04 تموز 2015
بقلم: يوسي بيلين
سنة على حملة الجرف الصامد، التي كانت في واقع الامر حربا استمرت 53 يوما وجبت ثمنا بـ 73 قتيلا في جانبنا و2.203 في الجانب الفلسطيني. المرة تلو الاخرى نجد أنفسنا في مثل هذه الحملات، التي لا يمكننا أن ننتصر فيها والتي نحاول أن نمنعها حتى اللحظة الاخيرة، والتي تسمى «حربا غير متماثلة» او بلغة اكثر بساطة «بلا قوات». نحن ازعر الحارة الذي يضبط نفسه ويحاول الا يعلق في مواجهة لأنه يخشى من أن كل حركة له قد تلحق ضررا «غير متوازن» بخصمه ولكن الخصم بالذات معني بكشف انعدام التماثل هذا.
وعندما يجد الطرفان نفسيهما في الساحة، يكون كل شيء مكتوبا سلفا. نحن نوافق (تقريبا) على كل اقتراح لوقف النار، نبذل جهدا للاكتفاء بالاصابات الدقيقة بواسطة سلاح الجو وفي النهاية نجد أنفسنا في الميدان، في المواجهة مع قوات محلية تعرف الميدان بشكل افضل منا. وهؤلاء قادرون على أن يفاجئونا، وان يضربوا ويخطفوا، وسلاح الجو سيدقق في معظم الحالات، ولكن ليس في كلها، وعندما لا يدقق فانه يصيب غير المشاركين، من كبار السن ومن اطفال، باعداد كبيرة. لا يعرف ازعر الحارة كيف يضع قفازات من حرير، وعندما يصيب، فانه يصيب بواسطة الطائرات، الدبابات والمدفعية. وهو مقتنع بأن هذا ليس بذنبه، ولكن في هذه المعركة، معركة «بلا قوات» المنتصر هو الخاسر، حتى لو كان الخاسر ليس منتصرا. وفي عالم يرى فيه الكل الكل، لن يجدي أي شيء نفعا: نحن ندمر، بمنهاجية، ابراج مدنية في غزة ونقتل اطفالا فلسطينيين؛ وعندما تطلق حماس وشركاؤها الصواريخ علينا، فان لدينا قبة حديدية.
روايتنا مقنعة جدا. ولا سيما لنا. الفلسطينيون اختطفوا ثلاثة شبان اسرائيليين في الضفة الغربية، خرجنا في حملة كي نعثر عليهم دون أن نعرف بانهم قتلوا في هذه الاثناء. وفي الحملة اعتقل واصيب رجال «حماس»، وبدأت «حماس» في غزة تطلق الصواريخ، وحاولنا نحن وقف المواجهة و»حماس» ارادت، على ما يبدو، مواجهتنا بكل ثمن. فقد بدأت تطلق علينا النار من داخل المدارس، من داخل الشقق الخاصة ومن داخل منشآت الامم المتحدة (الاونروا).
لقد كانت «حماس» بحاجة للمواجهة كي تتحرر من الوضع الذي علقت فيه. ورأت قيادتها كيف حل الجنرال عبد الفتاح السيسي رئيسا لمصر بدلا من مرسي والاخوان المسلمين الذين ولدوا «حماس»، والتمويل الايراني يتلبث في الوصول. وكنتيجة لذلك لم يكن بوسع المنظمة الارهابية دفع الرواتب لموظفي الحكم.
والقصة ستكرر نفسها في المستقبل. نحن لا نبحث عن مواجهة، ولكن عندما يكون مريحا لـ»حماس» فإنها ستقرر الجولة التالية، من خلال اطلاق الصواريخ أو استخدام الانفاق المؤدية الى حدودنا، والتي لم تكتشفها أو لم تفجرها الجرف الصامد. وتعرف «حماس» ان حتى الحكومة اليمينية الصرفة لن تقود خطوة للابادة التامة للمنظمات الاسلامية المتطرفة، وذلك لأنه واضح للجميع ما الذي ينطوي عليه ذلك، تماما مثلما هو واضح بان الابادة التامة ليست عملية وانه سينبت دوما احد ما جديد.
