معنى الاحتجاجات الإيرانية

تنزيل (1).jpg
حجم الخط

 

 

مثلما ليست للزلازل أراضٍ صديقة تحابيها وتستثنيها من الانفجار، لأنها بطبيعتها جارفة وعشوائية؛ فقد انفجر زلزال اجتماعي على الأراضي الإيرانية، بقوة لا تزال متواضعة، لكنها تُنذر بالثبور وعظائم الأمور.

كان من بين أطرف مفارقات الانتفاضات الشعبية التي سُميّت "الربيع العربي" أن النظام السوري، قبل انفجار مجتمع بلاده، تحدث بشماتة عن زلزالي تونس ومصر، ثم بدأ يقلق مع تفاقم الزلازل الليبي لكنه ظل يقول إنه في منأى عن الزلازل، لأنه ممانع وعادل وشيخ الحارة التي تحبه حسب زعمِه. والإيرانيون، في زعمهم المماثل، انتعشوا وفتحوا الممرات الى الهيمنة في المشرق العربي، وطاوعهم في العراق، أولئك الذين وصولوا الى الحكم في بغداد على ظهر الدبابة الأمريكية. وظل الملالي يستمتعون بالزلازل، واصطنعوا رايات الحسين والطهرانية فيما هم يؤججون النزاعات الأهلية الطائفية المجنونة، ويؤسسون للظلم الاجتماعي وللخزعبلات المتخلفة.

ومثلما كانت تختمر، في الداخل السوري، كل عناصر الانفجار الاجتماعي الذي عاش النظام على إنكارها وتجميل صورة الحكم، ظلت تختمر عناصر انفجار آخر في الداخل الإيراني. كانت المؤشرات الأولى تدل على أن المجتمع يغلي، ولم يعد يطيق فساد الحرس الثوري الذي لا يصادر الاقتصاد الإيراني وحسب، وإنما يمارس تهريب البترول واستنزاف الثروات، من وراء الدولة نفسها وهو يتحكم في اقتصادها، فتسارعت وتائر إفقار الناس، وتعاظم إحساسها بأن غزوات الملالي تخصم من رزقها ومن خبزها.

في العام 2009 اندلعت في إيران احتجاجات "الثورة الخضراء، التي عبرت عن طموحات الطبقة الوسطى، وعن خط المعارضة من داخل النظام والقبول به، من خلال مجتمع أهلي زاخر ومتنوع. فقد انفجر في تلك السنة، الغضب الشعبي، بسبب تصعيد محمود أحمدي نجاد الى الرئاسة، على حساب المرشح الإصلاحي حسين مير موسوي. وبدا أن قوة النظام لم تتح للإيرانيين سوى المعارضة من داخله. لكن تلك الاحتجاجات جوبهت بالعنف، علماً بأنها بدأت تحمل اسم "الإضراب الكبير". وهذه المرة، خرجت التظاهرات عن السيطرة وتضمنت شعارات غير مسبوقة، وهتافات ضد المرشد، من شاكلة "الموت للديكتاتور" ولم تخلُ الصرخات من شجب لرمزية آية الله علي خامنئي. وفي غضون ساعات تفشت التظاهرات في كرمنشاه ورُشت وأصفهان وهمدان وقزوين وحتى مدينة قم مقر المرجعية الدينية الحاكمة. وفي يوم السبت انتقلت إلى طهران، وشهرالكرد، وبندر عباس، وأراك،  وزنجان وأبهار ولورستان. وقال تقي كروبي، نجل الزعيم المُعمم المعارض مهدي كروبي الذي فُرضت عليه الإقامة الجبرية؛  إن التظاهرات الأخيرة تكشف عن رغبة الشعب الإيراني في الاحتجاج. وأضاف الرجل لكي يستبق تخوين المتظاهرين وتحويلهم الى مندسين يعملون لصالح استخبارات الخارج فقال: "إن على مؤسسة الحكم، أن تعترف بوجود قاعدة احتجاج في إيران، ففوز حسن روحاني الساحق جاء بسبب دعم الإصلاحيين له إلا أن تحوله للخط المحافظ خيب آمال قاعدته. فالإصلاحيون هم الذين ضخوا الأمل في البلاد وهم الآن صامتون، وهذا هو سبب ضعف الحكومة وعجز السكان. وعندما لا يضخ الإصلاحيون الأمل يتذمر الناس"!

معنى هذا الكلام، أن متنفس الشعب الإيراني كان من خلال الإصلاحيين الموصولين بالنظام وبمرجعياته. لكن هؤلاء الإصلاحيين عندما يقفون عند الخط الذي لا يُسمح لهم بتجاوزه، يفتقد الشعب المتنفس المتاح، فيقاوم الاختناق وينفجر!

كان الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي خلع مؤخراً عباءة الإصلاح؛ قد صارح الإيرانيين، فأعلن أثناء ترشحه عن كل ذمائم النظام، وعدّد مكامن الاختلال والفساد والظلم الاجتماعي، وبدا من خلال أحاديثه، أن ما تعاني منه إيران هي نفسها الأمراض التي تعاني منها بلدان الديكتاتوريات الباقية في العالم، وفي البلدان الفاشلة والفقيرة. لكن الشعب الإيراني، وبخاصة جيل الشباب المحبط، وصل الى قناعة، بأن ما تحدث به روحاني، لم يكن إلا ذراً للرماد في العيون!

في العام 2009 كانت الاحتجاجات تعكس طموحات الطبقة الوسطى. اليوم، تقلصت الطبقة الوسطى، وأحيل جزؤها الأعظم الى الطبقة الفقيرة العاملة، التي تعاني العوز والكبت والشباب العاطلين.

تبقى الأسئلة التي لا بد أن يطرحها المُفتَتَنون بالنظام الإيراني على أنفسهم: هل يصح أن يستمر النظام في استنزاف مقدرات الشعب الإيراني في مغامراته الخارجية، بينما هذا الشعب يعاني؟ ومن ذا الذي يصدق أن الشعوب يمكن أن تأتمر بإمرة رئيس أمريكي من طراز دونالد ترامب وتكون تابعة له وأن ينال مثل هذا الرئيس إعجابها فتنفذ أجندته؟ وهل ليست هناك عناصر انفجار، لكي يكون الانفجار من صنع الآخرين؟

إن الزلازل هي نتاج عناصر داخلية، وإن كان من الطبيعي أن يستغلها الآخرون. لكن النظام الذي يراكم عناصر الانفجار، هو السبب. أما الآخرون، وبخاصة الولايات المتحدة والغرب، فإنهم الذين يتكفلون بإساءة سمعة الانتفاضات الشعبية وهم سبب التأثير سلباً على مقاصدها أو حتى سبب إفشالها!

لعل من نافل القول، أن إيران دولة يشكل الفرس 35% فقط من سكانها، وفيها شعب عربي مضطهد لأسباب عرقية وطائفية، وفيها أجزاء من شعوب أخرى، والأجدر بالنظام أن يتوخى ناصية الرشد وأن يكف عن غروره وغزواته!