريبي وخفض تقييم البيان الجمركي دون انعكاسه على الأسعار للمستهلك، وعدم دفع الضرائب أو التقصير بها.
«خلص صار لازم نفهم» ولن ننفك حتى نفهم.