يُصادف اليوم السبت، الذكرى السنوية الثالثة عشر لاستشهاد القائد الفلسطيني ورمز الثورة والنضال الوطني الفلسطيني، بكوفيته وزيّه العسكري ومسدسه الذي لم ينزعه عن خاصرته، الشهيد ياسر عرفات 'أبو عمار".
وفي هذه الذكرى أجرت وكالة "خبر" لقاءًا مطولاً مع مستشار "أبو عمار"، أ. بسام أبو شريف، داخل منزله في مدينة أريحا للحديث عن مناقب حياته، والمواقف الأبرز في حياة الزعيم ياسر عرفات، بالإضافة إلى الحديث عن آخر ما وصلت إليه لجان التحقيق في ملف اغتياله.
وقال أبو شريف خلال حوارٍ أجراه مراسل وكالة "خبر" بكر عمر، إن "ياسر عرفات كان يمثل في كل المحالف الرسمية الشعب الفلسطيني، والقضية الفلسطينية، ولم يكن يسمح أبداً لأي جهة بأن تُهين الشعب الفلسطيني أو القضية، لأنه كان كرامة وعزة وافتخار وإرادة على السير نحو تحرير فلسطين والمسجد الأقصى".
وتابع: "في إحدى المرات كنت أرافق أبو عمار في زيارة لأحد أمراء الخليج وهو رئيس دولة خليجية، فذكره ياسر عرفات بأن عدة عشرات ملايين من الدولارات لم تدفع في الوقت المحدد، وأن صندوق أسر الشهداء يشكو من قلة الأموال، وطالبه بأن يُحول ما ترتب عليهم حسب قرار القمة الرباعية، إلا أن رئيس الدولة الخليجية قال أعطكيناكم كثيراً، فرد عليه أبو عمار بالقول: "أنا أطلب ما ترتب عليكم في القمة العربية، وأنا بسأل لشعبي من أموال الأمة العربية بحسب القمة".
وأشار إلى أن "أبو عمار توجه إلى المطار فوراً وقام الجميع خلفه يرجوه بألا يغادر، مؤكداً على أنهم رفضوا مغادرته إلا بعد دفع الأموال المترتبة على تلك الدولة حسب قرار القمة العربية".
وبيّن أبو شريف، أن هذ الموقف جعله يرى أبو عمار رجل السياسة والدبلوماسية، لأن حديث رئيس الدولة الخليجية كان على حساب كرامة أبو عمار، مضيفاً: "شاهدته عدت مرات وهو يقاتل بالكرامة وكيف اتخذ ذلك القرار عندما جائتنا المعلومات أن إسرائيل تهيئ لعبور النهر نحو الضفة الشرقية للقضاء على القواعد البسيطة التي نمتلكها، بعزم أبو عمار على المواجهة وكنا حفنة من الرجال".
وتابع: "كان أحمد جبريل وضباط من المقاومة في غزة قد قرروا الانسحاب تكتيكاً، فكانت وجهة أبو عمار مختلفة بأن التصدى لهذه القوة سيساهم في إزالة الظلام المخيم على الوطن العربي بعد هزيمة عام 67، كما كان رأي ياسر عرفات بأن الصمود وتدمير دبابة واحدة سيرفع المعنويات".
وأردف أبو شريف: "أن أبو عمار صمم بالتعاون مع الجيش العربي الأردني على ضرب القوة الإسرائيلية" وأن هذا الاتفاق والتوافق بين سلاح المقاومة والجيش العربي الأردني أنزل هزيمة بالقوات الإسرائيلية".
وضمن حديثه عن مواقف فارقة في حياة الزعيم، قال: "في إحدى المرات كان أبو عمار متوجه من مطار رفح إلى قطاع غزة، فقيل له إن المستوطنين يقيمون حاجز على الطريق، فأصدر تعليماته بتوقيف الموكب وأخرج السلاح من حقائبه ومسك الرشاش والشباب تسلموا أسلحتهم، وقال سنواجه هذا الحاجز بالرصاص".
وأوضح أبو شريف، "أنه عندما حاصر شارون مقر المقاطعة، جاء ذلك بعد حملة طويلة، حيث إن كل تصريح أدلى به شارون كان يركز على أن الرئيس ياسر عرفات مصدر الإرهاب، وذلك سواء نفذ العملية حماس أو غيرها، فكان التركيز ينصب على قتله".
ولفت إلى أنه مع بدء حصار مقر المقاطعة، حذّر ياسر عرفات من نية شارون إتخاذ قرار بالهجوم عليه شخصياً، قائلاً: "حين فرض الحصار أنا كنت موجود برفقة أبو عمار، وعندها لم يتحرك أي قائد عربي، في وقتٍ كان ياسر عرافت يتم قصف مقره بالصواريخ".
وأضاف: "تلقى شارون خلال اجتماع عقده مع الكابنيت المصغر، اتصالاً هاتفياً من الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش، ووعده شارون بألا يتم المساس بياسر عرفات جسدياً، ولكنه يريد أن يتخلص منه بأي شكلٍ كان".
وكشف أبو شريف، "بأن صحفياً إسرائيلياً كان قد قدم له خدمة، جاء له وأخبره بأنه سمع موفاز يقول لشارون بعد الاجتماع: (لقد أضعت علينا فرصة التخلص من ياسر عرفات، ولكن ما زال هناك فرصة للتخلص منه دون أن يتم إدانة إسرائيل)، فكتبت للرئيس ياسر عرفات بالتحليل ومن تجاربي السابقة كتسميم وديع حداد وخالد مشعل".
