أصدرت محكمة الأمر الواقع في غزة حكمها الغيابي الجائر، حبس «هاجر حرب» ستة أشهر ودفع الغرامة المقدرة بثلاثمائة دولار، إثر شكويين مقدمتيْن بحقها، أولاهما من الطبيب الذي تابع طلبها العلاج في الخارج، والثانية من المكتب الإعلامي الحكومي في غزة.
قائمة التُهم الموجهة للصحافية تحتوي على: «التشهير والتزوير والقذف وإساءة السمعة وانتحال شخصية وتضليل الرأي العام».
التُهم الموجهة بسبب إعداد «حرب» تقريراً استقصائياً عن فساد إجراءات التحويل في دائرة العيادات الخارجية في وزارة الصحة في غزة. لم يشفع مرض السرطان لها، ولم يحُل وجودها في الأردن دون عقد المحكمة ولم يدفع إلى تأجيل المحكمة والحكم، حسب الأصول.
اختبرت هاجر حرب بنفسها فساد النظام الإداري والتمييز في متابعة ملف التحويلات الطبية للعلاج في الخارج.
لقد أعمل المرض جهوده بأكل جسدها من الداخل، متضافراً مع جهود نهْش الفساد له من الخارج، فخرج تحقيق الصحافية الاستقصائي على الملأ من وفرة معاناة مزدوجة، مرض لا يرحم ولا يطيق المماطلة، وشعور بالظلم والجور والتمييز والبيروقراطية.
فُرِضَت الحرب على «هاجر حرب» على جبهتين، خبائث المرض من جهة، والوجوه المختفية خلف نظام التحويلات في وزارة الصحة في غزة، من جهة أخرى. مهنة المتاعب سحبت الصحافية لتختار الصعب، كشف الحقيقة.
الحكم المتخذ ببرود بحق الصحافية في غيابها التماساً للعلاج، يحتاج إلى مواقف ساخنة، يصلح مدخلاً نضالياً لمقاومته وإصلاح الإجراءات التمييزية وسياسات الإخضاع.
الضغط على أهل الحلّ والعقد بحكم الواقع المعيش، بما يفضي إلى تقويم توزيع الخدمات واختلالاتها لصالح التجييش والانحيازات المصلحية.
فإنْ كان مستوعباً أمر انبراء النظام الإداري للدفاع عن نفسه، إلا أن وقوف الإعلام مع الحكم القاضي بسَجْن قَلَم الصحافيّة، واختياره الدفاع عن الفساد بديلاً عن واجبه المهني في الدفاع عن المدافعين - ات عن حرية التعبير، إنما يعبِّر عن عدم إيجادهم حرجاً في الخروج على أخلاق المهنة وتقاليدها، المهنية تقتضي رفض إصدار الحكم غيابياً على المتهمة وعدم الاكتراث بالاستماع لأقوالها ودفوعاتها، بما يعني أن إيقاع العقوبة قصدي ومتخذ بشكل مسبق، وترك المهنة والتحول إلى مخبرين وأدوات للجهاز الأمني.
الأدهى؛ أن استشراء الفساد يأتي على يد من يعتبرون أنفسهم الجهة التي تقتبس وتسترشد بالتعاليم والمبادئ الدينية، العدالة والأخلاق.
والغريب؛ أن الفساد والتمييز في قطاع غزة بات ظاهرة استشرت قبل الأوان، عشر سنوات كانت كفيلة بمأسسته، ليس على الصعيد الفردي، بل في خدمة الجماعة وعلى أساس حزبي: في المساعدات الإنسانية وعلى المعابر وفي عمليات إعادة البناء والتوظيف وفي التوزيع العادل لحصص المناطق في الحصول على الكهرباء.
رسالة قضية «هاجر حرب» وتحقيقها الصحافي الذي كُتب من الميْدان؛ تحت ضغط ألم المرض والتمييز، يُوَزِّع رسائله في جميع الاتجاهات، المحافظات الشمالية والجنوبية، الأخلاقية قبل المهنية: من يريد الحفاظ على الحكم فعليه أن يكف عن التمييز بين مواطنيه، لا يمكن إخراس صوت الحقيقة والصحافة الحقيقية، إخراسها عليكم لا لكم، ومن لديه شك، فلينظر إلى المرآة ليعرف بشاعة وجه التمييز ومنطلقاته، وليتمعن جيداً بما جرى ويجري حوله.