تزايد الحديث خلال الآونة الأخيرة عن سعي الولايات المتحدة الأمريكية، لإيجاد قيادة بديلة للشعب الفلسطيني تخلف الرئيس محمود عباس في قيادة السلطة، في ظل صعود أسماء لم تُطرح من قبل وتهاوي أخرى تناقلتها الأوساط السياسية بكثرة.
وبحسب صحف عربية وغربية، فإن الإدارة الأمريكية أعطت الضوء الأخضر لخلاياها في المنطقة بالتحرك لإيجاد بديل للرئيس الفلسطيني محمود عباس، مشيرةً إلى أن الملف الذي أطلق عليه اسم "بديل عباس" أصبح بالنسبة لترامب أولوية كبرى قبل إطلاق أي عملية سياسية.
ومن الأسماء التي تداولتها الصحف المحلية والدولية، "رئيس الوزراء الأسبق سلام فياض، ورئيس جهاز المخابرات الفلسطيني الحالي اللواء ماجد فرج، وعضو مركزية حركة فتح صائب عريقات، ورجل الأعمال الفلسطيني المقيم في أمريكا د. عدنان مجلي"، حيث استثنت هذه التقارير الشخصيات المطروحة سابقاً مثل عضو اللجنة المركزية لحركة فتح الأسير مروان البرغوثي، والنائب محمد دحلان.
مشروع البديل
قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر د. مخيمر أبو سعدة: إن الرد الشعبي والرسمي الفلسطيني على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل، دعا أمريكا للتفكر جيداً في ما تسميه "صفقة القرن" وذلك في ظل رفض القيادة الفلسطينية تقديم أية تنازلات.
ورأى الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل، أن هذه التصريحات يجب التعامل معها بحذر وجدية كاملة، لافتاً إلى أن تصريحات إيجاد قيادة بديلة للشعب الفلسطيني رافقها تسريبات من بعض الجهات العربية ترمي إلى ذات الهدف، تحت عنوان "الشعب الفلسطيني يستحق قيادة أفضل".
فيما اعتقد الكاتب والمحلل السياسي سميح خلف، أن مشروع القيادات البديلة لمنظمة التحرير الفلسطينية، بدأ بمشروع روابط القرى في أواخر السبعينات، وتلاه مشروع "إيجال ألون"، إلا أن قوة منظمة التحرير في ذلك الوقت مكنتها من الدفاع عن استقلالية القرار الفلسطيني معتمدةً على الكفاح المسلح والثورة.
وأوضح أبو سعدة، أن "سعي الولايات المتحدة الأمريكية لإيجاد قيادة بديلة عن الرئيس محمود عباس، جاء عقب موقفه الرافض لمشروع الرئيس الأمريكي"، مبيّناً أن أمريكا تحاول إيجاد قيادة فلسطينية جديدة تقبل بطروحاتها للسلام، وتتنازل عن الحقوق والثوابت الوطنية الفلسطينية.
وبيّن عوكل، أن هذا الحديث يُعيد إلى الذاكرة فترة ما قبل اغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات، حيث بدأت موجة مواجهات مع أمريكا وإسرائيل، وتوجيه الصفعات لمشاريع الولايات المتحدة، حتى انتهى المطاف بمحاولة التخلص من قيادة الشعب الفلسطيني.
وأوضح خلف، أن الوضع الفلسطيني الراهن مختلف تماماً، حيث إن منظمة التحرير أصبحت مستضعفة ولم يعد لها دوراً حقيقياً في دعم صمود مشروعها الوطني أو البرنامج السياسي، إلى جانب أن القوى السياسية الفلسطينية ليس بمقدورها الحفاظ على المبادئ السياسية وحمايتها.
النجاح والفشل
قال خلف: إن الرغبة الأمريكية في إيجاد قيادة بديلة للشعب الفلسطيني ستواجه وضعاً معقداً، بسبب عدة عوامل منها "الجغرافيا والثقافة"، لذلك فإن القيادة الإسرائيلية تسعى إلى العمل على وجود إدارة مدنية موسعة للحكم في الضفة الغربية بهدف التعامل بشكل مباشر مع المواطن الفلسطيني والعشائر، الأمر الذي سيؤدي إلى إضعاف وجود السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.
وتوقع عوكل، أن تستخدم الإدارة الأمريكية أسلوب الضغط على الشعب الفلسطيني، بما في ذلك إمكانية التخطيط مع الإسرائيليين للتخلص من الرئيس محمود عباس، لكن دون السعي لاغتياله؛ بل باستخدام وسائل أخرى لتحقيق أهدافها في الشرق الأوسط.
وشكك أبو سعدة، في إمكانية نجاح الولايات المتحدة الأمريكية بتمرير مشروعها الهادف لإيجاد قيادة بديلة عن الرئيس محمود عباس، خاصة أنه يُمثل الواقعية الفلسطينية ومتمسكاً بحقوق وثوابت قضيته رغم التهديدات الأمريكية.
تهديد جدي
أشار عوكل، إلى أن ما يتم تداوله ليس تصريحات فحسب، بل هو تهديد أمريكي يهدف إلى زعزعة الوضع الفلسطيني، الأمر الذي يستدعي ردود فعل مناسبة وتفكير جيد من قبل كافة الأطراف، وذلك على اعتبار أن الرئيس محمود عباس ليس شأناً فلسطينياً بحتاً، حيث إن هذا الأمر مرتبط بالأطراف ذات العلاقة بالقضية الفلسطينية مثل "الأردن، ومصر، وإسرائيل".
