كتب مدير التحرير: صالح النزلي
تتميز الساحة الفلسطينية بتعدد ألوان الطيف السياسي على اختلاف توجهاتها الفكرية، الأمر الذي سيؤدي بشكل حتمي إلى تباين الآراء والمواقف، وعلى الرغم من ذلك إلا أن تلك التباينات تبقى وجهتها فلسطين وهدفها الأسمى هو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي ولو اختلفت الطرق والوسائل.
وبقراءة خطاب الرئيس محمود عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ"72"، فمما لا شك فيه أنه حمل الكثير في سبيل الذود عن أبناء شعبا الفلسطيني وحقه في إقامة دولته المستقلة وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي المتواصل منذ أكثر من 69 عاماً.
كما عبر عن مدى حكمة وحنكة الرئيس ودرايته للواقع الذي يعيشه شعبنا، حيث أكد على أن ممارسات "إسرائيل" الاستيطانية والإجرامية تقوض حل الدولتين وتؤجج الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بما يؤدي إلى مزيد من جولات العنف بالمنطقة، بالإضافة إلى تأكيده على أن تحقيق السلام يبدأ بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
ودعا خطاب الرئيس المجتمع الدولي لالتقاط الفرصة باستنهاض الموقف الدولي وتحقيق تطلعات شعبنا العادلة بإقامة دولته المستقلة ليعيش بحرية وسلام كباقي شعوب العالم، ليؤكد بذات الوقت على أن فلسطين بقياداتها لن تفقد الخيارات على الرغم من تمسكها بالسلام العادل، لكنه أشار ضمنياً إلى أن العنف ينتهي بتحقيق تطلعات شعب أنهكته جرائم الاحتلال.
وشدد الرئيس على تمسك شعبنا بثوابته وحقوقه العادلة وإرثه النضالي ودماء شهداءه وعذابات أسراه، عدا عن تأكيده على وحدة الشعب الفلسطيني بكل قواه المناضلة في مواجهة المخاطر المحدقة، من خلال تصويب مساره الوطني ضد الاحتلال الإسرائيلي وصولاً إلى تحقيق أهدافه في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
وعلاوة على ذلك، فإنه حمل إشارات بأن الاتفاقات الموقعة مع الاحتلال الإسرائيلي ستكون مُلزِمة للفلسطينيين طالما أن الاحتلال التزم بتنفيذ ما جاء فيها، وأن إسرائيل لن تكون دولة فوق القانون تضرب بعرض الحائط كافة قرارات الشرعية الدولية، داعياً في ذات الوقت المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته إزاء القرارات الصادرة عن مجلس الأمن.
وبيّن أن اتفاقية "أوسلو" ما هي إلى تنظيم للاحتلال الإسرائيلي الغير راغب في صنع السلام، محمّلاً دول العالم مسؤولية وقوفهم على الحياد تجاه الاستيطان الإسرائيلي، وتجاهل إسرائيل لقرارات الدول المجتمعة، كما أنه عـرّى مزاعم إسرائيل في رغبتها بالسلام.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الخطاب يشوبه بعض الملاحظات كونه لم يفرق بين المقاومة الفلسطينية والإرهاب، والتأكيد على أن الشعب الفلسطيني لن يلجأ لأي باب سوى مجلس الأمن وقرارات الشرعية الدولية التي هي بالأساس لا تطبق على إسرائيل، على عكس خطاب الرئيس الراحل ياسر عرفات الذي ذهب إلى الأمم المتحدة حاملاً بيده غصن الزيتون، وباليد الأخرى بندقية الثائر.
سيادة الرئيس
إن تحقيق أهداف شعبنا المشروعة لن يأتي عبر مجلس الأمن أو قرارات الشرعية الدولية العاجزة عن تطبيقها، فالدبلوماسي يحتاج لقوة تدعمه، وما كان لإسرائيل أن تواجه قرارات العالم بأسره إلا بالقوة العسكرية التي جعلتها تظن أنها دولة خارجة عن القانون الدولي، فمعركتنا مع الاحتلال شاملة وتحتاج إلى تكاتف كافة الميادين وتتطلب ممارسة كافة أشكال النضال وصولاً لتحقيق ما نصبو إليه.
