كنا توقعنا في مقالات سابقة أن يشمل التراجع في قدرة الجماعات الإخوانية البقاء في الحكم، بعد ما حدث في مصر وتونس، تركيا أيضاً، وهذا ما حدث فعلاً، فرغم أن حزب العدالة والتنمية حصل على أكبر عدد من مقاعد البرلمان التركي من بين أربعة أحزاب نجحت في تجاوز نسبة الحسم والدخول للبرلمان التركي، إلا أن الحزب فقد ما كان قد حققه طوال ثلاثة عشر عاماً مضت، من الفوز بالأغلبية البرلمانية التي تمكنه من تشكيل الحكومة منفرداً.
الانتصارات المتتالية التي كان يحققها حزب العدالة والتنمية خلال السنوات الماضية دفعت زعيم الحزب رجب طيب أردوغان للتقدم نحو السلطة بشكل شخصي ومتفرد بخطوتين حاسمتين متتاليتين، فبعد أن كان عبد الله غول الرجل الثاني في التسلسل القيادي للحزب، الذي عاد لقيادة تركيا منذ عام 2002، تسلم رئاسة الحكومة أولاً، فإن أردوغان وبعد أن استتب الحكم لحزبه رأس الحكومة شخصياً، فيما تم منح غول منصب رئيس الجمهورية الشرفي في الانتخابات التالية تطلع أردوغان لمنصب رئيس الجمهورية ولكن بعد تعديل الصلاحيات، بحيث لا يكون رئيساً شرفياً، لذا فقد تولي منصب الرئيس، بعد الانتخابات السابقة، ومنح منصب رئيس الحكومة الذي صار أقل أهمية بعد تقليص صلاحياته، لأحمد داوود أوغلو الذي كان يتولى منصب وزير الخارجية حين كان أردوغان رئيس الحكومة.
أراد أردوغان زعيم الحزب التي يحتل المكانة الأولى منذ سنوات، أن يكمل مسيرته باتجاه القبض على مقاليد الحكم بشكل فردي، بعد تحويل نظام الحكم في تركيا من النظام الديمقراطي البرلماني إلى النظام الرئاسي، الذي يكرسه حاكماً فرداً، كما هو حال الرئيس الأمريكي أو الفرنسي أو حتى كما كان عليه حال السلاطين العثمانيين فيما مضى من عقود، أي قبل الحرب العالمية الأولى التي أسقطت نظام الخلافة العثمانية وجاءت بحكم أتاتورك العسكري الذي قاد تركيا على طريق علماني انتهى بنظام حكم ديمقراطي برلماني.
بنتيجة الانتخابات التي جرت مطلع الأسبوع لم تتعرض طموحات أردوغان الشخصية للإحباط وحسب، بل أن حزبه بات أمام خيارات صعبة في مواجهة استحقاق ما بعد الانتخابات، بعد أن فقد الأغلبية البرلمانية التي كان يتمتع بها سابقاً، قد تصل إلى حد أن يضطر إلى تشكيل حكومة أقلية، أي حكومة مؤقتة لحين إجراء انتخابات مبكرة جديدة قد تشهد تراجعاً إضافيا في نسبة المؤيدين له.
والحقيقة أن حزب العدالة والتنمية استطاع البقاء في الحكم طوال ما يقارب عقداً ونصف بشكل متواصل نظراً إلى أن تركيا حققت نسبة نمو اقتصادي عالية، كما أنها عوضت فشلها في دخول الاتحاد الأوروبي بتنامي نفوذها الإقليمي في العالم العربي من خلال جماعات الإسلام السياسي السني، خاصة الإخوان المسلمين الذين لولا تعرضهم إلى انتكاسات سياسية أسقطت بعضهم وأخرجت بعضهم الآخر من مواقع السلطة التنفيذية الأولى في أكثر من بلد عربي، بعد وقت قصير، لم يدم أكثر من عام واحد، كما حدث في مصر، لكانت تركيا / أردوغان تظهر الآن كدولة عظمي إقليمياً، إلا أن ما كان كافياً خلال عقد مضى من السنين لم يعد كافياً فيما يبدو هذا العام، ذلك أن الأحزاب الثلاثة الأخرى التي دخلت البرلمان مع حزب العدالة، كل منها يختلف مع حزب أردوغان في ملف سياسي.
