30 حزيران 2015
اليوم، تنتهي المهلة التي حددتها اللجنة التنفيذية للمنظمة للاتفاق على أسس تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وهدد الرئيس بأنه سيأخذ بخيار تعديل الحكومة القائمة بموافقة «حماس» أو عدم موافقتها. وأكد أن من المفترض أن تلتزم الحكومة القادمة ببرنامجه، بل على كل وزير بمفرده أن يلتزم بهذا البرنامج؛ الأمر الذي استدعى ردًا من «حماس» أكدت فيه مطالبها (شروطها) للموافقة على المشاركة في الحكومة المزمع تشكيلها.
أول نقطة ينبغي إثارتها هي أن التوجه إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية لم يأت استجابة لمجابهة التهديدات والمخاطر، بل جاء كردة فعل على تقدم مفاوضات التهدئة بين إسرائيل و»حماس»، وعلى تفجّر الخلافات داخل حكومة الوفاق وعدم قدرتها على الإقلاع.
وبدلًا من العودة إلى الموقعين على اتفاق المصالحة جاءت مبادرة تشكيل الحكومة من اللجنة التنفيذية على الرغم من أنها لا تضم ممثلين عن «حماس» والجهاد؛ من أجل وضع المنظمة في مواجهة «حماس»، وذلك خلافًا لما جرت عليه العادة، إذ كانت «فتح» و»حماس» تتفقان ثنائيًا ثم تأتي مباركة الفصائل ومنظمة التحرير لاحقًا، فهكذا حدث في «اتفاق القاهرة» و»بيان الشاطئ» بالرغم من أن الأخير تمّ بعد تشكيل وفد من المنظمة ادّعى توصله إلى هذا البيان.
على أهمية ما سبق، فإن من يحاور على أسس تشكيل الحكومة ليس هو الأمر الذي يمكن تعطيل الحكومة بسببه، فأي حكومة وفاق أو وحدة وطنية لا يمكن أن ترى النور من دون موافقة «فتح» و»حماس»، لأنهما الفصيلان الأكبر اللذان حصلا على أغلبية الأصوات في انتخابات المجلس التشريعي الأخيرة، ولأنهما، وهذا هو الأهم، يسيطران بشكل مموه أو مباشرًا وكلا بمفرده على الضفة الغربية وقطاع غزة.
النقطة الثانية التي تطرح نفسها هي تضخيم مسألة الاتفاق على البرنامج السياسي، وعلى أن برنامج الحكومة يجب أن يكون برنامج منظمة التحرير.
المثير للانتباه أن بعض المحسوبين على الرئاسة «ملكيون أكثر من الملك»، إذ يصرّون على أن برنامج منظمة التحرير، وشروط اللجنة الرباعية تحديدًا، هو الذي يجب أن تعتمده الحكومة القادمة. هم يتجاهلون تمامًا أن «الرباعية» ماتت بدليل أنها لم تعقد اجتماعًا لها منذ فترة، وإذا عقدت اجتماعًا لا تجد ما تقرره، وأن ممثلها توني بلير استقال، وقررت عدم تعيين خلف له، وقام قبل استقالته بتكليف منها بعقد اجتماعين مع خالد مشعل رئيس «حماس» للاتفاق على شروط الهدنة طويلة الأمد بين إسرائيل و»حماس»، ما يشكل تجاوزًا عمليًا جوهريًا لموقف الرباعية الذي اشترط للاعتراف بحماس أو التعامل معها أو الاعتراف بحكومة تشارك فيها «حماس» اعترافها بشروط اللجنة الرباعية.
كما أن الحكومات الإسرائيلية، بما فيها حكومة نتنياهو الحاليّة، تجاوزت شروط الرباعية من خلال التفاوض غير المباشر مع «حماس» وعقد اتفاقات عدة للتهدئة ولتبادل الأسرى معها. وتُجري حاليًا مفاوضات مع «حماس»، ما يعني أن هذا الإصرار على تبني شروط الرباعية يتغطى بحجة عدم تعريضها للمقاطعة، مع أنه يستهدف تحقيق مصالح بعض الأوساط النافذة التي لا تريد لحكومة الوحدة الوطنية أن ترى النور.
الفلسطينيون بحاجة إلى حكومة وحدة وطنية يرأسها الرئيس وفقًا لما جاء في «إعلان الدوحة»، ويشارك فيها إسماعيل هنية وممثلون على أعلى المستويات من الفصائل وشخصيات وطنية وازنة؛ حتى تكون قوية بما فيه الكفاية لتواجه التحديات الجسيمة، لأن وجود الرئيس والقيادات خارجها سيجعلها مجرد مركز من مراكز القوى، في حين أنها يجب أن تكون مركز القرار والقادرة على تنفيذه.
إذا كان الرئيس قد أعلن وتأكد هذا في بيانات صادرة عن اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي للمنظمة حول ضرورة إعادة النظر في العلاقة مع الاحتلال، وفي الاتفاقات التي عقدت معه لإنهاء «السلطة بلا سلطة» و»الاحتلال المربح» و»فصل غزة عن الضفة»، لدرجة اتخاذ المجلس المركزي قرارًا بوقف التنسيق الأمني؛ فكيف هناك من يريد أن يعيدنا إلى الخلف ويصرّ على التزام الحكومة القادمة بشروط اللجنة الرباعية؟
يمكن أن يكون برنامج الحكومة برنامج منظمة التحرير (برنامج العودة وتقرير المصير والاستقلال) كما كان قبل التنازلات التي هبطت به وحوّلته إلى برنامج آخر.
