عطا الله شاهين " غمارٌ لا نهائي "

istock_000000496974medium.jpg
حجم الخط

يعتريه الحُزْنُ في هذا الزّمن، فيجلسُ في غُرفتِه المُعتمة منذُ زمنٍ منعزلاً ليعرفَ إلى متى سيظلّ الحُزْنُ جاثماً في عينيْه من استمرارِ ما يراه من اقترافِ الذّبح لأُناسٍ أبرياء مساكين، هم ضحايا لحكّامٍ يتنافسون على حُكمِ المنطقة، ويتملّك الفتورُ ويحتلّ النّوْم ويأسرُ الهُدوءَ ويختطفُ الضّعف، كي يقترفَ هلاكَه المؤجّل ويمطّه بعيداً عن كلمةِ الأنا، التي قدْ توبّخه وتزجرُه إلى مصادرِ الصّحو البدائية. يشتهي أنْ يعيش.. وجهاً أَمْ برعماً لشبحٍ أَمْ سطتْ واقعاً من كرْبٍ أَمْ بعض من أصواتٍ تغوص في غمارٍ أَمْ تفاصيلِ مرحلةٍ من خامٍ أَمْ فيء عتمةٍ أَمْ نتوءات مستورة في عالمٍ مجنون، لا اختلاف! يشتهي أنْ يعيشَ.. يشتهي أنْ يستردّ رجولته، فيغتسلُ من الذّنْبِ حتى يعيش..

 

يريدُ أن يعيشَ ليعيشَ زمن الانهزامِ من غير أنْ يقرّ به أو ينكفئ عنه أو يفرّ منه أو يمكثَ فيه أو يطمح إليه أو يسمع له أو يُعانده. يحشدُ صوته الخارس ويعبئه بالإقدام ليجسر على المغادرة صوب واد من سديم أحمر الحُبّ ضبابي القدّ، فيفوز في أن يجهّز مأدبة من مرحلة قادمة لزمن ليس الزمن ذاته. لا مصدر له، فهو الأساس المتجذّر البعيد المحبوب الشفوق الثابت الأزلي المستتر وراء لغات وجهة كيوبيدية الأثر! يشتهي أن يعيش. بريعِه العطريّ وقهقهاته البكر. لن يتنازل عن رحيل غرائبه ولن ينتسب إلى وغىً من عبقِ البادية الباردة ابنة الزمهرير وعاشقته. لهذه البادية مأثرتها الغريبة ولغتها الصفراء ودربها الصافي الخالص.. ومعركةُ الفارّين وتراجيديا المُشرّدين… يشتهي أن يعيش.

 

هو النّهر الصّافي ولونه شفّاف وطهارتُه طهارة السّعير عطرُه أزكاه القمح من هذه الأرضِ وهو الطّريد المُشرّد الضّائع الرّومانسي الطائع العاق القصيّ المُضحى به الفارّ، العليل المحللّ إلى ذراته الأساسية، وهو الشّابّ العاق العاصي المُمتنع المكوّن من عناصرِ اللا تراب. يشتهي أنْ يعيش، ليحتفلَ بأمسٍ لمْ يحِن وقته لو أنّ الشّابّ زلطة. يشتهي أن يعيش. هو لصّ الدّقيق وحرامي سُدد الأرامل، وصاحب نساءِ الملوك، وفيء المارّين، وشيخُ العرافين، وإمام المنافقين. وهو الشابّ الحنطي البشرة بعد ال لو يشتهي أنْ يعيش.. كلّا، يشتهي أن يعيش.