ملاحظات سريعة في مبادرة المصالحة الوطنية الفلسطينية - تفاؤل شعبي بحاجة للممارسة والتطبيق!!
استاذ علم الاجتماع بكلية كينج الجامعية، جامعة وسترن، لندن، اونتاريو، كندا، رئيس المعهد الكندي لدراسات الشرق الاوسط.
إن خطورة الوضع الفلسطيني الحالي جراء الاستمرار في هذا الصراع الدامي بين الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي والشعب الفلسطيني وقواه وممثليه السياسية ما هو الا جزء بسيط مما سيأتي لكثير مما هو مخفي في هذا الصراع المستمر. فقد أصبحت القضية الفلسطينية أمام طريق مسدود في المشروع السياسي السلمي، وحالة من تفكك وانقسام داخلي لأكثر من عشر سنوات قد أكل الاخضر واليابس ودمر النسيج الاجتماعي الداخلي وبالتالي علاقته وانعكاساته وتأثيراته الاخرى، فهو الأخطر على القضية الفلسطينية. وبالجانب الاخر الحالة الإقليمية والدولية المتغيرة، غير المهتمة، بل غير مكترثة بالموضوع الفلسطيني، وبالجانب الاخر دور وقدرة تأثير إسرائيل في المجتمع الدولي الذي تقوده قوى سياسية يمينية منحازة لها، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا مما استدعى العمل المكثف وعلى كل الأصعدة من أجل إنهاء حالة الانقسام سيء الصيت ليصبح حراك ومتنفس جديد لإحياء القضية الفلسطينية والعمل الفلسطيني ومشروعه التحرري.
إنه من غير المعقول أن القضية الفلسطينية من أقوى وأهم القضايا العالمية، القضية للحضارية العادلة ذات المدلولات والمفاهيم الإنسانية وللاسف ظلت طوال هذه العشر سنوات تعيش حالة من الانقسام والتناقض والتنافر الكبير بين القوى السياسية الأكبر على الساحة الفلسطينية، وبين شطري الوطن، ان كان في النظام الساسي الفلسطيني أو في الجغرافيا والاقتصاد والقانون والسيادة. نعم ان الازمة جاءت لاسباب كثيرة، إلا انها اخذت أبعاداً عديدة وتشعبت لدرجة أنها أصبحت أخطر من كل التوقعات للحياة السياسية والبرلمانية والحزبية الفلسطينية. وبالتالي المحاولات التي تمت من أجل تحقيق المصالحة قد أثمرت. والآن في بداية هذا التفاؤل الشعبي والمؤسساتي والحزبي الفلسطيني، بل وعلى مستوى الداخل والخارج. وبغض النظر عما حصل، نحن اليوم أحوج ما نكون للوحدة والتلاحم ورص الصفوف وتوحيد الكلمة من أجل ترتيب البيت الفلسطيني وتحقيق الإصلاحات المنشودة التي يحلم بها كل فلسطيني في الداخل والخارج تمهيداً لإقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية التي تتسع للجميع بعيداً عن كل أشكال التشرذم وتفسخ المجتمع الفلسطيني.
أليس حرياً بهذا الشعب الفلسطيني الذي يعيش اليوم في اصعب وضع وعلى كافة الأصعدة وتحديداً فيما يخص الموضوع السياسي والاقتصادي والحالة الأجتماعية الخطيرة أن يكون موحداً؟
أليس من الهام للجميع بأن نعمل في البحث لمساعدة هذا الشعب الفلسطيني المخنوق اقتصادياً - بعيداً عن الانقسام الداخلي الذي هدر الكثير من الطاقات والوقت؛
إن الشعب والقضية الفلسطينية أحوج من أي وقت كان للمصالحة والوحدة وترتيب البيت الفلسطيني، وخصوصاً في ظل هذا الوضع الإقليمي والدولي.