تعرف «حماس» ايضا بانه اذا قتل 500 طفل فلسطيني في هذه الحملة، فلن يجدي الف رجل اطفاء ولا السفراء بالانجليزية الطلقة. كما لن ينقذ حتى الجنرالات من اميركا ممن سيفسرون بان الفارق بيننا وبين اعدائنا هو انهم يطلقون النار على السكان المدنيين بنية اصابتهم، اما نحن فيحصل لنا هذا رغم أننا لا نريد أن نصيب السكان المدنيين باذى، وبالتأكيد ليس بهذا العدد الكبير من الاطفال. ليس لأن هذا غير صحيح، وليس لأن معظم العالم لا يفهم الامر، بل لأنه غير مستعد لأن يقبل الجواب. اذا كنتم لا تريدون ان تصيبوا باذى هذا القدر الكبير من الناس غير المشاركين، يقول لنا العالم، فلماذا تتخذون خطوات على هذا القدر من الفتك؟ وعندما نجيب باننا وجدنا اختراعا خاصا في نوعه، وهو انساني ويمنع الالم ويسمى «انقر السطح» يقول لنا العالم ان هذا يتعارض والقانون الدولي وغير كاف.
العودة إلى طاولة المفاوضات
لقد استغرقنا وقتا كي نفهم بان الجرف الصامد بالذات اصبحت خط الفصل في صورة اسرائيل: فالصواريخ من غزة وصلت لاول مرة الى تل ابيب. وعلى مدى بضعة اسابيع كان الاقتصاد مشلولا والسياحة تضررت بشكل جسيم. الصواريخ، التي جرى الحديث عنها سنوات طويلة، وصلت بالفعل الى محيط مطار بن غوريون، وشركات الطيران الاجنبية، معظمها ان لم تكن كلها، اوقفت طيرانها من والى اسرائيل. عشرات الجنود قتلوا، البلدات في غلاف غزة فرغت، ومن بقي فيها تعرض لاصابات خطيرة. إذن ماذا حصل، هل علينا أن ندفع ثمنا لأن القبة الحديدية منعت ضررا أكبر؟ سؤال جيد.
وعلى الرغم من ذلك، نظر العالم في شاشات التلفزيون وفي الشبكات الاجتماعية ورأى 1.8 مليون نسمة مكتظين في قطاع ضيق – بدون غرف أمنية، بدون قبب حديدية وبدون سلاح جو. آلاف عديدة، خرب عليهم عالمهم، شوهدوا بين الخرائب، يبحثون عن جثث اعزائهم او عن اغراضهم البائسة. لقد رأى العالم عائلات قتلت، ابا يبكي ابناءه، جدة تنوح فوق جثث احفادها. وفي تل ابيب – يوم مشمس جميل، صافرة حقيقية، واناس يجلسون في المقهى يغذون الخطى بشكل مرتب نحو الملجأ، مع علمهم ان القبة الحديدية تجعل الملجأ زينة.
يوجد بيننا جدال فيما اذا كان بوسعنا أن نمنع كل الموضوع، اذا كان بوسعنا ان نتوصل، منذ زمن بعيد، الى تسوية سلمية ودائمة مع الفلسطينيين، الى سلام كان سيمنع الانسحاب احادي الجانب من قطاع غزة، دون أي التزام من الطرف الآخر، وكان سيسمح لها بان نعيش الى جانب الفلسطينيين على الاقل مثلما نعيش الى جانب الاردنيين والمصريين. ولكن يخيل لي أنه لا جدال لأنه لا يمكن لاي خطاب في الامم المتحدة ولاي موقف فخور امام لجنة ان يكون الجواب المظفر على الوضع الذي وصلنا اليه حتى الآن ثلاث مرات بعد الجولات في غزة. قوتنا الشديدة ليست مناسبة لهذه الجولات. اذا لم نستخدمها على الاطلاق – لن نتمكن من الدفاع عن انفسنا – اذا استخدمناها كما استخدمناها في الماضي – سندفع ثمنا عاليا جدا من المقاطعات، ابتعاد الاصدقاء والوقوف امام معارك قانونية دولية.
الجانب الاخلاقي هو الآخر يجب أن نتذكره، وعليه فان الجولة التالية يجب ان نمنعها. ليس بكل ثمن، ولكن بثمن معقول يؤدي الى وقف نار طويل المدى. اذا كانت مثل هذه المفاوضات تجري اليوم – فمباركة واذا لم تكن – فمن المجدي بذل كل جهد كي نجريها.