09 حزيران 2015
ما زال إطلاق القذائف الصاروخية من قطاع غزة على النقب، مرتين خلال ثلاثة أيام في الأسبوع الماضي، يعتبر مشكلة موضعية. المسؤول عن هذا الاطلاق هو جماعة سلفية متطرفة، على خلفية خلاف محلي مع سلطة «حماس» في القطاع، التي اعتقلت بعض نشطائها وقتلت أحدهم.
تعمل «حماس» من أجل منع استمرار الإطلاق، وتمنحها إسرائيل الوقت لمعالجة ذلك. حتى الآن هناك أمل لدى اسرائيل في أن سلطة «حماس» في غزة قادرة على التغلب على التهديد الداخلي ومنع تصعيده نحو مواجهة جديدة مع الجيش الاسرائيلي، كما يهدد السلفيون.
في التغطية الاعلامية الإسرائيلية حول التصعيد تمّ، أول من أمس، تصنيف المنظمة التي أطلقت على أنها «داعش». هذا الادعاء غير دقيق نسبيا. في الاشهر الاخيرة، على خلفية نجاح «داعش» في سورية والعراق، أعلنت منظمات جهادية مختلفة في العالم العربي انضمامها الى منظمة الجهاد العالمية. في بعض الاماكن مثل سيناء انبثق اتصال بين منظمة محلية (أنصار بيت المقدس) وبين «داعش»، ويبدو أن الأموال قد تدفقت. في أماكن اخرى، مثل غزة، يدور الحديث في الوقت الراهن عن خطوة رمزية. لكن اعتبار الاجهزة الامنية الاسرائيلية المنظمة الغزية هي «داعش» يخدم هدفين: يعزز نهج رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الذي يصف واقعا ارهابيا اسلاميا متطرفا على جميع حدود اسرائيل، ويوفر أيضا المبرر للسلوك الاسرائيلي. إذا كان الخيار بين «حماس» و»داعش» (عكس ادعاء نتنياهو بأن «حماس» هي «داعش») فإن هناك سببا يمنع اسرائيل من الاسراع الى اسقاط سلطة «حماس».
في الوقت الحالي، «حماس» واسرائيل لا تقومان بمعالجة المنظمات السلفية بشكل حازم. تجد «حماس» صعوبة في القضاء على السلفيين، رغم أن عددهم أقل بكثير من «الجهاد الاسلامي» الذي فُرضت عليه السلطة في غزة بسهولة. يبدو أن السلفيين يتصرفون بطريقة مختلفة ولا يتراجعون.
القلق الذي تثيره صافرات الانذار الليلية في النقب يمكن تفهمه على خلفية أحداث الصيف الماضي. والأمر الذي لا تتم مناقشته تقريبا هو الفجوة الكبيرة بين التصريحات العلنية لحكومة اسرائيل وبين أفعالها. رسميا تعتبر اسرائيل «حماس» عدواً، وتلقي عليها المسؤولية عن أي هجوم من غزة، وترد بشدة من خلال استهداف مستودعاتها رداً على أي اطلاق، وتهدد بتصعيد خطواتها.
عمليا، فإن سياستها معاكسة. فهي تشدد على عدم اصابة أي أحد في القصف، وتسعى الى تعزيز سلطة «حماس» (بشرط احترامها وقف اطلاق النار)، وتقوم بانشاء قنوات وساطة جديدة رغم معارضة مصر لذلك.
مصر هي اليوم الشريك الاقليمي الاقرب لاسرائيل. الدولتان توحدان القوى في مواجهة الجناح المحلي لـ «داعش» في سيناء، والمنظمات السلفية الاخرى الفاعلة في المنطقة، وتنسق بينها خطوات أخرى كثيرة. لكن فيما يتعلق بغزة ليس هناك أي توافق بينهما. فمصر لا تثق بنوايا «حماس»، وهي تستمر بحصار غزة عن طريق اغلاق معبر رفح، وتحاول دفع السلطة الفلسطينية للتدخل الكبير في المعابر. تشتبه اسرائيل بأن السلطة الفلسطينية غير معنية بأخذ أي مسؤوليات في غزة. اضافة الى ذلك، فان العلاقات بين القدس ورام الله متوترة أصلا على ضوء استناد حكومة نتنياهو الجديدة على ائتلاف يميني ضيق.
لهذه الأسباب يبدو أنه من المريح أكثر لاسرائيل التوصل الى تفاهمات غير مباشرة وعامة مع «حماس»، طالما أنها لا تلزم نتنياهو بتقديم تنازلات سياسية أو الاعتراف العلني بـ «حماس» كشريك.
هذه هي خلفية النشاط المكثف لممثلين قطريين في المنطقة، لا يهتمون فقط بالاعمار الاقتصادي للقطاع. والمصريون يشتبهون بأن تركيا ايضا، العدو الآخر لحكم الجنرالات في القاهرة وشريكة «الاخوان المسلمين» في الشرق الاوسط، تزيد من التدخل في القطاع. في الصيف الماضي، في ذروة الحرب، رفضت اسرائيل دمج قطر وتركيا في الوساطة مع «حماس»، ودخلت في جدال مع الولايات المتحدة بسبب استعداد الأخيرة لدراسة اقتراح الحل الذي قدمتاه. يبدو أن النظرة الاسرائيلية قد تغيرت.
كثير من اللاعبين يتواجدون في الملعب الغزي، وأغلبيتهم من وراء الكواليس.
يبدو أن التمرد السلفي الآن ضد «حماس» يهدد الاستقرار النسبي بين غزة واسرائيل، لكن من شأن هذا الخطر أن يأتي من الذراع العسكرية لـ «حماس» في مرحلة متأخرة، حيث تتصرف بشكل منفصل عن القيادة السياسية.
وفوق كل ذلك هناك الضائقة الاقتصادية. نسبة البطالة تقترب من 50 بالمئة، مصادر المياه الصالحة للشرب في خطر، والناس يشعرون بالحصار المتواصل (كما أكدت الشهادات التي نشرت في «هآرتس» في نهاية الاسبوع) ومن الصعب توقع الاستقرار لفترة من الزمن، حتى لو قدمت اسرائيل حتى الآن أكثر من مصر من أجل إعمار جزء من الاضرار التي تسببت بها حرب العام الماضي.
عن «هآرتس»