الكاتب: رفعت شناعة
عضو المجلس الثوري لحركة فتح
إنَّ عقدَ المؤتمرات بانتظام هي عملية ذات أبعاد تنظيمية، وفكرية، وسياسية، وتطويرية، وتنطلق من قاعدتين ارتكازيتين هما تقييم التجربة السابقة ما بين المؤتمر والمؤتمر الجديد، ثُمَّ وضع الخطط والبرامج المستقبلية على اختلافها التي تُعزِّز البنية التنظيمية، والرؤية السياسية والفكرية، وتضع أُسس المعالجة لكافة القضايا المعقّدة والمستعصية.
إنَّ الفترة الزمنية ما بين المؤتمر والذي يليه تختلف من تنظيم إلى آخر, وإن كانت حركة "فتح" هي سنتان بالنسبة للمناطق والأقاليم، أما بالنسبة للمؤتمر العام فهي خمس سنوات.
إنَّ انعقاد المؤتمرات ليس عملية شكلية، أو عملية رفع عتب، وإنَّما هي عملية شاقة، وتحتاج إلى جهود مكثَّفة ومدروسة، وتحضيرات مسبقة، وموثَّقة، وتقوم بذلك مجموعة من اللجان ذات الخبرة، والتي تبحث أولاً وقبل كل شيء عن مستقبل التنظيم أو الإطار الحركي، أو الحزبي بشكل عام. ومستقبل الشعب وتطلُّعاته الوطنية، يتوقَّف على مدى وعي وجدية هذه القيادات الطليعية، وسِعة أُفقها، وإخلاصها لمبادئها، وتفانيها في سبيل شعبها وقضاياه العادلة. هذه القيادات ربطت مصيرها بمصير حركتها الرائدة، والتي تحمل الأهداف والمبادئ والقِيَم النضالية التي التزم بها الرعيل الأول.
إنَّ نجاح أي تنظيم في عمله، وفي تحقيق أهدافه الوطنية والثورية، والاجتماعية يتوقَّف على الثقة المتبادلة بين الجماهير صاحبة المصلحة الحقيقية، والطليعة الثورية القادرة على تجسيد طموحات، وآمال، وتطلُّعات هذه الجماهير.
إنَّ هذا الأمر يتطلب اختيار قيادة جديدة مؤهَّلة لتحمُّل المسؤولية، وتسهر على مصالح وراحة وتقدُّم مجتمعها، ومستعدة أن تضحي بسعادتها وراحتها وممتلكاتها من أجل الآخرين، أي قيادة ليست متسلِّقة، ولا وصولية، ولا تسعى إلى بناء التكتلات، والمحاور، وتنمية الخلافات، والصراعات، والحساسيات. فهذه العقلية الانتهازية التي تعبث بمقدرات الحركة، ولا يعنيها إلاَّ المكاسب الشخصية، والطموحات الخاصة، والمكاسب المادية، لا تستطيع كسب ثقة الجماهير، فالشعب شديد الحساسية، ونظرته ثاقبة، ويميِّز جيداً، ويعرف أين يضع ثقته.
انطلاقاً ممَّا سبق ذكره فإنَّ هذا الاستحقاق التنظيمي بالغ الأهمية، ويجب على القيادة أن ترعاه باهتمام، وأن يكون النظام الداخلي، والأصول التنظيمية، واللوائح الداخلية، والآداب الحركية هي المعيار والمقياس في الحكم على القضايا، حتى نصل إلى الأهداف السامية. وهذا يقودنا للتأكيد على مجموعة قضايا جوهرية من صلب الواقع، وهي مؤثرة في نجاح أو فشل المؤتمرات.
أولاً: على الأطر والأعضاء أن ينشغلوا في عقد جلسات تنظيمية واضحة لإجراء تقييم موضوعي لنشاطاتهم خلال السنتين السابقتين، وأن يتَّفقوا على رفع مذكرات، واقتراحات بعد النقاش لمعالجة الثغرات السابقة، ووضع برامج، ولوائح، ودراسات لتطوير وإنضاج العمل مستقبلاً، وطرح هذه القضايا بأن يكون الجهدُ جماعياً، ومتكاملاً، وناضجاً. وهذا الجهد يكون برنامجاً معتمداً من المؤتمر ليسير الجميع على هديه.
ثانياً: إنَّ الصيغة المثلى لتطوير العمل وتحقيق الأهداف هي أن يواصل الإطار نفسه الذي عمل موحَّداً خلال سنتين في عقد جلسات تقييمية تنظيمية واضحة، والخروج بنتائج. لا أن ينقسم الإطار إلى قسمين أو ثلاثة، وتكون هناك اجتماعات غير معلنة، وبالخفاء، للتوصُّل إلى اتفاقات جزئية، أي التحوُّل إلى تكتلات، وكل تكتل ينشط على طريقته ليستقطب أنصاراً من أعضاء التنظيم ليصوِّتوا له حتى يضمن النجاح. وهنا تنشط الفئوية، والجهوية، والعشائرية، على حساب القِيَم التنظيمية، وهذا ما يؤسِّس لصراعات جديدة لا تخدم التنظيم، وإنَّما تخدم أشخاصاً معينين .
ثالثاً: من حق أي عضو في التنظيم أن يرشِّح نفسه لعضوية اللجنة القيادية إذا كان عضواً في المؤتمر، تنطبق عليه المعايير المحددة. لكنَّ هذا الأمر برأيي ليس عشوائياً، ولا ارتجالياً، وإنَّما يتطلَّب أن يكون المرشَّح:
أ- ناجحاً في عمله، وملتزماً بالإطار الحركي، وبالبرنامج السياسي، دارساً للنظام الداخلي، ومثقَّفاً.