وعلى الرغم من أن الخطاب أعطى مؤشراً قوياً على وقوف الرئيس عند نبض الشارع إلى حد ما، لكنه من ناحية أخرى تناسى أن شعبنا يعتز بمقاومته ولا يسمح أن يتم المساواة بينها وبين الإرهاب، فشعبنا ضاق ذرعاً بجرائم الاحتلال ولم يعد يثق بأي أفق للسلام عبر تنفيذ قرارات المجتمع الدولي.
ومنذ أيام أحيا شعبنا الفلسطيني الذكرى الـ35 لمجزرة صبرا وشاتيلا، التي ارتكب خلالها الاحتلال أفظع الجرائم، ومما لا شك فيه أن من أحيا هذه الذكرى لم يعايشها لكنها بقيت حاضرة في عقول أبناء شعبنا، خاصة فئة الشباب الذين يتحلى غالبيتهم بوعي سياسي أكبر مما هو لدى قيادات كثيرة، لتيقنهم تمام اليقين بأن حقهم لا يسقط بالتقادم وإن تنكر البعض لأمانيهم.
وبكل تأكيد فإن غالبية أبناء شعبنا لم يعاصروا النكبة الفلسطينية التي احتلت بها إسرائيل الأرض وهجرت الإنسان واستبدلت شعب محل شعب آخر ليس له حق فيها، لكن الطفل والشيخ والمرأة عايشوا ما هو أقسى من ذلك وشهدوا جرائم لا يمكن لعقل أدمي أن يتصور حدوثها، لذلك فإن شعبنا لن يسمح بسقوط حلم دولته المستقلة.
وما كان لإجراءات الاحتلال الأخيرة في مدينة القدس المحتلة أن تسقط بقرار دولي، بل إن ممارسات الاحتلال أثارت غضب أبناء شعبنا ومست مشاعرهم الدينية، ما حتم عليهم أن يواجهوا الاحتلال وكافة إجراءاته بصدورهم العارية، ليستطيعوا بكل بسالة انتزاع حقهم في رفض أية وصاية أو إجراء على المدينة المقدسة والدخول للمسجد الأقصى المبارك.
المصالحة الوطنية
وترقب أبناء شعبنا خطاب الرئيس لمعرفة ما إن كان ستيطرق لمباحثات القاهرة التي جرت مؤخراً بين قيادة حركتي حماس وفتح والمسؤولين المصريين، ضمن مساعي الشقيقة مصر لإنهاء الانقسام وإتمام المصالحة، فكان للرئيس القول الفصل بتعبيره عن ارتياحه للقاءات القاهرة، والتأكيد على أن حكومة الوفاق ذاهبة لتسلم مهامها في قطاع غزة.
وتمكن خطاب الرئيس من طمأنة الجماهير الفلسطينية من حيث التأكيد على أن المصالحة قادمة، ليثبت الرئيس أنه يقف عند نبض الشارع بحديثه عن وحدة الشعب الفلسطيني على اختلاف ألوانه السياسية لمواجهة التحديات، وأن شعبنا يتطلع إلى عيشة كريمة أسوة بباقي شعوب العالم.
ولا بد من التأكيد على أن شعبنا الفلسطيني المعطاء ينتظر من كافة الأطراف تنفيذ ما يتم الحديث به على أرض الواقع، من خلال الإعلان عن وقف كافة الإجراءات العقابية التي اتخذها الرئيس بحق قطاع غزة مؤخراً كرد على تشكيل حركة حماس للجنة حكومية في القطاع، حيث إنه بعد حل اللجنة ببيان صادر عن الحركة من مصر، أصبحت الخطوات العقابية لا معنى لها، لأن شعبنا بغزة ينتظر أن يقدم له رئيسه ما يستحق بتكريمه لا عقابه.
ختاماً، فإن ما يرنو له شعبنا هو تصويب البوصلة وتكاتف الجهود لمواجهة ما هو أخطر من الصراع على سلطة ورقية لم تكتمل أركانها، ومواجهة مخططات الاحتلال الاستيطانية والتهويدية الهادفة إلى تحويل فلسطين إلى كانتونات منفصلة عن بعضها وإنهاء الوجود والسيادة الفلسطينية فوق أرضنا، وصولاً إلى تحقيق أهدافنا في إقامة الدولة المستقلة الموحدة رغم أنف إسرائيل.