ورأى خلف، أن حالة الضعف الفلسطيني أوجدت الرغبة الإقليمية والدولية بالبحث عن بدائل للقيادات السياسية، لتنفيذ بعض المخططات القديمة الجديدة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، خاصة أن الحالة العربية تُعاني حالة أشبه بالرمال المتحركة، في ظل تواجد أنظمة سياسية جديدة.
صفقة القرن وصفع أمريكا
بيّن أبو سعدة، أن الرد الشعبي بانطلاق المظاهرات الرافضة للقرار الأمريكي، ورفض الرئيس محمود عباس على المستوى الرسمي الفلسطيني استقبال نائب الرئيس الأمريكي "مايك بنس" خلال زيارته للمنطقة، والإعلان أن أمريكا لم تعد وسيطاً لعملية السلام، دفع البيت الأبيض للإعلان أنه لن يكون هناك شيء اسمه "صفقة القرن".
وأوضح عوكل، أن ما تسمى بـ"صفقة القرن" تقوم على اتفاق سلام فلسطيني إسرائيلي، يُقدم من خلاله العرب الثمن بالتطبيع والانفتاح على إسرائيل، ليتم بعد ذلك تشكيل تحالفات عنوانها مواجهة الخطر الإيراني، إلا أنه وبعد انسحاب الشريك الفلسطيني من هذا الاتفاق يُصبح دور الولايات المتحدة في العملية السلمية جانبيًا وغير مقبولاً.
ولفت خلف، إلى أن تراجع الإدارة الأمريكية عن مشروع "صفقة القرن" يفتح الأبواب على المشاريع الأمنية الرامية إلى استبدال الأنظمة السياسية الفلسطينية، مؤكداً على أن كافة الخيارات المتاحة ستكون على حساب إنهاء المشروع الوطني بالكامل، وتكريس انفصال الضفة عن غزة.
واعتبر أبو سعدة، أن تصويت 14 دولة في مجلس الأمن مع مشروع القرار المصري، الذي يعتبر مدينة القدس دولة محتلة ولا بد أن تخضع للقانون الدولي، وتصويت الجمعية العامة بأغلبية 128 دولة لصالح إلغاء قرار ترامب، كان بمثابة صفعة للولايات المتحدة الأمريكية التي هددت بقطع المعونة عن أي دولة تخالف قرار ترامب.
ورأى عوكل، أنه وبعد انسحاب الشريك الفلسطيني من المشروع الأمريكي، يُصبح من الصعب على أمريكا وإسرائيل السعي وراء التطبيع العربي الإسرائيلي، متسائلاً: "من العربي الذي يجرؤ على التطبيع مع إسرائيل في ظل غياب الطرف الفلسطيني؟".
وأشار خلف، إلى أن الإدارة الأمريكية لا تمتلك رؤية لتوحيد النظام السياسي الفلسطيني بسبب تعقد المشهد سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، مبيّناً في ذات الوقت أنه لا تقبل أي شخصية بتولي الرئاسة بدون خيار ديمقراطي أو تنصيب أمريكي.
ونوه عوكل، إلى أن "ترامب" خلط الأوراق بطريقة وجهت ضربة قاسية للمخطط الأمريكي السياسي بالمنطقة، وأصبحت الولايات المتحدة غير قادرة على التقدم للأمام، لذلك فإن ردود الفعل الرافضة لقرار "ترامب"، وضعت حجراً كبيراً أمام المخططات الأمريكية بشأن ما يسمى بـ "صفقة القرن".
مزاد الأسماء
قال عوكل: إن التصريحات المتواترة بشأن إيجاد قيادة بديلة للشعب الفلسطيني، تفتح المزاد على كثيرٍ من الأسماء، هذا ما شهدته الساحة الفلسطينية عقب إعلان الرئيس محمود عباس نيته عدم الترشح لفترة ثانية.
ولفت خلف، إلى أن الوضع في قطاع غزة مختلف تماماً عن الضفة الغربية، بسبب عدة عوامل منها "المقاومة، والعوامل الجغرافية"، مبيّناً أن ما طرح من خيارات لخلافة الرئيس مثل "سلام فياض أو ماجد فرج" لا يمكن أن تجد لها طريقاً، خاصة أن الأردن يتحكم عشائرياً بالضفة الغربية.
وأوضح عوكل، أنه بين الحين والآخر تنتعش بورصة الأسماء بكثير من الشخصيات عبر تقديم التكهنات وطرح الكثير من المراهنات، إلا أنه لا يمكن التوقف عند أسماء معينة لأن كافة الخيارات تبقى متاحة.
وبيّن خلف، أن الخيارات الإقليمية الأخرى تتمثل في مقدرة إسرائيل على إنهاء الوجود السياسي لمنظمة التحرير في الضفة الغربية، عر السعي إلى استمرار تواجد الأجهزة الأمنية بالاعتماد على مشروع "دايتون" الأمني، مع توسيع صلاحيات البلديات.
ودعا خلف، الرئيس محمود عباس إلى زيارة غزة، وإقرار موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية لقطع الطريق على تلك المشاريع الإقليمية التي تسعى إلى إنهاء المشروع الوطني الفلسطيني.