صنع قنبلة لم يفجرها!!

تحليل قراءة في خطاب "الرئيس" وسبل مواجهة الغطرسة الإسرائيلية؟!

قراءة في خطاب "الرئيس" وسبل مواجهة الغطرسة الإسرائيلية؟!
حجم الخط

ألقى الرئيس محمود عباس، أمس الأربعاء، خطاباً مهماً أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ"72"، أطلع خلاله العالم على جرائم الاحتلال الإسرائيلي وعرّى إسرائيل أمام المجتمع الجدولي ليطالبه بتحمل مسؤولياته، والعمل على إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية على أساس حل الدولتين.

استراتيجية وطنية

قال المحلل السياسي وأستاذ جامعة الأمة د. حسام الدجني، إن خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمام الأمم المتحدة، يؤسس لاستراتيجية وطنية جوهرها المناورة، بحل الدولة الواحدة الديمقراطية وتوظيف حل السلطة كورقة ضغط على الاحتلال.

بدوره، اعتبر المحل السياسي أكرم عطا الله، أنه قام بمراجعة التاريخ وتوزيع الاتهامات وفتح العديد من السيناريوهات، من بينها أن الأمور تذهب نحو نهاياتها بلا محالة وأن رحلة الخداع الإسرائيلي وخداع الذات الفلسطينية لم تعد قادرة على الاستمرار أكثر.

من جانبه، وصف المحلل السياسي جهاد حرب، خطاب الرئيس عباس بالمهم، كونه تطرق إلى قضايا جوهرية، وفي ذات الوقت لم يأتي بجديد عن الخطابات السابقة، مشيراُ إلى أن الخطاب جمع فيه ملامح الخطابات السابقة وركز على قضايا البدائل المطروحة لقيام حل الدولتين على الرغم من تمكسه بهذا الخيار.

من جهته، اعتقد المحلل السياسي هاني حبيب، أن خطاب الرئيس لم يأتٍ بجديد، سوى التأكيد على الثوابت الفلسطينية المتعلقة في الصراع مع الاحتلال، وتحميل المجتمع الدولي مسؤولية استمرار الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة.

كما أشار مدير تحرير وكالة "خبر"، صالح النزلي، إلى أن خطاب الرئيس حمل الكثير في سبيل الذود عن الشعب الفلسطيني، وحقه في إقامة دولته المستقلة وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي المتواصل منذ أكثر من 69 عاماً.

البدائل والخيارات

أوضح عطا الله، خلال حديثه لوكالة "خبر"، أن الرئيس أعلن في خطابه أمس، نهاية حل الدولتين، حيث إن هذه هي الحقيقة التي ترتبت على محاولة هشة للسلام مع طرف بلغ من الغطرسة درجة تحديه للعالم بتدمير كافة جهوده، والأهم أنه يستند لعالم رخو لم يعد يميز بين الضحية والجلاد، فحينما تساوى أمامه المتفاوضون كطرفي نزاع، أصابه الخرس لسنوات مستتراً على حقيقة الفعل الإسرائيلي.

ولفت حرب إلى أن الرئيس تحدث عن خياران، أولهما حل السلطة وعودة الاحتلال، لتحمل مسؤولياته في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67، أو إقامة دولة واحدة تحفظ الحقوق لجميع المواطنين على أرض فلسطين التاريخية.

وأكد النزلي على أن خطاب الرئيس دعا المجتمع الدولي لالتقاط الفرصة باستنهاض الموقف الدولي وتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني العادلة بإقامة دولته المستقلة ليعيش بحرية وسلام كباقي شعوب العالم.

ونوه عطالله إلى أن الرئيس أكد خلال خطابه على أن مسار التسوية وصل إلى طريق مسدود ولا بد من بحث خيارات أخرى، موضحاً أن "جردة الحساب تشير إلى قرب نهاية كل شيئ".

وشدد حرب خلال حديثه لوكالة "خبر"، على أن الخيارات التي طرحها الرئيس في الخطاب أخذت حيزاً زمانياً أوسع، حيث إنه أنه تحدث مطولاً عن إجراءات الاحتلال والفشل الذي جاء في العملية السياسية منذ عام 94 حتى يومنا هذا.

وبيّن النزلي، أن الخطاب أكد على أن فلسطين بقياداتها لن تفقد الخيارات على الرغم من تمسكها بالسلام العادل، لكنه أشار ضمنياً إلى أن العنف ينتهي بتحقيق تطلعات شعب أنهكته جرائم الاحتلال.

وأضاف عطا الله: أننا "أمام تغير في الخطاب الفلسطيني الذي يعلن أقصى درجات يأسه أمام العالم"، خاصة بعد إعلان الرئيس للعالم "أننا سلكنا كافة الخيارات إلا أننا خُذلنا لأن الأمر يتعلق بإسرائيل، ولأن الزمن لا يستمر باللعب طويلاً مع مناورات فاشلة، لنبحث عن خيارات أخرى".

وتابع النزلي: :إن ما يرنو له شعبنا هو تصويب البوصلة وتكاتف الجهود لمواجهة مخططات الاحتلال الاستيطانية والتهويدية الهادفة إلى تحويل فلسطين إلى كانتونات منفصلة عن بعضها وإنهاء الوجود والسيادة الفلسطينية فوق أرضنا".

ميزات الخطاب

قال حرب، إن خطاب الرئيس حمل إلى حدٍ بعيد نبرة تشاؤمية، نظراً لغياب الأفق السياسي، لذلك فإن الخطاب كان مقتضباً ومحدداً لسرد الإجراءات المطلوبة بنقاط متعددة للمجتمع الدولي في تحمل مسؤولياته.

