حسابات النظام السوري لحسم النزاع

هاني عوكل.jpg
حجم الخط

على عكس ما حظي به موضوع الأزمة السورية من اهتمام في الاجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، قبل عام، لم يحظ هذا الملف بالاهتمام الكبير في الاجتماعات الأخيرة للمظلة الأممية، ولم يخرج عن الخطابات الرسمية الدولية غير عناوين فضفاضة تدعو إلى تسوية الأزمة السورية سياسياً.
قبل عام، لم يكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الصورة، ولا نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، وتصدر الموضوع السوري اجتماعات الأمم المتحدة، تزامناً مع سعي القوات الحكومية السورية وقتها للسيطرة على مدينة حلب الواقعة في الشمال.
في العام الماضي، لم تكن الأمور واضحة فيما يتعلق بالمشهد السوري، حيث تمكنت القوات الحكومية السورية من بسط سيطرتها على مناطق كثيرة في سورية، غير أن المعارضة المعتدلة كانت أكثر تماسكاً من اليوم، في حين كان تنظيم "داعش" مسيطراً على مناطق تزيد على نصف مساحة البلاد.
الآن الأوضاع مختلفة، إذ بات واضحاً أن القوات الحكومية السورية قاب قوسين أو أدنى من تحقيق إنجاز عسكري تاريخي يمكنها من حسم النزاع، وهذا الموضوع أزعج الفرنسيين الذين حاولوا في اجتماعات الأمم المتحدة أن يركزوا على المسار السياسي لإيجاد نوع من التسوية المرضية والمتوازنة التي تتناسب ومصالحهم.
ترامب الذي ألقى خطاباً من على منصة الجمعية العامة، لم يكن متحمساً للحديث عن الموضوع السوري، حيث كان يشغله موضوعان آخران يراهما أكثر أهمية، الأول هو ملف كوريا الشمالية، والثاني ملف إيران والاتفاق النووي معها.
الأجواء في الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت تسير في اتجاه ترامب، نظراً للتسخين الذي حصل مؤخراً بين الطرفين الأميركي والكوري الشمالي، على خلفية إطلاق الأخيرة صواريخ باليستية على سبيل التجريب، عنت بشكل أو بآخر تهديداً صريحاً لواشنطن.
أيضاً كان الرئيس الأميركي يحاول أخذ المجتمع الدولي نحو نفض الاتفاق النووي مع إيران، وهذان الموضوعان لم يعطيا حيزاً للملف السوري من حيث المناقشة ووضع التصورات الممكنة لتسوية هذه الأزمة التي زادت على الست أعوام.
ماكرون الفرنسي كان له وجهة نظر مختلفة عن الموقف الأميركي من الموضوع السوري، حيث بدا وكأنه يرغب في تشكيل إطار سياسي يجمع الدول المؤثرة في النزاع السوري لتسوية هذه الأزمة، غير أن الرئيس الفرنسي ليس متحمساً لتسوية الأزمة على قاعدة منتصر ومغلوب.
الأميركان لم يهتموا كثيراً لاقتراحات ماكرون الذي يعتبر مسار أستانا مختلفاً عن مسار جنيف، من حيث أن الأول يخص النزاع العسكري ويركز في موضوع مناطق عدم التصعيد، وهذا الخلاف انعكس على الملف السوري الذي لم يلق الدعم الدولي.
ثم دخل موضوع استفتاء إقليم كردستان العراق ليحوّل كل الأنظار الدولية إليه، حيث إن دولاً، مثل: تركيا والعراق وإيران، تستهلك كل طاقتها في رفض هذا الاستفتاء، وتتخذ إجراءات تصعيدية عقابية في حال كانت هناك خطوات عملية نحو ترجمة نتائج الاستفتاء للشروع في استقلال الإقليم.
هذه العناوين الكبرى جعلت من المبعوث الدولي الخاص إلى سورية ستيفان دي مستورا يعقد اجتماعاً في نيويورك مؤخراً، للحديث عن الموضوع السوري، دون أن يحدد جدولاً زمنياً لإطلاق مفاوضات جنيف التي سبق وأن تحددت في الشهر المقبل.