نريد حكومة وحدة برنامجها واضح تمامًا بخصوص المفاوضات والمقاومة وضرورة إعادة النظر في شكل السلطة ووظائفها والتزاماتها؛ لتستجيب لمتطلبات الاعتراف الدولي والتحديات الجديدة، وواضح لجهة التهدئة، إذ لا تكون لتكريس الانقسام وتحويله إلى انفصال دائم ومقابل مجرد رفع تدريجي أو كامل للحصار، وإقامة ميناء عائم تحت السيطرة الإسرائيلية بغطاء دولي، وإنما كجزء من عملية سياسية قادرة على إنهاء الاحتلال وإنجاز الحرية والعودة والاستقلال.
برنامج واضح بخصوص الأمن وتوحيده على أسس وطنية ومهنية بعيدًا عن الفصائلية والاستقطاب الثنائي، وملتزمة بحل مشاكل الموظفين ورفع الحصار وإعادة الإعمار وكيفية استلام المعابر، وإنهاء الانقسام وليس إدارته، بما يأخذ بالحسبان الخصائص والظروف المتباينة في الضفة وغزة.
نريد حكومة تلتزم بإنجاز ديمقراطية توافقية تتضمن إجراء الانتخابات المشروطة بتوفير حريتها ونزاهتها واحترام نتائجها، وعدم التعامل معها كوسيلة للإقصاء أو التفرد والهيمنة، وإنما لترسيخ المنافسة الشريفة في إطار تعميق الوحدة الوطنية، حتى لا ننقل الخلافات إليها بما يشلها. حكومة تجسد الاعتراف الدولي بالدولة على الأرض وليس في أروقة الأمم المتحدة فقط، وهذا يعني التحرر – ولو بشكل تدريجي ومدروس - من الالتزامات والاتفاقات السابقة التي لا يمكن أن تحكمنا إلى الأبد.
كما نريد للحكومة القادمة أن تكون قادرة على توحيد النظام السياسي وإنهاء الانقسام على كل المستويات والأصعدة، بما في ذلك وضع حد لهيمنة «فتح» على السلطة والمنظمة وانفراد «حماس» بالسيطرة على غزة، وأن تكون في خدمة المصلحة الوطنية وأداة في يد منظمة التحرير بعد إعادة بناء مؤسساتها التي شاخت وترهلت. حكومة لا تساعد على العودة إلى المفاوضات الثنائية برعاية أميركية انفرادية أو دولية شكلية، وإنما تغلق الباب نهائيًا على هذا الاحتمال. حكومة تحترم حريات الإنسان وحقوقه والمساواة بين المواطنين بغض النظر عن الجنس والدين واللون والانتماء، وتحارب الغلاء والاحتكار والفساد والمحسوبية والاستغلال والاقتصاد الحر النيوليبرالي الذي يطحن الفقراء ويزيدهم فقرًا ويخدم مصالح الأغنياء ويزيدهم غنى .
إذا كانت تلك الحكومة التي نريد ونحتاج، فهل يمكن تحقيقها، أم أن الدعوة إليها مجرد مناورة بدليل الشروط المتبادلة والتهديد بانتهاء المدة والمراهنة على الوقت وعلى أطراف ومؤشرات وتطورات، مثل إطلاق مبادرة لاستئناف المفاوضات، أو انتظار انهيار «حماس»، أو تحسن علاقات «حماس» مع مصر والسعودية وتوصلها إلى اتفاق هدنة طويلة مع إسرائيل؟
إن الإجابة الأولية عن هذا السؤال تتضح من عدم حدوث اختراق نوعي في حوارات أسس تشكيل الحكومة حتى الآن، بينما ستظهر الإجابة النهائية بعد أيام أو أسابيع قليلة على أبعد تقدير.
وإذا فشلت حكومة الوحدة، فما هي الحكومة التي من الممكن تشكيلها: هل حكومة وفاق مثل الحاليّة لا لون ولا طعم ولا رائحة لها، ولا تملك من أمرها شيئًا ليس في قطاع غزة فقط، وإنما في الضفة كذلك، لأنها لا تحكم وإنما الاحتلال هو السيد هنا، الذي يمنح بعض السلطات والصلاحيات المحدودة للسلطة يوسّعها حينًا ويضيقها حينًا آخر كما يحصل الآن في محاولة لإخضاع الرئيس لمطالبه وشروطه التي لا تنتهي وتتجدد باستمرار.
أم حكومة بلا وفاق وطني تكرس الانقسام، حتى لو لم تؤد إلى تشكيل حكومة أخرى في قطاع غزة، حتى تتحمّل كامل المسؤولية وتتنصل منها «حماس»؟
إن طريق الخلاص الوطني لا يكون بتقزيم المطلوب بالاتفاق على الحكومة وتجاهل البرنامج الوطني والمنظمة التي تمثل الفلسطينيين جميعًا، وإعادة بناء مؤسساتها وتجديدها لتضم مختلف ألوان الطيف هي المدخل الطبيعي لإنهاء الانقسام، وتمكينها من بذل كل ما تستطيعه لحماية الشعب الفلسطيني أينما تواجد وتحسين شروط حياته وشق الطريق لتحقيق أهدافه وأحلامه الوطنية .