01 تموز 2015
يتأثر ميزان القوى الحالي في سورية بالشرخ ثلاثي الاقطاب في الشرق الاوسط – المحور الشيعي بقيادة ايران والمحور السني بقيادة السعودية، فيما العامل السلفي – الجهادي، بقيادة «الدولة الاسلامية» يشكل معاملا ثالثا. وميدان المعركة الاساس اليوم هو في سورية، التي في أراضيها اتنافس كل العناصر ذات المصلحة فيما بينها: المجموعات المنتمية الى «المحور الشيعي»؛ المجموعة التابعة لـ «المعسكر السني» بما في ذلك محافل «الجهاد العالمي»؛ و «الدولة الاسلامية»؛ القوى العظمى – روسيا والولايات المتحدة؛ الاقليات التي تقاتل في سبيل حياتها، كالاكراد، الدروز، العلويين؛ وكذا الدول التي تحد سورية. وبسبب الصعوبة في تقدير ورسم وضع النهاية للمعركة في سورية، نميل الى الاشارة الى ثلاثة سيناريوهات كبرى، على افتراض ان سورية لن تعود إلى وضعها كما كانت قبل اندلاع الحرب الاهلية:
1. هيمنة ايرانية بشراكة «حزب الله» والأقلية العلوية، والذين سيواصلون الإمساك بمراكز الثقل في سورية؛
2. سقوط سورية في أيدي القوى السلفية، مع هيمنة من «الدولة الاسلامية»؛
3. استمرار الفوضى، دون حسم واضح، خليط واسع من العناصر التي يقاتل أحدها الآخر.
سياسة عدم التدخل الاسرائيلية
صراع القوى الاقليمي، الذي ينعكس في القتال داخل سورية، الى جانب انعدام اليقين بالنسبة لوضع سورية في المستقبل وعدم القدرة على توقعه، ولا سيما قدرة التأثير المحدودة على ما يجري وعدم الرغبة في الغرق في الدوامة الاقليمية وتحمل المسؤولية عن نتائجها، كل هذا أدى الى بلورة سياسة عدم التدخل الاسرائيلية في المعركة. وحددت حكومة اسرائيل منذ وقت غير بعيد ايران بصفتها التهديد المركزي على دولة اسرائيل، سواء بشكل مباشر ام من خلال أذرعها «حزب الله» ونظام بشار الاسد. ظاهرا، حتى الان تحسن الوضع الاستراتيجي لاسرائيل كنتيجة لعملية تفكك الحلقة السورية في «المحور الايراني»، دون أن تكون مطالبة باستثمار مقدرات واخذ مخاطر عالية. كما يسود التقدير بانه اتسع مجال المصالح المشتركة لاسرائيل والدول السنية المتفككة، بل يوجد اساس للتعاون بينها، يتركز في السعي الى شل النفوذ الايراني في المجال، وتصميم وجه سورية في اليوم التالي لنظام بشار الأسد. على هذه الخلفية، تمتنع اسرائيل عن استباق المتأخر واختيار ما هو السيناريو المفضل لديها من بين الخيارات السيئة الثلاثة: هيمنة ايرانية او «الدولة الاسلامية» او استمرار الفوضى في الاراضي السورية. واستندت هذه السياسة الى الفهم الذي ليس غير منطقي، بانه في الواقع الحالي لا معنى للاعتماد على أي جهة، ولا يمكن التأثير في تصميم صورة سورية دون «اقدام على الارض»، أي التدخل العسكري الكثيف.
تمهيداً لتغيير الوضع الاستراتيجي
ان انتقال الاحداث من سورية الى اسرائيل، والذي وجد تعبيرة بضغط ابناء الطائفة الدرزية على اسرائيل لمساعدة ابناء طائفتهم في الدفاع عنهم، مثلما هو ايضا التقدير بانه اقتربت نقطة التحول التي يفقد فيها نظام الاسد معاقله الاخيرة – التطور الذي سيدفع ايران الى تعظيم تدخلها في الحرب في سورية، والى جانب ذلك امكانية أن تسيطر «الدولة الاسلامية» على مجالات اخرى يهجرها جيش الاسد، تستدعي من إسرائيل اجراء تقويم للوضع الاستراتيجي، تحديد الوضع والاهداف التي تحسن في خدم مصالحها، وتوجيه اعمالها بما يتناسب مع ذلك.
