دلالات المستجدات الفلسطينية واستحقاقاتها

thumbgen (11).jpg
حجم الخط

 

إخراج «قضايا المرحلة النهائية» ل«أوسلو» من جدول التفاوض، وحسم الاحتلال لها أحادياً، بدعم أمريكي مطلق، هو مستجد سياسي جعل ما بعده غير ما قبله، وحمل تحديات ومخاطر غنية عن الشرح. لكن، ولأن التشخيص لا يشكل نصف العلاج إلا حين يتجاوز الوصف إلى التحليل، فلنطرح دلالات هذا المستجد واستحقاقاته عبر الإشارة إلى:

أولاً: بعد 25 عاماً ويزيد من اتخاذ حكومات الاحتلال لما يسمى «العملية السياسية للسلام» غطاء لمواصلة، وتسريع، وتكثيف، إجراءات الاستيطان والتهويد والضم الواقعي، بات التفاوض، بالنسبة لقادة الاحتلال، زائداً لا حاجة لهم به، اللهم إلا كآلية لانتزاع اعتراف فلسطيني بالتهام القدس بشطريها، وضم أغلب أراضي الضفة، وإسقاط حق اللاجئين في العودة والتعويض؛ أي ما يعادل الاعتراف بـ«إسرائيل» «دولة لليهود»، لا على «مناطق 48»، فقط، إنما على كامل مساحة فلسطين بين البحر والنهر.

ثانياً: بذلك يتضح، بما لا يقبل مجالاً للشك، أن اعتراف قادة الاحتلال، في «أوسلو»، بمنظمة التحرير الفلسطينية، لم يكن، كما اعتقدت قيادة الأخيرة، اعترافاً ضمنياً بالفلسطينيين كشعب له الحق في تقرير مصيره بنفسه، بل إقرار بأن من تبقى منهم على أرضه مجموعة سكانية «غير يهودية»، تعذر التخلص منها، ويكفي لحل حاجاتها (لا حقوقها) أن تُعطى حكماً إدارياً ذاتياً في كنف، وتحت سيادة دولة «إسرائيل» اليهودية. ويتضح أيضاً أن قبول قادة الاحتلال بقراريْ مجلس الأمن 242 و338، أساساً للتفاوض، لم يعنِ اعترافاً بأن «مناطق 67» محتلة أو حتى متنازع عليها، بل جزء من أرض «إسرائيل» التاريخية الكبرى، «تم تحريره».

ولو شئنا استخلاص أهم استحقاقات الدلالات أعلاه، لقلنا:

1- ليست ثمة إمكانية لا لـ«تسوية استسلامية» تفرض مشيئة صفقة القرن الأمريكية «الإسرائيلية»، ولا لـ«تسوية سلامية» تلبّي أدنى مطالب المفاوض الفلسطيني؛ أي إقامة دولة فلسطينية مستقلة على كامل «مناطق 67»، وعاصمتها القدس الشرقية.

2- ثمة في الأفق جولات وجولات من المواجهة السياسية والشعبية الفلسطينية المفتوحة مع الاحتلال، وبالتالي فإن القيادة الفلسطينية الرسمية ستُجبَر تقدّم الأمر أو تأخر على مغادرة المحطة القائمة التي تتداخل، وتتشابك في إطارها مفاهيم، وأنماط تفكير، وطرائق عمل مرحلة معطوبة استنفذت نفسها، ومرحلة مفروضة تتشكل بتدرج وتدفع نحوها منذ سنوات محركات كبيرة معروفة ولا حاجة لتعدادها، فيما جاءت «صفعة القرن» لتضع حداً لرهانات عقيمة على الخارج أنجبت انقسامات وفعلاً ميدانياً مبعثراً في الداخل، ولتؤكد، أكثر من أي وقت مضى، أن وحدة الداخل ومقاومته هما رافعة الإنجازات، بما فيها دعم الخارج بأشكاله وجنسياته.

إن الحالة الفلسطينية وهي تواجه «صفعة القرن»، وواقع «سلطة بلا سلطة، واحتلال بلا كلفة» ينطبق عليها القول: يتشكل الجديد في أحشاء القديم، حتى وإن مر بمحطة مؤقتة يسودها الالتباس، فإنه لا بد أن يلد، لكن السؤال، هنا هو: متى؟ وكيف؟، آخذين بالحسبان أن الوقت كالسيف ذي حديْن، إن لم تقطعه قطعك، وأنه بالنسبة للفلسطينيين، من تراب يُسلب، ودم يُراق، وموارد تُنهب، وحقوق تُستباح، وهوية تُطمس، ورواية تُمحى، ذلك ليس منذ إعلان «وعد ترامب» بشأن القدس فقط، بل منذ نكبة فلسطين واحتلال أرضها، وتشريد نصف شعبها ويزيد.

هذا يعني أن الفلسطينيين الذين بددوا 25 عاماً في البحث تسوية تعيد ولو أدنى حقوقهم، لا ينبغي، ولا يجوز، تجريعهم مرارات هدر المزيد من الجهد والوقت لتجريب المُجرب الفاشل والمُدمر، فيما بات مفروضاً تسريع إلغاء تعاقد أوسلو، والتحلل من التزاماته الاقتصادية والأمنية، بوصفه المدخل الوحيد لإنهاء الانقسامات الداخلية، واستعادة الوحدة الوطنية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، بدءاً بتشكيل مجلس وطني جديد موحَّد، ينهي إحلال «السلطة» محل «المنظمة»، ويجدد ويفعّل المؤسسات الوطنية، ويضع استراتيجية سياسية جديدة للمواجهة المفتوحة مع الاحتلال، تقر الحق في ممارسة كل أشكال النضال.

عن الخليج الاماراتية