ورغم أن نظام الانتخابات التركي يعتبر نظاما مستبداً، لا مكان للأحزاب الصغيرة فيه، وهو من جانب كونه نظاماً برلمانياً كذلك تجري الانتخابات على قاعدة التمثيل النسبي الكامل، أي على قاعدة اعتبار البلاد كلها دائرة واحدة، بما يعني أن الشعب التركي ينتخب أحزاباً على أساس برامج وليس أفراداً على أسس أخرى منها ما هو أثني أو طائفي أو عشائري، إلا أن ارتفاع نسبة الحسم إلى 10% كشرط لدخول أية قائمة البرلمان يعني من جانب آخر، أن كل قائمة مرشحة عليها أن تحصل على أصوات أكثر من 5,5 مليون ناخب حتى تتمثل في البرلمان!
وربما كان هذا الشرط يهدف إلى منع دخول الأكراد بالتحديد والأقليات الأخرى لبرلمان البلاد، بما يعني أن تصويت الأكراد لحزب الشعب الديمقراطي وفق برنامج أساسه الاندماج والمساواة في المواطنة، خلق تحدياً جديداً للإسلام السياسي التركي ممثلاً في حزب الرفاه.
ربما لم يصل مستوى الاحتجاج أو الرفض الشعبي التركي لحزب أردوغان لدرجة إسقاط الحزب من قمة الهرم السلطوي، وتنصيب حزب الشعب الجمهوري المعارض، لكن الأمر يشبه إلى درجة ما حدث في إسرائيل قبل نحو ثلاثة أشهر، أي تحجيم الحزب الحاكم دون إسقاطه، وبما يعني إخراجه من الحكم بالنقاط وليس بالضربة القاضية، أو في أحسن الأحوال وضع حد لتماديه في الحكم وفي التطرف بالذهاب بعيداً في تغيير الوجهة «التاريخية» للبلاد، ذلك أن خيارات الحزب كلها صعبة، فهي تتراوح بين الائتلاف مع الخصم، الحزب الجمهوري، الذي يعارض سياسة أردوغان في سورية، أو الحزب القومي الذي يرفض محاولة أردوغان الذهاب للنظام الرئاسي، أو مع الأكراد الذين يطالبون بالإفراج عن عبد الله أوجلان، أو تشكيل حكومة أقلية بدعم بعض أعضاء المعارضة، أو الفشل في تشكيل حكومة، هذا إذا فشلت الأحزاب الثلاثة الأخرى أيضاً في تشكيل حكومة دون حزب العدالة، وبالتالي التحضير لانتخابات جديدة بعد 45 يوماً، وكل هذه الخيارات أحلاها مر، لذا يمكن القول بأن حزب العدالة لم يخسر الانتخابات تماماً، لكن الخاسر الأكبر كان أردوغان شخصياً وطموحاته التي تجاوزت الحدود، والتي لو نجحت في هذه الدورة الانتخابية بالتحديد، لكانت تركيا قد ذهبت إلى تجربة نظام حكم الفرد الذي لم يعد أحد في العالم يطيق وجوده!
الانتصارات المتتالية التي كان يحققها حزب العدالة والتنمية خلال السنوات الماضية دفعت زعيم الحزب رجب طيب أردوغان للتقدم نحو السلطة بشكل شخصي ومتفرد بخطوتين حاسمتين متتاليتين، فبعد أن كان عبد الله غول الرجل الثاني في التسلسل القيادي للحزب، الذي عاد لقيادة تركيا منذ عام 2002، تسلم رئاسة الحكومة أولاً، فإن أردوغان وبعد أن استتب الحكم لحزبه رأس الحكومة شخصياً، فيما تم منح غول منصب رئيس الجمهورية الشرفي في الانتخابات التالية تطلع أردوغان لمنصب رئيس الجمهورية ولكن بعد تعديل الصلاحيات، بحيث لا يكون رئيساً شرفياً، لذا فقد تولي منصب الرئيس، بعد الانتخابات السابقة، ومنح منصب رئيس الحكومة الذي صار أقل أهمية بعد تقليص صلاحياته، لأحمد داوود أوغلو الذي كان يتولى منصب وزير الخارجية حين كان أردوغان رئيس الحكومة.
أراد أردوغان زعيم الحزب التي يحتل المكانة الأولى منذ سنوات، أن يكمل مسيرته باتجاه القبض على مقاليد الحكم بشكل فردي، بعد تحويل نظام الحكم في تركيا من النظام الديمقراطي البرلماني إلى النظام الرئاسي، الذي يكرسه حاكماً فرداً، كما هو حال الرئيس الأمريكي أو الفرنسي أو حتى كما كان عليه حال السلاطين العثمانيين فيما مضى من عقود، أي قبل الحرب العالمية الأولى التي أسقطت نظام الخلافة العثمانية وجاءت بحكم أتاتورك العسكري الذي قاد تركيا على طريق علماني انتهى بنظام حكم ديمقراطي برلماني.
