الكل الفلسطيني في مواجهة إسرائيل

a655d6784b87cfbddcec71d2f4ff3be5.jpg
حجم الخط

 

رغم أنف إسرائيل تحققت الخطوة الأولى الحاسمة في ملف إنهاء الانقسام الفلسطيني الداخلي، على خير ما يرام، وحتى أخطر عقبة كان يمكن بتقديرنا، وكما أشرنا في مقال سابق، أن تعرقل أو أن تشوش أو حتى أن تهدد عملية إنهاء الانقسام، هذه المرة، لتغدو مثل سابقاتها محاولة فاشلة، ونقصد بها، ملف سلاح المقاومة، ورغم أن قمة هرمي الطرفين تطرقت، علنا لهذا الأمر بموقفين متعاكسين، إلا أن الأمر، سيتم حله بما يتوافق مع المصلحة الوطنية العليا، وبما يحافظ على دفق الوحدة الداخلية، رغم أنف إسرائيل، نقولها مجددا، ذلك أن إسرائيل وبعد أن "ضبطت" أعصابها وأخفت غيظها وانفعالها، بعد إعلان إطلاق عجلة إنهاء الانقسام، قبل نحو الشهر بالقاهرة، ما عادت قادرة على الاستمرار بإظهار وكأن الأمر ليس مهما، أو أنه لا يعنيها.
فقد اضطر كل من بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية، رئيس حزب الليكود اليميني إلى أن يعلن أنه يشترط على حماس أن تعترف بإسرائيل وأن تتخلى عن سلاح المقاومة وأن تقطع علاقتها مع إيران، حتى يمكنه أن يتعامل مع حكومة تشارك فيها، فيما قال شريكه في الحكم وزير الجيش، رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني، أفيغدور ليبرمان بأن مساعي المصالحة الفلسطينية لن تتوج باتفاق، ملوحا بما كان قد أعلنه الرئيس محمود عباس من أنه لن يقبل بالنموذج اللبناني، في إشارة إلى وجود سلاح حزب الله، وإلى ما كان قد قاله لاحقا من أن هناك سلطة واحدة وسلاحا واحدا ودولة واحدة، مقابل ما يعلنه قادة حماس من أن سلاحهم ليس مطروحا للحوار.
أولا وقبل كل شيء، لابد من الرد الموحد على قادة إسرائيل، بالقول إن شأننا الداخلي يجب أن لا يعنيهم وعليهم أن لا يتدخلوا فيه ولا بأي شكل أو صورة أو مستوى، ثم الرد على نتنياهو بالقول، إن فلسطين ستعامله بالمثل، فإذا كان يطالب حماس الاعتراف بإسرائيل، فإن فلسطين تطالب نفتالي بينت وأفيغدور ليبرمان وكل أعضاء حكومته وهو نفسه الاعتراف بدولة فلسطين وبحل الدولتين بالمقابل، وأن عليه أن يتعامل مع م ت ف والسلطة الرسمية، ولا شأن له مع الفصائل والأحزاب والقوى السياسية الفلسطينية، وعليه أن يلتزم بالاتفاقيات الموقعة بين الجانبين، خاصة رسائل الاعتراف المتبادل، قبل أن يطالب الجانب الفلسطيني الالتزام بها.
ثانيا، يمكن البناء على ما قاله العقلاء، خاصة من جانب السلطة، حيث قال البعض إن سلاح السلطة هو سلاح واحد، وإن الأمن الداخلي إنما هو مهمة السلطة، كما كان كل الوقت مهمة الحكومة في غزة، وهنا ما من مشكلة، ما دام أن موظفي الشرطة في غزة، وحتى الأجهزة، سيتم دمجهم في مؤسسات السلطة وفق الورقة السويسرية، أما سلاح المقاومة، وهو يشمل إضافة للقسام سرايا القدس وكتائب الأقصى، كتائب أبو علي مصطفى وكتائب المقاومة الوطنية وسواها، فهي أولا قوة وطنية، حتى إبان الحروب الإسرائيلية على قطاع