لنسرع ببطء

د. عبد المجيد سويلم.jpg
حجم الخط

ثمة من يريد ان ينتهي الانقسام في غضون عدة ايام، وهذا التفكير هو بالأساس ايجابي، وهذه العجلة نابعة من الحرص ومن الامل والتمني والرغبة الجامحة للخلاص من هذا الانقسام اللعين. وثمة من يتعجل الامور لدرجة الوقوع في فخّ اشاعة الاوهام وتبسيط الأمور ان لم نقل تسطيحها.
وثمة بالمقابل من هو «ضد» انهاء الانقسام لاسبابه الخاصة التي تعني بلغة الواقع مصالحه الخاصة سواء كانت هذه المصالح فئوية او شخصية، ولذلك تراه «يسوق» كل ما في جعبته من «أسباب» ومن معوقات متوقعة للوصول الى الهدف الأساس وهو العمل بكل ما لديه من إمكانيات متاحة لعرقلة التوصل الى تفاهمات حقيقية والى اتفاقات نهائية لطي هذه الصفحة السوداء.
كل هذا وغيره ليس الا في اطار الطبيعي وفي اطار المتوقع.
الانقسام لن ينتهي خلال ايام، وليس طبيعيا ان ينتهي هذا الانقسام بهذه السرعة وهذه العجالة.
والانقسام لن يظل طويلا ولن تفشل «المصالحة» لأن العمر الافتراضي لهذا الانقسام انتهى منذ عدة سنوات، و«الحياة» الإضافية التي منحت له كانت مجرد محاولات يائسة وبائسة لم تزد الامور الا صعوبة وتعقيدا على اصل هذا الانقسام وحماته ورعاته وكل من آمن به وراهن عليه.
المفتاح السحري لانهاء الانقسام هو كلمة واحدة: انها الارادة السياسية.
الارادة السياسية ان توفرت لحل الملفات مهما كانت درجة التعقيد الذي تنطوي عليها والصعوبات الواقعية التي تعتريها. فإن حلها والوصول الى نتائج مرضية ومقبولة لها هو امر ممكن بل واكيد.
الدلائل على توفر هذه الإرادة السياسية من عدمه، والمؤشرات الاولية لها على ما يبدو ويلاحظ حتى الآن موجودة.
هذا هو مفتاح الامل.
اما فيما اذا كانت هذه الارادة السياسية متوفرة عندما يتعلق الامر بالعموميات فقط، وان المصالح الفئوية والشخصية والخاصة يمكن في اية لحظة وفي اية مرحلة قادمة من لحظات ومراحل البحث وفي التفاصيل والاليات والجداول الزمنية والاستحقاقات المطلوبة في كل ملف وفي كل آليه من آليات حل وفكفكة الامور باتجاه الترسيخ النهائي فهذا ممكن ولا يجوز لاحد ان يوزع الاوهام بعدم امكانية حدوثه.
وبعض الملفات يمكن المراهنة على حلها بسرعة معينة وعلى وضع آليات فعالة للانتهاء منها وعلى توفير كل مقومات حلها بما في ذلك الموارد المالية والقواعد اللوجستية.
اما البعض الآخر فإنه لا يمكن المراهنة على السرعة في حلها، بل وان هذا الحل يقتضي ويتطلب عدم السرعة لانها ستتحول بقصد او بغير قصد الى نوع من التسرع.
ملف الأمن والقانون حتى لو تم التوافق على بعض أُسسه وبعض قواعده الناظمة ايضا فإن آليات التنفيذ لا يمكن ان تكون بصورة تلقائية، وهذه الملفات بالذات تحتاج الى تجريب والى استعادة ثقة وتحتاج اولا وقبل كل شيء الى اختبار نوايا حقيقي.
من هنا ينطبق على حالنا اليوم المثل اليوناني القديم: لنسرع ببطء.
اشاعة الامل ضرورية، لكن توزيع الاوهام اخطر لأن «المصالحة» هذه المرة ان فشلت وقعها سيكون مختلفاً وكلفة هذا الفشل على الكل الوطني ستكون باهظة لا محالة.
وبالضبط بسبب صراحة وحساسية الموقف، وبسبب المراهنة الشعبية العالية والرغبة الجماهيرية الجامحة بالانتهاء من كامل ملفات الانقسام فإن التسرع سيعمل ضد هذه المراهنة وهذه الرغبة، في حين ان السرعة في انجاز كل ما يمكن انجازه هو واجب على كل من يعتبر نفسه مسؤولاً عن طي هذه الصفحة.
ليس مهماً ان نخرج باتفاق كامل على كل شيء بل المهم ان نخرج باتفاقات كاملة على كل ما هو ممكن وعلى توافقات مبدئية على كل ما هو غير ممكن في اللحظة الحالية.
اقصد بالإمكان التوصل الى اتفاقيات وبالامكان الاتفاق على كيفيات تنظيم الاختلافات لمرحلة قريبة قادمة بعد ان نضع قواعد ناظمة لتنظيم هذه الاختلافات.
وبإمكاننا ان نسرع في الوصول الى نتائج حاسمة ونهائية في بعض المسائل وبإمكاننا وضع آليات سريعة من شأنها تسريع الحلول على القضايا التي ليست جاهزة بعد.
اذن ليس المطلوب كل شيء وبسرعة تنقلب علينا وانما المطلوب المسارعة الى إنجازات حقيقية كلما امكن وبأسرع وقت متاح.
المهم هنا طبعاً حجم الإنجازات ولكن الاهم التفاهم على عدم تراجع قطار المصالحة وعدم السماح للارتداد ووضع الضمانات التي تمنع التراجع.
لنسرع ببطء.