وبيّن عطا الله أن الرئيس قدم شرحاً تفصيلياً حول عجز المجتمع الدولي عن تطبيق قراراته، وأيضاً تنكر إسرائيل للقانون الدولي الذي وضعت بنوده في نيويورك نفسها قبل أكثر من سبعة عقود، حينما استبدلت عصبة الأمم بالأمم المتحدة لأن الأولى عجزت عن حل المشاكل الدولية، واندلعت على إثرها الحرب العالمية الثانية.

وأوضح النزلي، أنه حمل إشارات بأن الاتفاقات الموقعة مع الاحتلال الإسرائيلي ستكون مُلزِمة للفلسطينيين طالما أن الاحتلال التزم بتنفيذ ما جاء فيها، وأن إسرائيل لن تكون دولة فوق القانون تضرب بعرض الحائط كافة قرارات الشرعية الدولية.

وأشار حرب إلى أن الخطاب حمل نبرة تحدي للشهداء والأسرى وتبني واضح لهاتين الشريحتين الهامتين بالمجتمع الفلسطيني، وأيضاً وقف عند مطالب الشعب الفلسطيني حول ملف المصالحة مع حركة حماس.

وأكد عطا الله على أن الرئيس شرح المعادلة الدولية وسرد بنودها، وترك إجابات حول مختلف القضايا لأجيال لاحقة، لأنه يعي أن المشوار طويل، "فهو الذي غامر بهذا المسار حارقاً كل المراكب الأخرى".

ورأى النزلي، أن تأكيد الرئيس على تمسك شعبنا بثوابته وحقوقه العادلة، يدعو إلى تصويب المسار الوطني ضد الاحتلال الإسرائيلي وصولاً إلى تحقيق الأهداف الوطنية المتمثلة في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.

ولفت حرب إلى أن خطاب الرئيس تضمن رسالتين، الأولى تتمثل بقرار إرسال الحكومة إلى قطاع غزة في نهاية الأسبوع القادم، باعتبارها اختبار للنوايا وقدرتها على ممارسة صلاحيتها في قطاع غزة من أجل استكمال و البدء بشكل فعلي في خطوات المصالحة.

أما الرسالة الثانية فقد وجهها للمجتمع الدولي، ومفادها أننا ذاهبون للمصالحة الفلسطينية، بغض النظر عن أي "فيتو" أو معارضة دولية هنا أو هناك.

مآخذ الخطاب

في حين، قال الدجني لوكالة "خبر"، إن خطاب الرئيس عليه بعض الملاحظات، كونه وصف المقاومة بالإرهاب المحلي من منبر الشرعية الدولية، الأمر الذي يناقض ما شرعه القانون للشعب الفلسطيني المحتل بمقاومة الاحتلال بكل الوسائل المشروعة وعلى رأسها المقاومة المسلحة.

واعتبر حبيب أن الخطاب تناول الموضوع الفلسطيني بشكل كامل وشامل، لكنه في ذات الوقت راهن على الأمم المتحدة التي لم تأتٍ بحل للقضية الفلسطينية بعد تجربة طويلة من المفاوضات، داعياً إلى الرهان على حلٍ فلسطيني إقليمي عربي للضغط على الاحتلال وإنهاء سياساته الاحتلالية.

كما وصف عطا الله خطاب الرئيس بالبائس، حيث إنه لم يكن بعيداً عن شعور كل فلسطيني، بعدما أدخله الاحتلال الإسرائيلي في متاهات ومفاوضات، اكتشف بعدها أن النتيجة كانت مخيبة للأجيال، وأن "أوسلو" لم يكن أكثر من خدعة.

وقال النزلي، إن الخطاب يشوبه بعض الملاحظات كونه لم يفرق بين المقاومة الفلسطينية والإرهاب، وأيضاً تأكيده على أن الشعب الفلسطيني لن يلجأ لأي باب سوى مجلس الأمن وقرارات الشرعية الدولية التي هي بالأساس لا تطبق على إسرائيل، على عكس خطاب الرئيس الراحل ياسر عرفات الذي ذهب إلى الأمم المتحدة حاملاً بيده غصن الزيتون، وباليد الأخرى بندقية الثائر.

المطلوب فلسطينياً 

أوضح الدجني، أن المطلوب من القيادة الفلسطينية بعد خطاب الرئيس، هو تكامل وتظافر الجهود الفلسطينية والعربية لتنفيذ ما سبق الحديث حوله.

وأكد حرب، على أنه بات من الضروري العمل على عدة مسارات، أولها على الصعيد الداخلي من حيث إنهاء الانقسام، الذي يحتاج جهد ووقت وإمكانيات مادية، وتنفيذ فعلي من كافة الأطراف، وثانيها وجود خطة واضحة المعالم بتفاصيلها وآلياتها لمواجهة الغطرسة الإسرائيلية.

ودعا حبيب القيادة الفلسطينية إلى التأكيد على الثوابت الفلسطينية من جديد، وعدم الرهان على الحكومة الأمريكية الجديدة والرهان على مصالحة فلسطينية داخلية، والتوجه نحو مواجهة الاحتلال في إطار شعبي، خاصة في الضفة الغربية المحتلة.

وبيّن النزلي أن شعبنا ينتظر من كافة الأطراف تنفيذ ما يتم الحديث به على أرض الواقع، من خلال الإعلان عن وقف كافة الإجراءات العقابية التي اتخذها الرئيس بحق قطاع غزة، مضيفاً أنه بعد حل حركة حماس لجنتها الإدارية أصبحت الخطوات العقابية لا معنى لها.