الفرضية الاساس لدى اصحاب القرار في اسرائيل قبل وفي اثناء تغيير وجه الشرق الاوسط منذ 2011، هو أن ايران تشكل التهديد الاستراتيجي الاساس على اسرائيل. فالبرنامج النووي الايراني الطموح، والذي يعالج الان ايضا في الاطار الدولي، كان ولا يزال بؤرة المساعي السياسية والعسكرية لاسرائيل. واضافة الى ذلك، فان اسرائيل قلقة من الاتفاق بين ايران والقوى العظمى، والذي في اطاره سيعترف بايران كدولة «عتبة نووية»، والى جانب ذلك ستواصل استخدام أذرعها، ذات القدرة على استهداف كل نقطة في اسرائيل بالسلاح الصاروخي من لبنان، من سورية، بل من قطاع غزة، واطلاق العمليات الارهابية الى اراضي اسرائيل. هذا الوضع، ليس مقبولا في نظر اسرائيل. ومن هنا ينبع التطلع الاسرائيلي لحل «المحور الايراني».
على اسرائيل ان تتصدى لرؤية بعض الدول الغربية (ويحتمل الادارة الأميركية ايضا)، والتي بموجبها ايران بالذات هي الجهة التي تدخل الاستقرار الى الفوضى السائدة في سورية، في العراق وفي الشرق الاوسط بأسره. وذلك في اعقاب قتالها ضد الدولة الاسلامية وعلى اساس التقدير بانها دولة مسؤولية يمكن أن تثبت حيالها «قواعد لعب» مقبولة.
وبافتراض ان على دولة اسرائيل ان تنظم نفسها تمهيدا لما سيأتي، وانطلاقا من الفهم بانه يتآكل خيار الوقوف جانبا، فان عليها أن تنعش منظومة الاعتبارات الاستراتيجية التي تستمد منها سياسة عدم التدخل، وفي هذا الاطار مطلوب تفكير باعث على التحدي، يشير الى ظاهرة «الدولة الاسلامية» كتهديد أخطر من التهديد الايراني. سيناريو ينجح فيه التنظيم في احتلال اراض في هضبة الجولان وتثبيت نفسه فيها، سيضع اسرائيل وجها الى وجه أمام جهة لا تعمل حسب قواعد اللعب بين الدول. وذلك، خلافا لايران، سورية و»حزب الله»، التي توجد حيالهم منظومة من قواعد اللعب والمنطق المرتب. ينبغي الافتراض بانه اذا ما سقطت هضبة الجولان ومناطق اخرى تحت سيطرة الاسد وشركائه في ايدي «الدولة الاسلامية» فان السلاح على انواعه ايضا، والذي يوجد في تلك المناطق، ستضع «الدولة الاسلامية» يدها عليه. وتثبت التجربة ان «الدولة الإسلامية» تعرف كيف تستخدم منظومات سلاح متطورة وتجند الفارين من جيش العراق وسورية الى صفوفها. سلاح استراتيجي تحت تصرفها، سيكون اخطر على اسرائيل من السلاح الموجود في يد «المحور الايراني» الذي تسيطر عليه اعتبارات كابحة.
سبب آخر لتحديد «الدولة الاسلامية» كتهديد مركزي، يرتبط بسياسة ووضع جيران اسرائيل وكذا حلفائها. صحيح ان ايران وفروعها تشكل عدوا مشتركا لاسرائيل، الاردن، مصر، السعودية، ودول الخليج، ولكن قدرتها على المس بها محدودة لان سكانها في اغلبيتهم الساحقة سنة. وبالتالي فان ايران تجد صعوبة في تجنيد التعاطف في اوساط معظم السكان في هذه الدول، وكذا تغيير التوازن فيها بين القوى الداخلية. ثمة صعوبة اخرى تقف امامها ايران في هذا السياق هي ان مقدراتها في الوقت الحالي منتشرة في عدد كبير من الساحات على التوازي. وفي اعقاب ذلك فانها تجد صعوبة في خلق كتلة حرجة من النفوذ. بالمقابل، فان لدى «الدولة الاسلامية» امكانية تهديد كامنة كبيرة على الدول المجاورة لاسرائيل، وذلك لان بوسعها أن تؤثر على جماعات من السكان السنة المحبطين، ذوي الطريق المسدود. وبالفعل، فان متطوعين من بين الدول السنية ينضمون الى فكرة «الدولة الاسلامية» بل الى صفوفها. وحتى الان، تم احتواء التهديد في جهد كبير من الانظمة السائدة، ولكنه تعاظم واتسع في الدول الفاشلة والمتفككة في المنطقة. فسيطرة «الدولة الاسلامية» على سورية، بل على معظم أراضيها، قد يحدث موجات صدى في شكل فوضى في الاردن، في لبنان، في شبه جزيرة سيناء، بل في السعودية وامارات الخليج.