دي مستورا الذي لم يحصل على دعم دولي لدعم المسار السياسي في سورية، يفضل بالتأكيد التروي إلى أن تحصل تغيرات كبرى في النزاع العسكري، خصوصاً وأنه ألمح من قبل عن وجود تغيرات في النزاع العسكري قد تستوي في غضون شهرين، أي في بحر الشهر المقبل.
المستفيد من كل ذلك هو النظام السوري، لأنه الجهة التي باتت مسيطرة والأقوى في الساحة، ولا يريد أن يستعجل الدخول في مفاوضات سياسية قبل أن يحقق إنجازات نوعية تُحسّن من موقعه التفاوضي، وفي القلب من ذلك سعيه لتحسين علاقاته مع أكراد سورية.
في هذا السياق، ينبغي التركيز على تصريحات وزير الخارجية السوري وليد المعلم، الذي قال: إن حكومة بلاده لا مانع لديها من بحث إقامة منطقة حكم ذاتي مع أكراد سورية، لكن بعد القضاء التام على تنظيم "داعش" الإرهابي، وهذه الرسالة تفسر على أن القيادة السورية لا تريد فتح جبهة من النزاع مع قوات سورية الديمقراطية التي تحارب هي الأخرى "داعش".
حالياً تسيطر الأحزاب الكردية الرئيسة على ربع مساحة سورية تقريباً، وهذه السيطرة تقع في الشمال والشمال الشرقي على امتداد الشريط الحدودي السوري مع كل من العراق وتركيا، ومؤخراً أجرى الأكراد في المناطق التي يسيطرون عليها انتخابات محلية.
ويبدو أن إجراء مثل هذه الانتخابات بمثابة رسالة قوية للنظام السوري بأن عليه الالتفات إلى تطلعات هذه الشريحة التي تتمثل في حقها بإقامة منطقة حكم ذاتي على غرار إقليم كردستان العراق، لكن مثل هذا المطلب ليس بالأمر الهين في ظل أوضاع داخلية وإقليمية بالغة الصعوبة.
على كل حال، في ظل عدم الاتفاق الجمعي لوضع حد للأزمة السورية، لا تزال معركة دير الزور والرقة على أشدها، وتنظر القوات الحكومية السورية إلى مسألة القضاء على تنظيم "داعش" الإرهابي على أنها بداية نهاية النزاع السوري.
القوات الحكومية السورية التي تركز على مسح "داعش" من الوجود في أراضيها، إذا ما تمكنت بالفعل من القضاء على هذا التنظيم، فإنها ستكون أكثر قبولاً لدى خصومها وفي القلب منهم الولايات المتحدة الأميركية، لكن مشكلتها بعد "داعش" تتصل بقوات سورية الديمقراطية.
ومن غير المتوقع وفي ظل ضعف المعارضة السورية المعتدلة، أن تشكل ضاغطاً على النظام السوري، لا على صعيد المسار السياسي ولا العسكري، وبالتالي لم يعد يقلق القوات الحكومية السورية موضوع النزاع العسكري، بقدر ما يقلقها مآلات المسار السياسي.
أخيراً يجوز القول: إن الدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة الأميركية، باتت مقتنعة ومتعايشة مع فكرة قبول الأسد في السلطة، لكنها حتى هذه اللحظة لم تتفق حول كيفية تسوية هذه الأزمة، ذلك أنها لا تزال غير مقتنعة باحتكار روسيا وإيران للملف السوري.
إذا لم يكن هذا العام هو عام نهاية النزاع السوري، فلربما يشهد العام المقبل تسوية هذه الأزمة التي كلفت سورية أقل من نصف مليون قتيل، بقليل وأكثر من نصف عدد السكان لاجئين ونازحين، وخسائر فادحة تقدر بمئات المليارات من الدولارات.