انه نتيجة لمعاناة شعبنا الفلسطيني وحالة الازمة التي يعاني منها النظام السياسي والاقتصادي الفلسطيني وفي ظل حالة التفاؤل والبدء بالمصالحة الفلسطينية، فهذه جملة من المقترحات والتوصيات كوثيقة من أجل مستقبل المصالحة ووحدة وتلاحم وتعاضد الصف الفلسطيني، من اجل تجاوز هذه التجاذبات والتناقضات والتنافرات والصعوبات التي تمر بها القضية الفلسطينية، وبالتالي الخروج من هذا الواقع المرير بعيداً عن الشعارات والمؤتمرات الصحفية.... فقط وقفة جادة ومسؤولة وحاسمة من كل الاطراف الفلسطينية دون استثناء من أجل العمل الجاد للوقوف على هذه الحقائق التي تتمثل في الأتي:
1. الاحتكام إلى سلطة القانون وتفعيل مؤسساتها، ووجود الرقابة على عملية التنفيذ. وتحديدا في مجال القضاء والموضوع الإعلامي، وذلك من أجل ضبط ووقف كافة أشكال التحريض وتجنب اللغة المسيئة للاخرين وكل اشكال التحريض والتشكيك وما من شأنه أن يؤثر سلبا على المصالحة والوحدة الوطنية و السلم المجتمعي السياسي الاقتصادي الداخلي، ومن أجل وقف الجريمة والتسيب في الأوضاع الداخلية للمجتمع الفلسطيني. وفي الوقت نفسه، العمل على إشاعة ثقافة الوحدة، والاحترام المتبادل وتوسيع قاعدة المشاركة في صنع القرار، واعطاء الفرصة للمبادرة الحالية في المصالحة وحكومة الوفاق الوطني أن تقوم بمسؤولياتها على قاعدة أن الشعب الفلسطيني واحد وقضيته واحدة، ولا تتجزء لا في الجغرافيا ولا في السياسة؛ من أجل الحفاظ على ما تبقى من فلسطين نحو الحرية والاستقلال واستعادة كافة الحقوق الوطنية الفلسطينية.
2. اعتماد الحوار الديمقراطي لحل تنازع الصلاحيات والاختلافات بين مؤسسات السلطة واعتبار الميثاق الوطني الفلسطيني على اساس ان القانون الأساسي والقضاء الفلسطيني هو القاعدة لاتي يحتكم اليها الجميع، مع اهمية البدء بموضوع الإنتخابات من اجل تشكيل حكومة فلسطينية منتخبة، ويفضل ان تكون حكومة وحدة وطنية إن امكن على أن تضم كافة الكتل النيابية وشخصيات وطنية ترتكز على الثوابت الفلسطينية ووثيقة الاستقلال كأساس ينطلق منها النظام الفلسطيني تكون متمسكة بحق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال وحق العودة وتقرير المصير كحقوق مقدسة لا يمكن التنازل عنها أطلاقا.
3. العمل على توحيد التشكيلات الأمنية والعسكرية في إطار واحد تجمعه غرفة عمليات مشتركة من أجل تحقيق الأمن والسلامة للمواطن الفلسطيني، وأيضا من أجل العمل على إدارة كافة أشكال النضال المشروعة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وإدارة الشؤون الداخلية والخارجية على قاعدة الكل شريك بعيدا عن التفرد والفئوية حكم الحزب الواحد. وهذا مع العمل على وضع خطة أمنية تشارك فيها كافة الفصائل والقوى الشعبية الفاعلة في المجتمع الفلسطيني تهدف بالأساس إلى محاربة الفساد والمفسدين، والمحسوبية والرشوة، نحو تصحيح المسار السياسي، والاقتصادي، وتفعيل العمل النضالي نحو الاستقلال الوطني وإقامة الدولة المستقلة.
4. العمل الجاد والمسؤول لوضع خطة من أجل إطلاق جميع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين والعرب من المعتقلات والسجون الإسرائيلية، حيث انها تعتبر من القضايا الاولوية في طريق الحرية والاستقلال واستعادة كافة الحقوق الوطنية الفلسطينية.