من زاوية النظر الاسرائيلية، من الصعب تصور الكثير من السيناريوهات السلبية اكثر من اغراق الاردن بنشطاء «الدولة الاسلامية»، الذين يهددون الأسرة المالكة ويهزون الاستقرار في المملكة. ثمة اعتبار مهم آخر في تحديد السياسة الاسرائيلية هو منظومة العلاقات بينها وبين الولايات المتحدة، والتي صممت على مكافحة «الدولة الاسلامية» أولاً. ضربة اسرائيلية لايران، حتى وان كانت بشكل غير مباشر، قد تؤدي الى تعزز «الدولة الاسلامية» وتشكل مدماكا سلبيا آخر في منظومة العلاقات المتوترة بين اسرائيل والولايات المتحدة. واضافة الى ذلك، فان مثل هذه الضربة من شأنها أن تصطدم بمصالح الدول الغربية، في فترة مطلوب فيها من إسرائيل أن تساعد حكوماتها في الصراع الذي تديره ضد المقاطعات وحملات نزع الشرعية ضد إسرائيل.
ما الذي يمكن أن تعمله إسرائيل؟
في ظل هذا التعقيد، اختارت اسرائيل التركيز على الرد على سيناريو استمرار الفوضى، وعملت على خلق روافع تأثير على جماعات الثوار والقيادات المحلية في جنوب سورية، ولا سيما في هضبة الجولان. المساعدة الإنسانية التي تقدم من جانب اسرائيل بهذه المحافل، التي تشخص كثوار يقاتلون ضد نظام الاسد والقوى المساعدة له، قدس الإيرانيين، «حزب الله» وميليشيات شيعية، ترسخ صورة مفادها أن اسرائيل تدعم انسانيا وعسكريا محافل الجهاد السلفي، كجبهة النصرة الذين يقاتلون نظام الاسد. وتتعظم هذه الصورة من جانب محافل «المحور» – إيران، نظام الاسد، و»حزب الله» – الذين يمارسون حرب معلومات غايتها إثارة السكان الدروز في اسرائيل ضد سياسة حكومة اسرائيل والمساعدات الانسانية التي تقدمها في هضبة الجولان.
الرد الوحيد المناسب لجملة السيناريوهات المشار اليها هو تعزيز وتوسيع روافع التأثير الاسرائيلية في جنوب سورية وفي هضبة الجولان. لهذا الغرض نوصي بتخطيط استراتيجية مشتركة مع الأردن، باسناد أميركي، لاقامة منطقة نفوذ مشتركة في جنوب سورية. في هذا الاطار، السعي الى التنسيق مع لاعبي «ايجابيين» (او سلبيين اقل)، مثل قوات «الجيش السوري الحر»، جماعات سكانية محلية، منظمات لا تنتمي الى الجماعات السلفية المتطرفة، وجماعات اقلية، كالدروز. الشراكات مع هذه الجهات، حتى وان كانت محدودة في الزمن فقط، ستقوم على اساس المساعدة العسكرية والانسانية، تموين الاحتياجات الحيوية للسكان، لدرجة خلق اقتصاد حدود يتضمن مسارات تموين بضائع من اسرائيل الى جنوب سورية. لاسرائيل وللأردن قدرات جوية وقدرات مضادة متطورة بوساطتها يمكنهما ان يقيما «منطقة حظر طيران»في مناطق محددة، والى جانب ذلك منح غلاف دفاعي مضاد للاعبين الذين يتعاونون معهما، دون استخدام القوات البرية. نشاطات في هذا الاتجاه سيعزز الحلف الاستراتيجي بين الاردن واسرائيل، يصد توسع نفوذ ايران و»حزب الله» من جهة وجبهة النصرة وعناصر الجهاد السلفي من جهة اخرى ويمنع نشوء «فراغ» تجتذب الى الدخول اليه «الدولة الاسلامية». من المهم أن يكون الدروز، سواء في جبل الدروز أم في هضبة الجولان السورية، جزءا من منظومة اللاعبين المحددين كشركاء لاسرائيل والاردن. وفي هذا الاطار، تحدد اسرائيل والاردن مجالا محميا يمكن ان يفر اليه لاجئون دروز وتقدم لهم المساعدات الانسانية اللازمة.
عن «مباط عليا»