ب- أن يكون حسن السِّمعة والسلوك، مقبولاً جماهيرياً لأن عمله مرتبط بالجماهير. وأن يكون قادراً على تحمُّل المسؤولية.
ج- أن يكون مستعداً للتضحية بالراحة، والوقت، والمال من أجل الآخرين حتى يكون قادراً على الاستقطاب.
وهذه أساسيات يجب أن تتوافر في الكادر الذي نريد ترشيحه ونجاحه في عمله.
رابعاً: إنَّ مسؤول الإطار سواء على صعيد منطقة أو إقليم واجبه الحركي أن يوحِّد ولا يفرِّق، وأن لا يمِّيز بين هذا وذاك من الكوادر، لكن من حقه، ومن موقع المسؤولية الذي هو فيه، التدخل ليوجِّه النصيحة والإرشاد وأن يقنع الأعضاء باتخاذ خيارات وقرارات تتناسب مع قدراته، ومع شخصيته.. الخ، وإذا كان هناك مرشحون كُثُر بإمكانه التدخل ليطلب من الواحد التنازل لآخر إذا كان يمثله، ويثق به، ويتَّفق مع رأيه.
خامساً: لكن الذي لا يجوز إطلاقاً أن يقوم مسؤول الإطار ولمصالح خاصة، بالاتفاق مع مجموعة من الأسماء ضد مجموعة أُخرى، وإسقاطها لأنها تصبُّ في إطار تحالفات مع فريق آخر. فالمؤاتمرات ليست معارك شخصية لتكريس فريق واستبعاد آخر، وإنَّما هي تَسابق من أجل خدمة الحركة، وتصليب عودها، وتعزيز العلاقات الداخلية، ومساعدة الإطار للإنطلاق بشكل أقوى من السابق، وليس إدخال الإطار في صراعات وخلافات تزرع عدم الثقة بين الكوادر، فالهدف من المؤتمر هو تنقية الإطار من كل الشوائب، ومعالجته من كل الأمراض التنظيمية لجعله معافى من كل مخلّفات جهل الحقائق، وحالات الاحتقان. حتى نكون أقدر على مواجهة التحديات الخارجية والداخلية بعيداً عن الضغائن.
سادساً: إنَّ قائد الإطار، والإطار القائد الذي قاد الإطار خلال سنتين أو أكثر مطلوب منه حماية التنظيم أولاً، وليس حماية مصالحه أو حساباته الشخصية. ومطلوب منه أن يمنع أي تدخُّل من خارج الإطار في إطاره، لأنَّه هو المسؤول عن بيته وعن أسرته، وهو الذي يعالج مشاكلها بنفسه لأنَّه أخبر بها، ولا يجوز أن يسمح لأحد بالتدخل في بيته وأسرته، ليعلِّمه كيف يدير أموره، لأنه إذا سمح للآخرين بالتدخل، فبعد المؤتمر لن يستطيع إدارة الإطار مهما كان صاحب تاريخ نضالي، وعندما يصبح أعضاء الإطار الجديد المنتخب هم سفراء لمن أتى بهم على مسمع ومرأى منه شخصياً، فلن يستطيع القيادة إلاَّ بعد استرضاء الآخرين، وعندها تبدأ المعاناة، وتبدأ الصراعات الداخلية، ويصبح هو كالزوج المخدوع.
إنَّ مهمة صاحب الإطار في مرحلة إنعقاد المؤتمر هي أن يكون قائداً يحترم نفسه، ويحترم إطاره، وأن يقوم بدور التوجيه والارشاد، وتطبيق النظام، وحماية الإطار بعيداً عن الهزَّات والصراعات، وأن يُسلِّم الامانة على أكمل وجه.
إن قيمة أي مؤتمر هي بمضمونه، أي بالمداخلات التي تُقدَّم من قبل الاعضاء، وبالمذكرات الجماعية أو الفردية، والاقتراحات والتوصيات لأنها هي التي تدل على مدى الوعي، والجدية، والاستعداد لاستكمال مسيرة العمل النضالي.
وهناك فرق كبير بين مجموعة من الكادر همها تطوير وحماية الحركة، ومجموعة أخرى مشغولة بتجميع الاصوات لأن همَّها الفوز بنجاحها، لا الفوز بنجاح الحركة التي هي اكبر من الاعضاء.
على اعضاء الحركة الاوفياء لدماء الشهداء أن لا يبحثوا عن التكتلات، لأن التكتلات صراعات، وان لا يبحثوا عن الشِّلل، لأن الشِّلل هي الانحدار إلى الانهيار والشِّلل.
فلتكن مؤتمراتنا في لبنان محطة تنظيمية لتصليب حركة فتح، والحرص على بناء تنظيم طليعيٍّ متماسك يكون من صناعة الاطر التنظيمية التي قادت المرحلة السابقة، ويجب أن تقود المرحلة القادمة، وعندما يكون التنظيم صلباً ومتماسكاً تكون فتح بخير. وعندما يكون التنظيم مهزوزاً، وليس صاحب قرار ولا رؤية سليمة تكون حركة فتح في خطر. فهل يستطيع تنظيمنا في لبنان ونحن على ابواب المؤتمرات أن ينجح في حماية مستقبله، وان يصون نفسه من سهام الاختراقات؟؟!!