5. أهمية التأكيد على اصلاح م.ت.ف الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، والاطار الاوسع الذي يضم كل الفلسطينيون في كافة أماكن تواجدهم وهذا على أساس التمثيل النسبي لجميع القوى والفصائل الفلسطينية، بما فيها حركتي المقاومة الإسلامية والجهاد الإسلامي وانضمامهما إلى مؤسسات م.ت.ف. وفي نفس الوقت العملالفوري لإصلاح أطر منظمة التحرير الفلسطينية وعلى رأسها الصندوق القومي الفلسطيني.
6. التمسك بالنظام الديمقراطي المرتكز على الانتخابات الديمقراطية وتعزيزه استكمالاً لإجراءات الإصلاح الداخلي بهدف توفير الأمن والأمان، ومنع الفلتان الأمني وفوضى السلاح، وهنا يكمن في أهمية تعزيز الأمن على المعابر بكل انواعها الخارجية والداخلية كونها رموز للسيادة الوطنية الفلسطينية.
7. دعوة السلطة بكل مؤسساتها الرئاسية والحكومية و المجلس التشريعي إلى إعادة النظر في الاتفاقيات الاقتصادية من أجل العمل على صياغة خطة اقتصادية تعتمد على الذات مهتمة باسيتعاب كل الطاقات الفلسطينية، وتعزيز دور المرأة وقطاع الشباب، و من خلال تطوير الصناعات الوطنية وإقامة البنى التحتية اللازمة وتهيئة الظروف الاستثمارية الإيجابية في جميع المجالات، الطاقة، والبيئة، والصناعة والزراعة والتكنلوجيا، والتجارة والتعليم، كأسلوب ونهج نحو الحرية والاستقلال واستعادة كافة الحقوق الوطنية الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
8. مواجهة المخططات الإسرائيلية، لاسيما الحلول أحادية الجانب، في الاستيطان وسرقة الأراضي الفلسطينية، وبناء المستوطنات غير الشرعية...نحو عمل جاد وفاعل في تعرية المشروع الإسرائيلي الاستعماري الاستيطاني الذي سعى ويسعى في تجزئة الشعب وسرقة وتهويد الأرض الفلسطينية. العمل على تطويق هذا المشروع وهذه الممارسات غير الشرعية على جميع الأصعدة: الفلسطينية والعربية والدولية، والتصدي لها بكل أشكال النضال المشروعة. والقيام بحملة إعلامية ودبلوماسية لكشف الانتهاكات والممارسات الإسرائيلية المخالفة لكل القوانين والأعراف الدولية ومنظومة القيم الإنسانية، والعمل لخطط نضالية عملية تهدف إلى تحقيق إنجازات حقيقية في إنهاء ووقف هذه الممارسات الاحتلالية، وبالتالي الوصول إلى الحرية الاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
9. السعي إلى عقد مؤتمر دولي يقوم على أساس الثوابت الفلسطينية والقرارات العربية والدولية العادلة التي تلبي مصالح الشعب الفلسطيني في الحرية و الاستقلال. وذلك من أجل العمل على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة الكاملة على الأراضي الفلسطينية التي تم احتلالها من اسرائيل والسعي على تطبيق القرارات الدولية في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية وعلى رأسها حق العودة وتقرير المصير للاجئين الفلسطينيين، ولا تنازل عن القدس عاصمة فلسطين الأبدية.
في ضوء ما سبق، فإنني أدعو كل المسئولين والعقلاء وصناع القرار الفلسطيني في الفصائل والتشكيلات السياسية والشخصيات الوطنية والإسلامية إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية ترتكز على برنامج سياسي يحتوي على صيغة توافقية على اساس الثوابت الفلسطينية والمتطلبات العربية الدولية، والحاجة الشعبية دون التنازل عن الحقوق الفلسطينية المشروعة، انطلاقاً من استرتيجية وطنية مفادها " أننا شعب محتل يسعى إلى تحقيق الحرية والاستقلال" والعمل على دعم الديمقراطية الفلسطينية وصولاً لتحقيق الأهداف المرجوة في الحرية والاستقلال وتقرير المصير عبر إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة وعاصمتها القدس. وللحديث بقية....