"القدس".. بلا نصير

التقاط.JPG
حجم الخط
 

عندما كان مرشحاً للرئاسة وأثناء حملته الانتخابية لم يتردد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى إعلان رغبته نقل السفارة الأمريكية فى إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، لكنه لم يفعل بعد أن جاء رئيساً، كما لم يفعل ذلك نحو 20 رئيساً أو مرشحاً لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية فى الماضى، لكن وحتى كتابة هذه السطور وفى الوقت الذى يُنتظر القرار السياسى للرئيس الأمريكى ترامب الذى سيصدره الأربعاء «أى قبل نشر المقال بيوم» بشأن الاعتراف بالقدس العاصمة الرسمية لإسرائيل، وربما يطلب أيضاً نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، بدأت تُسمع أصوات أخرى فى الولايات المتحدة توضح أنه من المحتمل أن يوقع ترامب على أمر تأجيل نقل السفارة، كما فعل رؤساء الولايات المتحدة منذ عام 1995، لكن خطابه أثناء التوقيع سيعترف فيه بأن القدس الموحدة هى عاصمة إسرائيل وهى خطوة مثيرة للقلق الفلسطينى والمخاوف الدولية والعربية.

عملياً يبدو أن الأمريكيين ما زالوا يواصلون تحصين البنية التحتية لنقل السفارة إلى موقعها الجديد فى القدس، وبدأ المهندسون والمصممون المعماريون الأمريكيون بفحص المنطقة التى من المحتمل أن تنقل السفارة إليها قريباً وفقاً لتقارير القناة الإخبارية المركزية الإسرائيلية، ففى الأسابيع الماضية وصل ممثل ترامب لرؤية المكان المخصص لإقامة السفارة «فندق دبلومات» فى القدس، وبدأ يتعاون الأمريكيون مع مهندس معمارى معروف فى القدس، وهو يشكل حلقة الاتصال بين ممثلى ترامب ولجنة التخطيط والبناء فى القدس، التى من المفترض أن توافق فى النهاية على الخطط الأمريكية رسمياً، وكشف تقرير أن الوثائق المقدمة إلى هيئات التخطيط المسئولة تشير إلى أن الخطة الأمريكية لبناء السفارة قد تبلورت فعلاً بما فى ذلك خريطة المبنى وكيفية تأمينه وتحصينه ونقاط حراسته والجدران الأمنية والكاميرات الإلكترونية، فهل تندرج تلك الاستعدادات ضمن المخطط الجديد الذى يرسمه ترامب بمساعدة ولى العهد السعودى محمد بن سلمان فى المنطقة؟

إن أخطر ما فى الأمر هو ما نقلته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية عن مصادر رسمية فلسطينية وعربية وأوروبية عن اقتراح ولى العهد السعودى محمد بن سلمان الذى عرضه على الرئيس الفلسطينى محمود عباس أثناء زيارته الخاطفة والمفاجئة للسعودية الشهر الماضى، والذى يرمى إلى تصفية القضية الفلسطينية بانحيازه الكامل لإسرائيل أكثر من خطة ترامب شخصياً، مقترح بن سلمان يقضى بأن تكون الدولة الفلسطينية مقسمة إلى عدد من المناطق ذات حكم ذاتى مع الإبقاء على المستوطنات الإسرائيلية فى الضفة الغربية ملكاً لإسرائيل، وتكون «أبوديس» عاصمة فلسطين وليس القدس الشرقية المحتلة، وكذلك لن يمنح حق العودة للاجئين الفلسطينيين، بن سلمان عرض على عباس أموالاً طائلة للسلطة الفلسطينية وله شخصياً، وطالب الرئيس أبومازن بالاستقالة فى حال رفض هذا العرض، وهو العرض الذى رفضه الرئيس أبومازن بالفعل!.

رغم نفى المسئولين فى المملكة السعودية لوجود مثل هذا المقترح ونفى المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبوردينة لما ورد فى المقترح واعتباره أخباراً زائفة لا أساس لها، فإنه لا يوجد دخان دون نار، خاصة أن «نيويورك تايمز» عادت لتؤكد أن النقاط الرئيسية للاقتراح السعودى الذى عُرض على الرئيس الفلسطينى والتهديد بإقالته أكدها كثير من الفلسطينيين والعديد من المسئولين الغربيين وقيادى كبير من حركة فتح ومسئول فلسطينى فى لبنان ومسئول لبنانى رفيع المستوى وآخرون، وبغض النظر عن صحة الاقتراح ومدى جديته فإن العلاقة الوثيقة التى تربط كلاً من بن سلمان وصهر ترامب ومستشاره جاريد كوشنر تثير التساؤلات، فكلاهما لا يمتلك الكثير من الخبرة فى مجال السياسة الخارجية، لكنهما يعتبران نفسيهما إصلاحيين مبدعين قادرين على كسر القواعد والنمطية الفكرية التى يعتبرانها من الماضى.

بين النفى والشك والرفض يظل الفلسطينيون عالقين وسط هواجسهم، قلقين مما يحاك فى الغرف المغلقة حتى وإن كانت هذه الخطط صعبة التحقق، فالخشية تنبع من أن تلك الخطط تأتى فى سياق دراماتيكى وأحداث متسارعة فى منطقة الشرق الأوسط لن يكون مستبعداً أن يتم اتخاذ خطوة صادمة للمنطقة بأسرها مثل خطوة نقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس مثلاً أو الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل، وإن كانت خطوة من هذا النوع تنطوى على مخاطر لا تحمد عقباها وتتعارض مع الدور الأمريكى كوسيط وراع لعملية السلام بل يخرجها من هذا الدور ويحرر القيادة الفلسطينية من أى تفاهمات سابقة مع الإدارة الأمريكية، صحيح أن هذا القرار سيجابه باحتجاجات واسعة فى الأراضى الفلسطينية وفى أنحاء العالم الإسلامى، لأن القدس ليست فقط عاصمة دولة فلسطين بل هى شأن عربى إسلامى يخص الأمة العربية والإسلامية جمعاء، وستعقد الجامعة العربية اجتماعات طارئة على مستوى وزراء الخارجية للبحث عن مخرج والتى فى نهاية المطاف ستسفر اجتماعاتها عن بيان هزيل كعادة العرب، لا يعدو كونه خطاباً حماسياً وكلمات رنانة لا قيمة لها! لكن كل ذلك لن يكون كافياً فى معركة تقرير مصير طال أمده، وإن لم يكن هناك تحرك فورى موحد لمواجهة المخططات الأمريكية والإسرائيلية فإن الوضع سيكون كارثياً على المنطقة بأسرها.

عن الوطن المصرية