استضاف الصالون الفني في بيت ساحور الكاتبة والروائية فاطمة ذياب، للاحتفاء بروايتها "مدينة الريح"، وسط حضور من المثقفين والفنانين والمهتمين بالثقافة.
ورحبت الفنانة ريهام إسحق مديرة الصالون الفني بالحضور ، وتحدثت عن فكرة الدوافع لإقامة الصالون الفني في (بيت ستي العتيق- العقد) بعد ترميمه، وما تحلم وتطمح أن يقدمه في خدمة الفن والثقافة.
وتولت عرافة الأمسية الأديبة الشاعرة آمال عوّاد رضوان، فرحبت بالحضور والمضيفين والمنظمين، ثمّ تحدثت عن منجز فاطمة ذياب الأدبي منذ سنوات السبعين ثم التحاقها بسلك الصحافة، لتستمرّ في كتابة قصص الأطفال، وقصص للكبار (الخيط والطزيز- وجدار الذكريات)، ومسرحية (سرك في بير)، وكتاب مقالات (الضحك المر) ورواية (مدينة الريح)، وكتابها الأخير توثيق لمسيرة والدها (المختار يوسف عبدالله ذياب).
وتحدثت فاطمة ذياب عن أهم وأبرز المحطات في مسيرتها الأدبية، ثم كانت مداخلات وتساؤلات من الحضور، وعرض د. قسطندي شوملي مقارنة سريعة حول الرواية المعاصرة وما تطرحه من مواضيع تضم الماضي والحاضر باسلوب شيق، وفي نهاية اللقاء تم التقاط الصور التذكارية.
وكانت مداخلة روز شوملي بعنوان "مراجعة رواية مدينة الريح للروائية فاطمة ذياب: منذ السطور الأولى للرواية"، وبين" أن الكاتبة تعبر عن غربتها واغترابها في المدينة التي تسكن فيها، وتقارنها بالمدينة التي تريد. منذ البداية نعرف أن فاطمة ذياب تبحث عن مدينة أخرى، مدينة فاضلة، يكون فيها الجميع متساويين في الحقوق والواجبات؛ فاطمة تريد مدينة تحبها؛ تزرعها في بؤبؤ العينين".، وتنزرع فيها بالمقابل. وفي بحثها عن المدينة الفاضلة، تبحث فاطمة ذياب عن ذاتها لتحقق انسانيتها وكينونتها. وتقول في ذلك: "أحاول أن أرسم صورة لمدينة أخرى في ذاكرتي، أحاول أن أتذكر ملامحها. أحاول أن أراها بعين عذراء تماما كما كانت أيام كنت ومدينتي أقرب من حبل الوريد". تتشكل الرواية في طبعتها الثالثة من مدخل و 22 فصلا. أما المدخل فهو كلمة وفاء وامتنان. ومن أول فصل حتى آخر فصل، نجدنا مشدودين للرواية. وما يشدنا فيها هذا القلق الذي تعاني منه بطلة الرواية، وهذا الرفض لمدينة يسودها الخراب كما لو أنها المدينة التي تحدث عنها ت. س. اليوت، أو توفيق صايغ في مقدمته لمجموعة جبرا القصصية "عرق وبدايات من حرف الياء". لا أدري إن كانت الكاتبة قد قرأت عن مدينة اليباب، وإن لم تقرأ، فقد اكتشفت في المدينة، كما تشير الرواية، إلى انحدار في القيم، وتدهور في المعايير، وتشويه لما هو جميل. ومن خلال الرواية، نكتشف أن للاحتلال دور في هذا التشويه".
وأضاف" منذ الفصل الأول للرواية، نتعرف على الشخصية الأساسية في الرواية، فهي امرأة في الستينات من العمر، وهي ابنة المختار، رغم ذلك، تشعر بالاغتراب في مدينتها التي بدأ ينبش فيها الخراب، المحكومة بعادات وتقاليد تشدها للخلف. تبحث عن نفسها وعن مدينة أخرى، لا يوجد فيها سيد ومسود، مدينة تسمع صرختها، مدينة تزرعها في بؤبؤ العينين وتحبها هي في المقابل. وبطلة الرواية وساردتها هي ابنة المختار، السيد، الذي له السلطة المطلقة، تماما كصورة السيد في ثلاثية نجيب محفوظ... سيد كل شيء. سيد بيته وعشيرته ومدينته. وهو الذي يقرر كل شيء بما فيه الكتاب الذي تقرؤه ابنته. ومن تحكم السيد الأول تبدأ الحكاية، ومن التمييز بين الولد والبنت تسير الحكاية، وهذا ينطبق على كل بيت في مدينة الكاتبة. المتنفس الوحيد الذي أعطاها هامش حرية هو الكتابة. في الكتابة خلاصها. والسيد ليس فقط رب المنزل، فهناك سيد آخر هو رب العمل . كلاهما يتحكمان بالمرأة في فضاء البيت وفي مجال العمل. وفي الحالتين مطلوب من المرأة أن تقدم الولاء والطاعة. لكن بطلة الرواية انسانة تعي ذاتها، كما أنها صحفية وكاتبة، ولها شخصيتها المستقلة، ولفترة عملها في الصحافة، كانت تسكن في مدينة أخرى غير مدينتها، وهذا ما أعطاها نوعا من الحرية. وضمن عملها في الجريدة، زاد احساسها بمعاناة النساء. لذلك نجد الكاتبة تفتح ملفات الميراث، والاغتصاب، وتعدد الزوجات، والطلاق، لأنها تؤمن بأن للمرأة حق في حياة كريمة. ومن الطبيعي أن تدخلها هذه الموضوعات في تناقض مع السيدين (رب البيت ورب العمل)، كما تدخلها في تناقض مع العادات والتقاليد السائدة. وفي حديث لها مع زميلها في العمل وصديقها تقول: ""كانت غاية أحلامي أن أحتل ولو ربع مقعد في قصر السيد. ولم أكن أعرف يومها أنني كي أُقبل قطروزه (خادمة) في هذا القصر عليّ أن أفعل ثلاثة، أن أرى بعين السيد، أن أسمع بأذنيه، أن أتكلم بلسانه."
وأشار الى" ويتميز نص فاطمة الروائي بالسخرية والدعابة. وهذا ما يجعل النص خفيفا للقراءة، لكنه عميق من حيث معانية المخفية والمتوارية خلف الكلمات. وفي كثير من الأحيان، تتضمن المواقف سخرية مرّة من قبل الكاتبة، إما بسبب انتهاك هذه المواقف لكرامة المرأة، أو بسبب سطحيتها التي ترد عليها بسخرية مرّة. وكثير من هذه المواقف تأتي ضمن الموروث الاجتماعي الذي يعتبر، لدى المجتمع مقدسا ولا يجوز تغييره".
وعن المدينة تقول الكاتبة"مليون وجع أحمله داخلي وعلى كتفي من مدينتي التي فقدت بكارتها في ليل اغتصاب...وظللت من محاولة إلى محاولة أعالج قسوة المدينة التي أحبها وأبحث عنها". وفي مكان آخر تقول" أنا في رحلة بحث عني وعن فكرة تخصني وتحضنني، تلمني كي تجمعني انسانة أخرى في مدينة أخرى، في زمن آخر".