غزة، كان يجري الحديث عن تشكيل قيادة أركان مشتركة لها، لإدارة العمليات، ثم هي يتم تنظيمها وإدارتها منذ الآن وفق القرار الجماعي، والأهم برأينا هو أنه لابد من التعامل مع قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس، على أساس التكامل وليس التماثل، فكما قلنا في مقال سابق إنه يجب التركيز على التنمية في غزة، لأنها محررة داخليا من الاحتلال، ونشر كل مظاهر الدولة الفلسطينية المستقلة التي تمارس سيادتها دون السقف الإسرائيلي، الذي لابد من خلعه والإلقاء به في وجه إسرائيل، بعد أن انسحبت من جانب واحد العام 2005، فيما يكون التركيز في القدس والضفة الغربية على مقاومة الاحتلال بكل مظاهره المباشرة من الحواجز والمستوطنات وغيرهما.
سلاح المقاومة في غزة، يمكن له أن يكون جزءا من الجيش الوطني، أو درعاً لحماية حدود غزة الخارجية في الشمال والشرق والغرب، أي للدفاع عن حدود الوطن الفلسطيني ضد اختراقات العدو الإسرائيلي، مقابل ذلك لابد للسلطة من أن تقتنع بحق المقاومة وبكل أشكالها في ممارسة حقها بالمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي في القدس والضفة الغربية، فالوحدة الداخلية وإنهاء الانقسام يعني التكاتف والعمل المشترك في تنمية غزة وفي مقاومة الاحتلال بالقدس والضفة الغربية.
يبقى بعد ذلك ملف مواجهة إسرائيل سياسيا ودبلوماسيا، حيث لا بد أن يكون قرار الحرب والسلم، تبادل الأسرى والمفاوضات جماعيا، ولابد من أن يتم تشكيل غرف سياسية لإدارة كل الملفات بشكل جماعي يجعل من الكل الفلسطيني في مواجهة إسرائيل ميدانيا وسياسيا ودبلوماسيا، حيث لابد من حماية ظهر الرئيس وهو يقاتل على جبهة السياسة الخارجية، لكن هذا يشترط رفع السقف، والالتزام بالخطوط العامة، مع منحه هامشا من المناورة السياسية، المقبولة على الكل الفلسطيني، الفصائلي والشعبي.
من الواضح أن هبوط المواقف المحيطة بملف الصراع الفلسطيني/الإسرائيلي، كان سببه المأزق الداخلي المرتبط والناجم عن الانقسام، وهكذا فمنذ اليوم الأول الذي أعلن فيه فعليا إنهاء الانقسام، أخذت الرافعة في الارتقاء، فلم يفتح باب إنهاء الانقسام لعودة مصر الشقيقة الكبرى للعب دورها الإقليمي المحوري، الذي يليق بها، مجدداً وحسب بل إنها أثرت على الموقف الأميركي الذي اعتبر منذ نحو العام، أي منذ انتخاب دونالد ترامب رئيسا، هو الأسوأ والأكثر هبوطا، لدرجة أنه لم يعد يقول بحل الدولتين، ولا يظهر رفضه للاستيطان، لتتحدث "هآرتس" قبل يومين عن تحول في الموقف الأميركي مفاده أن ترامب شخصياً قال لأمين عام الأمم المتحدة، على هامش اجتماع الجمعية العامة، آخر الشهر الماضي، إن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو هو من يعطل إطلاق المفاوضات وإنه يعتبر حجر عثرة أساسياً أمام تجديد مسارها، وإن هذه القناعة - حسب الصحيفة الإسرائيلية - جاءت عقب مباحثاته معه، وبعد عدة لقاءات أجراها صهره جاريد كوشنير ومبعوثه الخاص للشرق الأوسط جيسون غرينبلات.