نتنياهو في أميركا اللاتينية.. ضيف الضرورة غير المرحب به!

هاني حبيب.jpg
حجم الخط

اعتبر معظم وسائل الإعلام الإسرائيلية أن زيارة نتنياهو إلى ثلاث دول في أميركا اللاتينية، تأتي لمصلحته الشخصية قبل أي شيء آخر، وكذلك فإن عدداً من المحللين السياسيين وأصحاب الرأي والنخب في الدولة العبرية اعتبروا هذه الجولة شكلاً من أشكال التهرب من المأزق المتعلق بالتحقيقات الجنائية مع رئيس الحكومة ورغبته في تسجيل إنجازات سياسية واقتصادية هو بأمسّ الحاجة إليها طمعاً في مزيد من التعاطف معه من قبل الرأي العام الإسرائيلي، إلاّ أننا نرى أن هذه الجولة تأتي في إطار سياسة إسرائيلية كانت وستظل مستمرة لتطويق الدعم الدولي للقضية الفلسطينية عموماً، رغم أنها تخدم من دون شك المصالح الخاصة لنتنياهو الذي قام في إطار تلك السياسة، وحتى قبل التحقيقات الجنائية، بجولتين هامتين إلى القارتين، آسيا وإفريقيا، هذه الجولة في أميركا اللاتينية تأتي قبل أيام من الدورة الجديدة للجمعية العامة حيث ستطرح عدة قضايا على رأسها الصراع العربي ـ الإسرائيلي بشكل عام والملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي على وجه الخصوص. إسرائيل تهدف في هذه الدورة الى تعزيز علاقاتها السياسية والدبلوماسية مع عدد من الدول التي عادةً ما كانت تصوت لصالح القرارات المتعلقة بالقضية الفلسطينية. تطويق هذا الدعم الدولي للقضية الفلسطينية في الجمعية العامة سيخدم من دون شك تطلع الدولة العبرية للحصول على مقعد غير دائم في مجلس الامن للدورة القادمة وهو الأمر الذي لم يحدث حتى الآن، وهذا يتطلب توصية من الجمعية العامة، سلسلة الإنجازات السياسية التي تمت إثر جولات نتنياهو في دول آسيا وأفريقيا ومن بينها دول إسلامية، من الممكن أن تفتح الباب، ولو بعد حين، لحصول إسرائيل على مثل هذا المقعد غير الدائم في مجلس الأمن.
وعلى الرغم من علاقات إسرائيل السياسية والدبلوماسية والتجارية وحتى التسليحية مع دول أميركا اللاتينية قوية ومؤثرة إلى حد كبير، مع ذلك، ظلت معظم هذه الدول بشكل عام مؤيدة في المنظمة الدولية، وخاصة الجمعية العامة للأمم المتحدة للقضية الفلسطينية، إلاّ أن مثل هذا الوضع قد لا يستمر طويلاً، ذلك أن المصالح في نهاية المطاف هي الأكثر تأثيراً على المواقف، من هنا تسعى إسرائيل إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية مع أربع دول في أميركا اللاتينية قطعت علاقاتها مع الدولة العبرية، كوبا، التي قطعت علاقاتها معها إثر حرب تشرين عام 1973، وفنزويلا وبوليفيا اللتان قطعتا العلاقات عام 2009، إثر الحرب العدوانية على قطاع غزة، ونيكاراغوا التي قطعت العلاقات معها عام 2010، وتعتقد الدولة العبرية أن مفتاح هذه الدول هي كوبا، وتتطلع إلى إعادة العلاقات بين هافانا وواشنطن في عهد الرئيس أوباما، للتأثير على كوبا لإعادة العلاقات مع الدولة العبرية بدعم أميركي، غير أن مثل هذا الأمر غير متوقع على ضوء توتر العلاقات بين هافانا وواشنطن في عهد الرئيس ترامب.
في شرح أسباب زيارته أميركا اللاتينية لمجلس الوزراء، أشار نتنياهو لحقيقة مُرَّة، وهي أنه ليس من الضروري أن تحل القضية الفلسطينية، أو أن تكون هناك مفاوضات على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، لكسب المزيد من التأييد للموقف الإسرائيلي، بل على العكس ـ يشرح نتنياهو ـ بالامكان إحالة عدم التوصل إلى تسوية سياسية إلى مسؤولية الفلسطينيين عن وقف هذه العملية، نجحت هذه السياسة مع عدة دول في آسيا وأفريقيا فلماذا لا تنجح في أميركا اللاتينية؟!
وليس من الواضح لماذا اختار نتنياهو الأرجنتين وكولومبيا والمكسيك في اطار هذه الجولة في أميركا اللاتينية، وكان من المتوقع أن تشمل الجولة البرازيل التي كان لها موقف أكثر جذرية إلى جانب القضية الفلسطينية وهي الدولة الأهم والأقوى والمرشحة إلى مقعد دائم في مجلس الأمن في حال تم إعادة النظر بهيكلية الأمم المتحدة، إلاّ أن موقف هذه الدولة سيحيل الجولة الى الفشل بالنظر إلى موقفها المتصلب إزاء الاحتلال والاستيطان، ما جعل نتنياهو، اتقاءً للفشل، يشطب البرازيل من جدول الجولة.
وحتى كتابة هذه السطور، اكتملت زيارة نتنياهو للأرجنتين، حيث حدث ما كان متوقعاً، حيث قوبل بالاحتجاجات الشعبية المنظمة التي تزايدت بعد أن حاولت الشرطة منعها من الاقتراب من موكبه، وإضافة إلى اللافتات والصور الكاريكاتورية التي تصور نتنياهو بهتلر، ومع أن الزيارة رسمية، إلاّ أن البرلمان الأرجنتيني أعلن عن عدم رضاه عنها، وذلك على لسان نائبه خوان كارلو جوردانو، الذي قاد التظاهرات الاحتجاجية ونظمها بنفسه.
ومن المتوقع أثناء زيارته للمكسيك أن يتذكر قادتها أن نتنياهو هو الذي أوصى ترامب ببناء جدار عازل بين الولايات المتحدة والمكسيك وأن الخبرات الإسرائيلية بهذا الشأن ستكون مفيدة، في حين سيتذكر نتنياهو وهو في كولومبيا، أنها أضاءت أطول برج لديها بألوان العلم الفلسطيني منذ أربع سنوات احتفالاً بذكرى إعلان الاستقلال الفلسطيني!