كشفت وسائل الإعلام العبرية النقاب عن قيام المستوى العسكري - الامني في اسرائيل بتقديم تقرير أعدته الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية "أمان" للكابينت السياسي الامني المصغر في 24/ديسمبر/2017، وعنوانه الرئيس هو التحذير من هشاشة الوضع الامني في الجبهة الجنوبية، وبأن احتمالية اندلاع حرب مع المقاومة في قطاع غزة في ارتفاع مستمر، ولأسباب عديدة.
يمكن القول بأن التقرير وهو شفوي على الأرجح قد أشار الى اجتماع 6 أسباب وعوامل قد تدفع المقاومة -وعلى الرغم من عدم رغبتها بذلك- الى اتخاذ قرار الحرب، أو التصعيد التدريجي والانجرار اليها ، هذه الاسباب هي : استمرار تدهور الوضع الانساني لسكان القطاع حيث مشاكل الماء والكهرباء والبطالة ورواتب الموظفين وغيرها، إضافة الى خيبة أمل الفلسطينيين من تقدم عملية المصالحة، وإعلان ترامب ضد القدس، وضعف تدفق الاموال والمشاريع القطرية، ونجاحات اسرائيل في ضرب الانفاق وأخيرا معاقبة حماس على صواريخ لم تنجح في منعها.
إن تقديم مثل هذا التقرير للمستوى السياسي يدل على مدى تزايد الخشية الاسرائيلية من اندلاع حرب جديدة مع المقاومة في قطاع غزة، والتي تطورت بشكل ملموس بعد حرب 2014، حيث يطرح المستوى العسكري والامني شكوكا وتساؤلات حول الحرب وبأنها ستكون بلا هدف واضح: فهل الهدف هو إسقاط حماس؟ وما هو البديل عنها؟ وأن تكلفتها ستكون باهظة، وهل الهدف سيكون احتلال قطاع غزة؟ وغيرها من الاسئلة الاستراتيجية، بمعنى أن الجيش لم يضع حتى اللحظة استراتيجية واضحة بسبب عدم تزويده بأهداف سياسية استراتيجية من المستوى السياسي في اسرائيل.
يدل التقرير بأن لا مناص لحكومة اسرائيل إلا أن تتحمل-وعلى الأقل- جزءاً من مسؤولية ما يجري على أرض فلسطين وفي قطاع غزة المحتل والمحاصر ، وعليه فإن اسرائيل ملزمة بأن تبذل جهودا إضافية لعلاج أوضاع القطاع من خلال تخفيف الحصار وتوفير الحاجات الانسانية الاساسية ، كالحركة والصحة ونحو ذلك، وهو ما أشار اليه أيضا رئيس الشاباك في 24-12 وأكد بأن ذلك مصلحة أمنية اسرائيلية، وهنا سيبرز السؤال ماذا ستفعل اسرائيل بالضبط؟ هل ستقوم بفعل ذلك بنفسها؟ أم أنها ستضطر للضغط أو دفع ثمن لأطراف مهمة كأبي مازن ومصر من أجل التخفيف عن غزة؟ وعلى الارجح ستقوم بكل ذلك.
لم يتطرق التقرير المنشور -على الاقل- للأسباب الذاتية الاسرائيلية، التي تدفعها للخشية من الحرب والمتعلقة بعدم استكمال الجيش الاسرائيلي استعداداته وتجهيزاته الاستراتيجية- العسكرية لخوض هذه الحرب، وخاصة فيما يتعلق بإعادة بناء وتطوير الترسانة العسكرية الاسرائيلية المتعلقة تحديدا بالقوات البرية، والتى ما زالت تعاني من نقص في التدريب والتجهيز اللازم ، ومن ذلك تطوير الدبابات المناسبة، وبأعداد كافية لخوض أي مناورة برية واسعة ، وقادرة على تجاوز دفاعات المقاومة في القطاع .
كما أن الكابينت قد ناقش في جلسته المذكورة أعلاه مقترحات للتخفيف عن قطاع غزة مثل خطة الوزير كاتس السابقة لبناء ميناء مائي ، وكذلك إمكانيات السماح لأعداد أكبر من عمال غزة للعمل داخل مستوطنات الغلاف ، وهو ما يدفع اليه أيضا الكثير من رجال الاعمال ومؤيدو السلام الاقتصادي في اسرائيل ، ولكنه يلقى معارضة من الشاباك ، الذي يقترح خطوات أخرى للتخفيف عن غزة عدا موضوع إدخال العمال .
وفي مؤشر واضح على مدى الجدية التي تعامل بها الكابينت مع تحذيرات الاستخبارات حول مدى تأثير أوضاع غزة الصعبة على احتمالية اندلاع مواجهة عسكرية، هي التعليمات التي أصدرها نتنياهو لمجلس الامن القومي الاسرائيلي لوضع خطة عمل واضحة لعلاج الوضع مع غزة وتقديمها في خلال مدة لا تزيد عن ثلاثة أسابيع.
لا يعني ما سبق بأن اسرائيل ستغير من استراتيجياتها الامنية العسكرية الحالية مع القطاع، والقائمة على استمرار ملاحقة وتدمير الانفاق أو توجيه ضربات تعتبرها عقابية لتساقط صواريخ على أهداف اسرائيلية بين الفينة والاخرى، ولكنها وعلى الارجح ستكون أكثر حذرا ودقة في تنفيذ هذه السياسات، أي تكرار استخدام نموذج التدمير الذي تم في نفق حماس بالقرب من "نير عام"، والابتعاد عن نموذج التدمير الذي تم في نفق الجهاد في خان يونس.