وتابع: "أشك أن إسرائيل سممت جمال عبد الناصر، وما زلت أبحث في ذلك حيث إن الطريقة الأخرى التي تستخدمها إسرائيل بالاغتيال هي التسميم، لذلك كتبت لأبو عمار بأن هناك تحليل توصل لخلاصات شبه جازمة بأن إسرائيل ستضع له السم في الخفاء"، مشيراً إلى أن هذه الرسالة جرى نشر نصها في كتاب ياسر عرفات.
وقال أبو شريف: "رسالتي لماذا لم يتم أخذها بعين الاعتبار خلال الاجتماع الذي طرح فيه ياسر عرفات رسالتي للبحث، فقام أحد المسؤولين الكبار وهو الآن مسؤول كبير بالقول أنا لا أثق بتقرير بسام ولا ببسام وهذا كلام فاضي وعندما بلغني هذا الكلام رحت لياسر عرفات وقلت له إخرج من فلسطين وأنت بالخارج ستخدم الشعب الفلسطيني أكثر بكثير من تواجدك بالمقاطعة، لأن خروجك سيقوي القضية الفلسطينية ويخدم موقفنا ويُحرج إسرائيل لأنها لا تريد تنفيذ الاتفاق".
وتابع: "تم عرض هذا الكلام على المسؤول الكبير الذي قال بأنه إذا خرجت لن يسمح لك بالعودة، فتخوف ياسر عرفات من عدم السماح له بالعودة، فقلت له حتى لو لم تستطيع العودة استمر بالقيادة من الخارج".
للمرة الأولى
وقال أبو شريف: "أكد لي في مرحلة لاحقة شخص آخر، وأنا سأقولها لأول مرة أن هناك قرار بالتخلص من الثعلبين العجوزين، فقلت له مشيراً إلى مكتب أبو عمار، أنني أعرف ثعلباً منهم، فمن هو الثعلب الثاني، قال لي شارون".
وأضاف: " إذاً القرار ليس قرار شارون، بل إن الجهة التي تتحكم واتخذت قرار بإعدام رابين لأن اليهودي لا يقتل يهودي إلا إذا فقد يهوديته، وشارون مات بنفس السم الذي قُتل فيه ياسر عرفات، ولم تقوم الحكومة بمتابعة مرضه بالمستشفى حسب ما قالوا ولا حتى دفنوه رسمياً، ولم يمنحوه أي شكليات أو رسميات للدفن، لأن شارون قُتل مسموماً وأبقى على الأجهزة لأطول فترة ممكنة، ولو بقيت الأجهزة على ياسر عرفات لبقي حياً حتى الآن، ولكنه ميت بالفراش، لأنهم أخروا فترة شارون حتى لا يظهر التوافق بين اغتيال ياسر عرفات وشارون".
وأكد أبو شريف، على وجود جهة كانت تمنع كل الحلول التي قد تؤدي بياسر عرفات لمغادرة أرض الوطن، واقناعه بالتواجد داخل أرض فلسطين وعدم مغادرتها، لأنها كانت تعلم بأن شارون يريد التخلص من ياسر ياسر عرفات، وأن شارون قال لبعضهم وجهاً لوجه لايمكن أن تتم أي من الأمور لطالما بقي ياسر عرفات حياً".
أصابع الاتهام
ووجه أبو شريف أصابع الاتهام في إخفاء الشخص الذي وضع السم لياسر عرفات، للرئيس محمود عباس "أبو مازن"، ورئيس لجنة التحقيق في اغتياله لأنه يُخفي هذا الأمر عن الشعب الفلسطيني.
وأضاف: "سمعت كما سمع كل الناس أن أبو مازن يقول أمسكنا الفاعل، واختفى الأمر بعد ذلك"، مشيراً إلى أنه بعد استشهاد أبو عمار عقد مؤتمراً صحفياً أجزم خلاله أن ياسر عرفات مات مقتولاً بالسم، وأن ذكر وقتها نوع السم المستخدم في قتله، إلا أن ذلك لم يلقى أي صدى أو قبول، كما رفضوا تشريح جثمانه، وأيضاً قتلوا الدكتور أشرف الكرد، والذي كان يتفق معي بالتحليل".
وشدّد أبو شريف، على أنه يمتلك شهادة من كبير خبراء السموم البريطانية، والذي يتفق معه بأن السم المستخدم في قتل ياسر عرفات، هو سُم الباليوم، وليس غاز البولونيوم"، مضيفاً: "جائني اسم هذا السم الذي استخدم من شخص أمريكي تربطني به علاقة صداقة قديمة، وأصبح في موقع مسؤول، وأرسل لي اسم هذا السم".
وختم أبو شريف حديثه، بالقول: "ياسر عرفات بطل وطني فلسطيني، قاد مرحة من أهم مراحل الشعب الفلسطيني، ونجح في لم شمل الفصائل المبعثرة في منظمة التحرير، وأصبح للفلسطينيين ممثلاً شرعياً وحيداً هي منظمة التحرير، التي لا بد أن يحرص الشعب الفلسطيني على ديمقراطيتها وضخ الدماء بها بين الحين والآخر، حتى لا تصاب بالشلل والعفن كما هي الآن".