أبجدية الطائر.. إلى الشهيد إبراهيم أبو ثريا
شعر : المتوكل طه
لاءٌ بلا ساقين للشُهداءِ
والهمزةُ آبراهيمُ في اأَ سماءِ
يمشي على الكرسيِّ أو يمضي إلى
دُولابِهِ ، كُرْهاً ، إلى الأنحاء
يبقى جليساً مُقْعَداً حتى إذا
هبَّتْ حجارةُ قُدْسِه الحَمراءِ
جاءَتهُ أقدامُ الجِبالِ فطاولتْ
غيمَ البروقِ ورَعْدةَ الوَمْضاء
هذا سبيلُ الصاعدين لقُدْسِهم
بقوادِمٍ شَقَّت على العنقاءِ
قعدوا فَقامَ ، تقهقروا فتقدّمتْ
روحٌ هي الأنْفاسُ في الأَحياءِ
هو نصفُ جسْمٍ غيرَ أنَّ فِعالَهُ
تربو على ألفٍ من البُلَداءِ
فالعَجزُ إعْجازٌ أَتَمَّ بيانَهُ
وكمالُهُ في غَيْبةِ الأعضاءِ
وَلَرُبَّ قلبٍ في صحيحٍ لم يكن
إلا لساناً في فَمِ البكماءِ
ولربَّ نَصْلٍ ظلَّ في أثوابهِ
مثل العصا في حمأةِ الهيجاءِ
أين الأكفُّ القادراتُ ؟ ألم ترى
قدمينِ طارا من يدٍ بتراءِ
فَتَرَنّمَتْ ريحُ اللّظى بأصابعٍ
وتقاطَرَ الماوَردُ في الأنداء
وعلى القميصِ دَمُ اجتراحِ هُبُوبِه
فَتَعالتِ الرّاياتُ في الأنواء
نجمٌ على نارِ الغمامةِ .. نثْرُهُ
وَهَجٌ يُحَرِّقُ عُتمةَ الغَطْشاء
طيرٌ أتى للقدسِ مثلَ بُراقِها
يسري .. ليعرجَ سيّدُ الطُلقاء
جمعَ الحياةَ بِجيمِ طلقَتِه التي
فتحتْ جروحَ البرقِ في الأرجاء
حتى دنا أو قابَ عندَ المُنتهى
وأضاءَ خلفَ حِجابِه في الحَاء
وخلا مع المولى وعاد مُرَنَّقاً
طِيْباً يُضَوِّعُ طاهرَ الأجواءِ
***
يا ابنَ الثريا والشظايا لم تزلْ
في لَحْمِكَ المَسْكونِ بالَلألاءِ
وعلى مُحيّا القَوسِ كنتَ مُجَنَّحاً
يا باشقَ الإعصارِ في العلياءِ
داري هنا ، دالُ الدروبِ وعودةٍ
لسواحلي ومجامري وهوائي
والذالُ تُذكي نارَ عِزّي كلّما
تعدو .. أُسَعِّرُها بِذَوْبِ نِدائي
رابطتُ في أقصى البهاءِ ورايتي
لوّاحةٌ في خافقاتِ لوائي
وَزَها دمي في الأرضِ يوم توزَّعتْ
كِسَفاً على مَن يستحلُّ دمائي
ولذا يصحُّ زحافُ خَطْوي كلِّه
ويجوزُ عكسُ الحَرفِ في إقوائي
سنظلُّ في سِين السنابلِ ، مثلما
سنكونُ طاقَ الرَّجْعِ للوَرقاء
وإذا تهبُّ رياحُنا ناختْ لنا ..
فسِهامُنا في جَبهةِ الجوزاء
والشينُ شَعبي والشبابيكُ التي
لاحتْ بوجهِ الشمسِ للشُعراء
شُرفاتُها فَرَحُ الحقولِ ونَشْرُها
عَبَقُ الأزقّةِ في زَفافِ الهاء
فهنا يعودُ الميّتون لبيتِهم
وهنا يَشبّ العُشبُ في الصحراء
وكأنها القدسُ التي في خاطري
حبقُ الزمانِ وياسمينُ الياء
ستظلّ فينا صادُ صخرتِها التي
نقشت حروفَ النجمِ في الأضواءِ
والضادُ بستانُ السماءِ وكلّما
عبقتْ .. تصادى الوردُ في الإملاءِ
طابتْ ، ففيها كان جنّةُ آدمٍ
قبلَ النزولِ لكوكبِ الإعياء
وأتى اليها طاهراً ومُطَهّراً
مَن لم تَنلْهُ النارُ بالإيذاء
وهنا تظاهرَ أخوةٌ كذبوا.. وقد
قالوا : الذئاب تروغُ بالأبناء
وهناك تُلقي أُمُّ موسى إبنَها
وهنا حرائقُ زهرةِ العذراء
لا طائرٌ يأتي ليحكيَ قصةً
عن موقدٍ للدمعِ في الزَهراء
أو إنْ تلعثمتِ المليكةُ عندما
ارتبكتْ مياهٌ من رُخامِ الماء
وأنا هنا مِن قبلِ أنْ حلموا بها
فعَشَاءُ عيسى كان بعد عَشَائي
ولقد شهدتُ على يهوذا يوم أنْ
باعَ المسيحَ بحفنةٍ سوداء
وأنا الذي أبكيتُ مريمَ يومَها
وتعلَّقتْ، من حُزنِها ، برِدائي
بكتِ الفواطمُ فوقَ رأسِ شقيقتي
ورأتْ حِرابَ القاتلين .. ورائي
ويكونُ أنْ غَدَر الضِّباعُ ، وكلّما
شربتْ شراييني .. يفيض إنائي
فاءُ الفلاةِ أنا وقافُ قِيامةٍ
والياءُ تَنْدهُ في البعيدِ .. النّائي
والكافُ إنْ كفَّ الصليبُ جعلتُه
عَرشاً لداليةِ الندى الخضراء
لامُ البلادِ أنا وميمُ جذوعِها
والنونُ نَسْغُ جذورِها ولُحائي
فهنا هوى قلبُ الشهيد وهالَه
ما هزّ أعطافي وهاءَ بهائي
ولها يقالُ الشِعرُ ليس لغيرها
فهي السماءُ تنامُ تحتَ سماء
ويجوز أنْ أَلقَى المَعرّي نظرةً
فأَرَتْهُ كيف يجودُ بالإيحاء
ولربّما لو جاءها قيسٌ سَلا
مَن ألبَسَتْهُ قلائدَ الرّمضاء
وبها الهداهدُ أكملتْ أخبارَها
عن أمّهاتِ الدمعِ والسُجناء
عن سوسنِ الجرحى ودُفلى لاجئٍ
وعن الّلظى في أضْلُعِ الآباء
والنارُ أخبارُ اللهيب وهل لها
إلا المذابحُ في دمِ البسطاء
هذي فلسطينُ التي كانت لنا
واواً بلا عطفٍ ولا أسماء
هي حرفُنا المذبوحُ او منديلُنا
أو نبضُ جرحِ الروحِ في الحنّاء
ستظلُ فينا أبجديةَ عاشقٍ
وتكونُ أعلى من كلامِ الرّائي