المستوطنون و"التفكير خارج الصندوق"!

التقاط.PNG
حجم الخط

 

أصبح واضحاً الآن أن الموقف الأمريكي بقيادة الرئيس دونالد ترامب يقف عند المحاولة الأخيرة لتصفية القضية الفلسطينية وما كان يسمى «الصراع العربي - الإسرائيلي». ومنذ أن تبنت بريطانيا «المشروع اليهودي» نيابة عن دول الغرب الاستعمارية بإصدارها «وعد بلفور»، و«الحركة الصهيونية» تقوم بوظيفتين: الأولى بوصفها أداة من أدوات المشروع الاستعماري وفي خدمته في المنطقة العربية، والثانية بوصفها أداة تحقيق مشروعها الخاص بإيجاد «وطن قومي لليهود» والذي تحدث عنه «وعد بلفور».

ومن يتوقف اليوم عند المسارات التي قطعها المشروعان، الاستعماري واليهودي، على مدى قرن كامل، يتراءى له كيف أن الدولة الاستعمارية الأولى (بريطانيا) و«الوكالة اليهودية»، ثم أمريكا لاحقاً، قطعت هذه المسافة في تناغم هارموني حتى وصلت إلى ما يبدو أنه الخطوة الحاسمة التي يريدون لها أن تكون الأخيرة في مستقبل القضية والمنطقة، وكيف أن كل مرحلة استندت إلى المرحلة التي سبقتها، وأسست للمرحلة التي لحقت بها، حتى وصلنا إلى ما نحن أمامه اليوم!

دولة إسرائيل التي أعلن قيامها في النصف من أيار 1948، باعتراف دولي مشروط، كانت قد بدأت بمستوطنة صغيرة، وتكشفت الآن عن مشروع استيطاني كبير لم يغير يوماً طبيعته أو وجهته، وإن غير أدواته وزعماءه، ودائماً كان يتم التوظيف السياسي، والعسكري، والاقتصادي، والديني، والثقافي، حسب الظروف لتوسيع المشروع الاستيطاني. وبالرغم من أن «اليسار اليهودي» العلماني هو الذي وضع اللبنات الأولى للاستيطان، ثم وسعه تدريجياً حتى وقوع الانقلاب الذي أدى لفوز اليمين بالسلطة بزعامة مناحيم بيجن العام 1977، إلا أنه استمر يقوم بهذا الدور بعد ذلك في ظل حكومات حزب العمل بقيادة إسحق رابين وإيهود باراك، إلى أن وصل اليمين الديني المتطرف للسلطة فاتحاً الباب أمام المستوطنين للتحكم في السياسة الإسرائيلية مع حكومات بنيامين نتنياهو، حيث أصبحت حكومته الرابعة الحالية تسمى «حكومة المستوطنين»، وصار توسيع وبناء المستوطنات ومصادرة الأراضي لصالح البناء فيها عنواناً عريضاً لا حاجة للتحايل عليه أو مداراته، في تجاوز واحتقار صريحين للقرارات الدولية وما يسمى «الشرعية الدولية» التي أقامت «الدولة - المستوطنة»!

وليس من حاجة إلى القول إن كل يهودي، هاجر إلى فلسطين أو ولد فيها من آباء هاجروا إليها، هو مستوطن. ومنذ قيام الدويلة الاستيطانية في فلسطين وحتى نهاية ولاية الرئيس الأمريكي الرابع والأربعين، باراك أوباما، كان الموقف الأمريكي، وكذلك الدولي، يقران ويعلنان أن الاستيطان في الأراضي المحتلة العام 1967 غير شرعي ويعرقل «عملية السلام في الشرق الأوسط». ومع وصول ترامب إلى البيت الأبيض تغير كل شيء وأصبحت المستوطنات لا علاقة لها ولا تشكل عقبة في طريق إحلال السلام، بينما تسن الحكومة الإسرائيلية القوانين والتشريعات لشرعنة ما يسمى «البؤر» التي لم تصلها «الشرعية». وبينما تواصل الحكومة سياساتها الاستيطانية دون تنظير، صار المستوطنون، من السياسيين والمنظرين، يرفعون أصواتهم بأنه لا بد من «التفكير خارج الصندوق» للوصول إلى إحلال السلام وإنهاء الصراع.

ومع أن الأمثلة كثيرة وأصبحت تمتلئ بها الصحافة الإسرائيلية، وبأقلام يمينية و«يسارية» على حد سواء، إلا أن مقالاً كتبه غرشون هكوكين ونشرته الصحيفة الموالية لبنيامين نتنياهو («إسرائيل اليوم» 2018/2/5) يصلح نموذجاً لهذا الخط من التفكير، والذي يعكس تفكير الحكومة والائتلاف الحاكم والمستوطنين المتحكمين بالسياسة «الإسرائيلية»، وكذلك التوجهات الأمريكية، وذلك لفرط صراحته!

يقول هكوكين: منذ الرئيس كلينتون، كانت هناك أربعة افتراضات «تغلق الصندوق وتجعل المفاوضات مستحيلة»، وهي: «1- يتم حل النزاع في المنطقة الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط 2- الحل يتطلب إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة. 3- ينبغي أن تستند الحدود إلى خطوط 67، مع تعديلات طفيفة 4- يجب أن تكون الضفة الغربية وغزة كياناً سياسياً واحداً». هكوكين يرى أن هذه «الافتراضات تجعل المفاوضات مستحيلة»، و«طبعاً» لهذا انتهت المفاوضات بعد ربع قرن إلى الفشل الذريع، وهو ما يفرض «التفكير الإبداعي» للخروج من الصندوق! وهو يرى من أجل أن تفكر «خارج الصندوق» يجب أن تسقط هذا الافتراضات!

ولكن كيف؟ يقول: يتحقق ذلك من خلال:1- الاعتراف بعدم القدرة على تقسيم الأرض الضيقة بين البحر والأردن إلى دولتين بالمعنى الكامل لمفهوم الدولة. 2- الطريق الإبداعي يبدأ بالتحقق في الاختلاف في النشاط الأمني بين قطاع غزة والضفة الغربية. نموذج غزة مرفوض لأنه غير خاضع للمفهوم الأمني الإسرائيلي! ما يقصده هكوكين أن تكون فلسطين «مستوطنة واحدة»!

هذا هو «التفكير خارج الصندوق»! أمر واحد كان صحيحاً قاله هكوكين: فلسطين «الضيقة» لا تتسع لدولتين، ولن تكون للمستوطنين!

عن "الخليج"