بنتيجة الانتخابات التي جرت مطلع الأسبوع لم تتعرض طموحات أردوغان الشخصية للإحباط وحسب، بل أن حزبه بات أمام خيارات صعبة في مواجهة استحقاق ما بعد الانتخابات، بعد أن فقد الأغلبية البرلمانية التي كان يتمتع بها سابقاً، قد تصل إلى حد أن يضطر إلى تشكيل حكومة أقلية، أي حكومة مؤقتة لحين إجراء انتخابات مبكرة جديدة قد تشهد تراجعاً إضافيا في نسبة المؤيدين له.
والحقيقة أن حزب العدالة والتنمية استطاع البقاء في الحكم طوال ما يقارب عقداً ونصف بشكل متواصل نظراً إلى أن تركيا حققت نسبة نمو اقتصادي عالية، كما أنها عوضت فشلها في دخول الاتحاد الأوروبي بتنامي نفوذها الإقليمي في العالم العربي من خلال جماعات الإسلام السياسي السني، خاصة الإخوان المسلمين الذين لولا تعرضهم إلى انتكاسات سياسية أسقطت بعضهم وأخرجت بعضهم الآخر من مواقع السلطة التنفيذية الأولى في أكثر من بلد عربي، بعد وقت قصير، لم يدم أكثر من عام واحد، كما حدث في مصر، لكانت تركيا / أردوغان تظهر الآن كدولة عظمي إقليمياً، إلا أن ما كان كافياً خلال عقد مضى من السنين لم يعد كافياً فيما يبدو هذا العام، ذلك أن الأحزاب الثلاثة الأخرى التي دخلت البرلمان مع حزب العدالة، كل منها يختلف مع حزب أردوغان في ملف سياسي.
ورغم أن نظام الانتخابات التركي يعتبر نظاما مستبداً، لا مكان للأحزاب الصغيرة فيه، وهو من جانب كونه نظاماً برلمانياً كذلك تجري الانتخابات على قاعدة التمثيل النسبي الكامل، أي على قاعدة اعتبار البلاد كلها دائرة واحدة، بما يعني أن الشعب التركي ينتخب أحزاباً على أساس برامج وليس أفراداً على أسس أخرى منها ما هو أثني أو طائفي أو عشائري، إلا أن ارتفاع نسبة الحسم إلى 10% كشرط لدخول أية قائمة البرلمان يعني من جانب آخر، أن كل قائمة مرشحة عليها أن تحصل على أصوات أكثر من 5,5 مليون ناخب حتى تتمثل في البرلمان!
وربما كان هذا الشرط يهدف إلى منع دخول الأكراد بالتحديد والأقليات الأخرى لبرلمان البلاد، بما يعني أن تصويت الأكراد لحزب الشعب الديمقراطي وفق برنامج أساسه الاندماج والمساواة في المواطنة، خلق تحدياً جديداً للإسلام السياسي التركي ممثلاً في حزب الرفاه.
ربما لم يصل مستوى الاحتجاج أو الرفض الشعبي التركي لحزب أردوغان لدرجة إسقاط الحزب من قمة الهرم السلطوي، وتنصيب حزب الشعب الجمهوري المعارض، لكن الأمر يشبه إلى درجة ما حدث في إسرائيل قبل نحو ثلاثة أشهر، أي تحجيم الحزب الحاكم دون إسقاطه، وبما يعني إخراجه من الحكم بالنقاط وليس بالضربة القاضية، أو في أحسن الأحوال وضع حد لتماديه في الحكم وفي التطرف بالذهاب بعيداً في تغيير الوجهة «التاريخية» للبلاد، ذلك أن خيارات الحزب كلها صعبة، فهي تتراوح بين الائتلاف مع الخصم، الحزب الجمهوري، الذي يعارض سياسة أردوغان في سورية، أو الحزب القومي الذي يرفض محاولة أردوغان الذهاب للنظام الرئاسي، أو مع الأكراد الذين يطالبون بالإفراج عن عبد الله أوجلان، أو تشكيل حكومة أقلية بدعم بعض أعضاء المعارضة، أو الفشل في تشكيل حكومة، هذا إذا فشلت الأحزاب الثلاثة الأخرى أيضاً في تشكيل حكومة دون حزب العدالة، وبالتالي التحضير لانتخابات جديدة بعد 45 يوماً، وكل هذه الخيارات أحلاها مر، لذا يمكن القول بأن حزب العدالة لم يخسر الانتخابات تماماً، لكن الخاسر الأكبر كان أردوغان شخصياً وطموحاته التي تجاوزت الحدود، والتي لو نجحت في هذه الدورة الانتخابية بالتحديد، لكانت تركيا قد ذهبت إلى تجربة نظام حكم الفرد الذي لم يعد أحد في العالم يطيق وجوده!